هل ستنجح «الجبهة المدنية» بإيقاف الحرب؟
هل ستنجح «الجبهة المدنية» بإيقاف الحرب؟
د. الشفيع خضر سعيد
صعب جدا على معظم الناس، سودانيين وغير سودانيين، تخيل أن هناك فئة تنادي، وفي تناقض تام مع الطبيعة البشرية السوية، باستمرار الحرب والتقتيل في بلاد أصلا أنهكتها النزاعات والأزمات، واستوطنها الموت والدمار، حتى قبل تخطيط وتنفيذ الجريمة الكبرى، في 15 أبريل/ نيسان الماضي. ولكن، ربما فات على خيال معظم الناس هولاء، أن الحرب واستمرارها هي آلية ووسيلة هذه الفئة لإجهاض ثورة ديسمبر/ كانون الأول 2018 والعودة إلى كراسي الحكم، ولو على حساب دم الشعب المسفوح وفوق جماجم الوطن، وبعد أن عميت بصيرتهم بالرغبة في الإنتقام من هذا الشعب الذي أطاح بسلطتهم بقوة ثورته وحراكها السلمي.
تمكن الهوس وفقدان البوصلة من هذه الفئة لدرجة دغمها الرافضين للحرب المنادين بإخماد نيرانها، بالخيانة واللاوطنية حتى وإن كانوا من قيادات القوات المسلحة السودانية، ناهيك عن تهديدهم وتوعدهم للقيادات السياسية والنقابية ونشطاء لجان المقاومة والمنظمات المدنية التي تدعو لوقف الحرب. وكنا قد أوضحنا في عشر مقالات سابقة، منذ جريمة 15 أبريل/ نيسان الماضي، موقفنا الرافض للحرب، والذي يتماهى مع موقف كل أبناء الشعب السوداني، إلا القلة من مهووسي كراسي السلطة وبريقها، والذي يتلخص في:
1 ـ أن السماح باندلاع الحرب، هو قمة عدم المسؤولية، والتي تصل حد الجريمة وتستوجب محاسبة كل من أشعلها وكل من يزكي نيرانها.
2 ـ وأن لا صوت يعلو على صوت وقف الحرب وإسكات البنادق.
3 ـ وأن المناداة بوقف الحرب لا تعني طعن الجيش السوداني في ظهره أو السماح بهزيمته وتحطيمه، مثلما لا تعني دعم قوات الدعم السريع ونصرتها في هذه الحرب، بل تعني، بكل بساطة، رفض قتل السوداني لأخيه السوداني ورفض تدمير البلاد، وتعني رفض الحرب مطلقا في كل البلاد، ورفض أن يكون الاقتتال بديلا للحوار والتفاوض لحل الخلافات والأزمات السياسية والاجتماعية، مهما بلغت من الحدة والتعقيد.
4 ـ وأن المطالبة بوقف الحرب لا تعني استدعاء التدخل الخارجي، دوليا أو إفريقيا، لحل أزمة البلاد الراهنة. فأزمات السودان لا ولن تأتي حلولها من الخارج، وإنما تكمن هذه الحلول في داخله وعبر مساهمات أبنائه، ولكن هذا لا يعني رفض مساهمات الخارج واستخدام كل إمكاناته في دفع الطرفين، القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، للتفاوض حول وقف الحرب وليس حول العملية السياسية.
5 ـ وأن رفضا للحرب، يعني التمسك والتقيد بمبدأ تسريح كافة الميليشيات وجيوش الحركات المسلحة، بما في ذلك قوات الدعم السريع، وإصلاح القطاع الأمني والعسكري، حتى يكون للسودان جيشه الوطني المهني الواحد الموحد الذي يحتكر كل أشكال وأنواع النشاط العسكري في البلاد، ويلتزم بمهامه في حماية الدستور في إطار الحكم المدني الديمقراطي.
6 ـ وأن شعار لا للحرب يتجسد في الأنشطة الشجاعة والعظيمة التي تقوم بها مبادرات الشباب والنساء ولجان المقاومة داخل السودان من خلال مبادرات «غرف الطوارئ» و«ممرات آمنة» و«كونسورتيوم المنظمات الوطنية غير الحكومية» ونقابة أطباء السودان، وغيرها من المبادرات النشطة داخل الوطن، والتي تعمل تحت وابل الرصاص، للدفع بالعمل الإنساني وتقديم المساعدات للمواطن، واستعادة العمل في قطاع الصحة، والعمل الجاد لإنجاح الموسم الزراعي في المناطق والولايات الآمنة، ولو نسبيا، من المعارك والإقتتال.
6 ـ وأن رفض الحرب لا يعني العودة إلى محطة الإتفاق الإطاري ومجريات العملية السياسية كما كانت تسير قبل انفجار الحرب، لأن في ذلك إعادة إنتاج للأزمة.
7 ـ وأن للقوى المدنية دورا كبيرا في وقف هذه الحرب عبر صوتها الموحد ومن خلال المنبر الواحد، وأن تقاعسها عن تحقيق ذلك، لهو خلل لا يغتفر، ويكاد يقترب من جريمة إشعال الحرب.
8 ـ وأن أي عملية سياسية جديدة بعد توقف الحرب من الضروري أن تتضمن بحث تشكيل آلية قومية تضم قيادات كل القوى السياسية والنقابية والحركات المسلحة ولجان المقاومة والقوى الشبابية والقيادات النسائية والمجتمع المدني والشخصيات الوطنية، باستثناء أزلام النظام البائد ودعاة استمرار الحرب، وذلك لإختيار قيادة الفترة الإنتقالية، رأس الدولة ورئيس الوزراء، على أساس النزاهة والأهلية والكفاءة والقدرة السياسية والتنفيذية، وبعيدا عن أي ترضيات أو محاصصات سياسية، ثم تواصل الآلية الإطلاع بمهام التشريع والرقابة والمحاسبة. أما القيادات السياسية والحزبية فمكانها هذه الآلية القومية، بينما القيادات العسكرية مكانها مؤسساتها النظامية ومجلس الأمن والدفاع القومي.
وكما أشرنا سابقا، فإن فضاء السودان العام يعج بالعديد من المبادرات التي تسعى، من منطلق وطني حريص، لتوحيد القوى المدنية السودانية في جبهة واسعة تعمل من أجل وقف الحرب، وإستعادة المسار المدني الديمقراطي للعملية السياسية. وبعض هذه المبادرات تقدم خطوات في إتجاه إقتراح إعلان مبادئ، أو وضع تصور لكيفية العمل المشترك لتوحيد القوى المدنية ضد الحرب. وفي تقديري هذا نشاط إيجابي يستحق الإشادة والتشجيع. وأعتقد أن المطلوب الآن هو بحث كيفية عقد لقاء جامع لتوحيد جهود القوى المدنية ضد الحرب. وفي هذا الصدد، هناك عدد من الملاحظات نوجز بعضها في النقاط التالية:
ضرورة استخلاص الدروس وتلافي أخطاء وعثرات تجربة «الجبهة المدنية لإيقاف الحرب واستعادة الديمقراطية».
عدم إقصاء أي مجموعة، غض النظر عن أي مواقف سياسية سابقة لها، مادامت هي الآن تقف ضد الحرب.
أهمية أن تمتلك المجموعات المشاركة قدرا من الشرعية والتفويض الآن، وليس استدعاء لشرعية أو تفويض في مرحلة سابقة، بمعنى استنادها إلى قاعدة ملموسة، ليس مهما حجمها، ولكنها ليست مجرد توقيعات إسفيرية. وفي هذه الصدد، أكرر قناعتي بأن الجبهة النقابية المكونة من قيادات النقابات والاتحادات المنتخبة ولجان التسيير، هي أنسب نواة تأسيسية لهذا العمل.
الشفافية في كل خطوات العمل، والتي يجب أن تكون بعيدة عن أي مؤثرات خارجية، دولية أو إقليمية.
ولعل النقطة الرئيسية والمفصلية في نجاح أو فشل هذا الجهد، هي التحضير له من خلال لجنة تحضيرية مكونة من كل الأطراف.
نقلا عن القدس العربي
المصدر: صحيفة التغيير