الحسناوي يسلط الضوء على خطر “المشاريع الإسلامية الانقلابية” في المغرب
لا ينفي الباحث مصطفى الحسناوي عن “المشاريع الإسلامية الانقلابية” إمكانية النجاح مستقبلا، قائلا إن خطرها يظل “قائما، وأمرا واقعا”، لا تكفي فيه اليقظة الأمنية؛ بل “ينبغي أن تخاض معركة أخرى داخل النصوص التراثية والأدبيات المعاصرة المؤسسة للمشاريع الانقلابية من جهة، وتسليط الضوء على عدم واقعية هذه المشاريع من جهة أخرى، وإجرامها وفشلها بضرب الأمثلة التاريخية والمعاصرة”.
وصاحِب الكتاب صحافي وباحث متخصص في الجماعات الإسلامية، كان في فترة سابقا منتميا إلى عدد منها وقريبا من أخرى ومتحدثا باسم ملفات؛ من بينها ملف معتقلي “السلفية الجهادية”، وحاور في السجن عددا من المنضوين تحت لوائها، وصدر عمله بعنوان “قصة الإسلام الانقلابي في المغرب” عن منشورات “دار الأمان”، ويقدم فيه جردا مفصلا لتاريخ وراهن حركات وتوجهات إسلامية انقلابية، لا يقصرها على “السلفية الجهادية”، بل يضم إليها زوايا وحركات صوفية، قديمة وحديثة، مع التنبيه إلى رؤى وآراء “انقلابية” فردية داخل هيئات إسلامية غير انقلابية.
ولا يقتصر هذا الكتاب على تسليط الضوء على “الإسلام الانقلابي بالمغرب”؛ بل يشتبك مع أطاريحه تاريخيا، بالتنبيه إلى أن “التاريخ حافل بظهور المتنبئين وحتى مدعي الألوهية والربوبية في عصر ما قبل الدولة الوطنية، العصر الذي يلمعه الإسلام الانقلابي ويصوره على أنه أفضل من عصرنا”، كما يقدم انطلاقا من التاريخ المغربي نماذج متعددة في مختلف أنحاء البلاد عن اعتماد التشريع المحلي “بغير ما أنزل الله” الذي “لم يبدأ مع سقوط الدولة العثمانية، أو دخول الاستعمار، أو بعد قيام الدولة الوطنية”؛ “فقد كانت للقبائل، وخاصة الأمازيغية، أعرافها وقوانينها المنظمة لشؤونها ونزاعاتها وعلاقاتها؛ حتى مع وجود الشريعة الإسلامية”.
هذا الاشتباك يروم التنبيه إلى أن “الحركات الإسلامية المعاصرة تقوم بتصوير التاريخ السياسي الإسلامي على أنه تاريخ نقي ناصع مزدهر، منذ قيام الدولة الإسلامية الأولى إلى مجيء الاحتلال وقيام الدولة الوطنية الحديثة التي أبعدت الشريعة وانقلبت على الحكم بما أنزل الله، فعاقب الله الأمة بالاستبداد والفساد والفتن والحروب والمؤامرات والتخلف والجهل… ولا حل لهذه المعضلة إلا بالعودة إلى الحكم الإسلامي، وتطبيق الشريعة، وإعادة الخلافة”، وهو طرحٌ “تستغله الأيديولوجية الانقلابية (…) من أجل الشحن والتحريض لإسقاط المؤسسات والحكومات، وتعويضها بولاة أمر شرعيين وخلفاء يحكمون بالكتاب والسنة، ويقيمون دولة الشريعة والخلافة الراشدة”.
وتابع أن ليست كل الحركات الإسلامية معلنة هذا الهدف؛ “بل هناك حركات تشتغل على الجانب الروحي والتربوي، وأخرى تشتغل على الجانب العقدي والفقهي، وجماعات تسعى إلى المشاركة السياسية… ولكن هناك جماعات تشتغل على موضوع الحكم، وتسعى إلى الوصول إلى السلطة، بمشاريع تجعل من الخلافة والشريعة والجهاد والحكم بما أنزل الله… عناوين لها”، وهي موضوع كتابه.
ومن النماذج غير المعروفة على نطاق واسع التي أوردها الكتاب زاوية الفقيه الزيتوني، و”حزب الخلافة” الذي كان “أول حزب مغربي دعا إلى عودة الخلافة”، وحزب التحرير. كما توقف عند تأسيس مرحلة “الشبيبة الإسلامية” ومسار تأسس “جماعة العدل والإحسان” والتشظي الداخلي الذي تعيشه اليوم، ومرحلة “الجهاد الجامعي”، و”المغاربة الأفغان”، وخلايا “السلفية الجهادية”، و”الإمارات الإسلامية” في القرى والأحياء السكنية، و”حركة بلعيرج” و”الانقلابيين” خارج حدود المغرب. كما اهتم الكتاب بـ”فوضى المراجعات السلفية”، مع تقديم نماذج للتقية وتخفيفِ حدة الخطاب مع التمسك بالقناعات نفسها.
وفي تصريح لـ هسبريس، قال الباحث مصطفى الحسناوي إنه قد اختار عنوان “الإسلام الانقلابي”؛ لأنه مفهوم “لا يقتصر على من يؤمن بالانقلاب بالسلاح، مثل السلفية الجهادية، بل يمتد إلى من يريد الانقلاب عبر الثورة والتحريض على الخروج”.
وأضاف: “حاولت في هذا الكتاب تجميع التيارات والمدارس والخلايا الساعية إلى إقامة إمارة إسلامية، أو خلافة، أو دولة إسلامية أو مشروع حكم آخر، ولا تؤمن بشرعية الملكية أو إمارة المؤمنين أو المخزن”، والقاسم المشترك بينها ولو اختلفت المعتقدات سلفية وصوفية وحركية هو “السعي إلى إقامة نظام إسلامي”.
وأثبت الكتاب أنه “لا يزال بيننا من يشتغل ليل نهار لإعادة هذا الكابوس المسمى خلافة، التي ستغزو بلدان العالم وتحتلها وتنهب خيراتها وتسبي نساءها وتستولي على أراضيها، ويخيرَ سكانها الأصليون بين الإسلام والسيف على رقابهم أو دفع الجزية عن يد وهم صاغرون، ويصبحوا مواطنين من الدرجة العاشرة أو القتل”.
وواصل: “هذه الخلافة ليست شرا ووبالا على غير المسلمين وحدهم، بل حتى على المسلمين من طوائف أخرى”، ثم توجه إلى القارئ: “تخيل كيف سيكون وضع الصوفي أو الشيعي أو القرآني إذا قامت خلافة سنية؟ وكيف سيكون وضع الأشعري إذا قامت خلافة سلفية؟ وكيف سيكون وضع السلفي إذا قامت خلافة صوفية؟ هل سيسمحون لبعضهم البعض بنشر معتقداتهم وطبع كتبهم؟ كيف سيكون حال المسلمين العاديين، وكيف ستكون أنشطتهكم وهواياتهم ولباسهم واختياراتهم وحريتهم؟”.
وفي توصيات “قصة الإسلام الانقلابي في المغرب”، نبه الحسناوي إلى أن من أسباب إمكان تجدد أو نجاح المشروع الانقلابي، أيا كانت خلفيته، “وجود الخزان التراثي الذي يزود الخطاب الانقلابي بالقصص والسرديات والمنطلقات والأهداف والتسويغات والتبريرات الانقلابية” و”وجود الحاضنة الشعبية الساذجة، التي تناصر الفكرة الانقلابية دون معرفة بحقيقتها وتفاصيلها، وتتخيل فيها الحل لأزماتها”.
كما شدد الكتاب على “قدرة الحركات الانقلابية على التأقلم والتكيف والتلون، بحسب الظروف والسياقات (…) من استعمال القوة المفرطة إلى استعمال القوة الناعمة، ومن اعتزال المجتمع إلى التسلل والتسرب داخله”، إضافة إلى “قدرة التيارات الانقلابية على إعادة الإنتاج وإعادة تدوير أفكارها، والقدرة على إبقاء الفكرة الانقلابية جذابة داخل رؤوس الأتباع؛ ولو اقتضى الأمر الاستعانة بالأحلام والوعود الكاذبة”.
ومن الأخطار التي قد تؤدي أيضا إلى نجاح مشاريع انقلابية “وجود أنظمة سياسية وجهات استخباراتية، تتقاطع أحيانا مصالحها مع التوجه الانقلابي، ومن الممكن أن تخترق أو توظف أو تشجع جماعة انقلابية، وتساعدها على تنفيذ مشروعها كليا أو جزئيا، في أية لحظة”.
المصدر: هسبريس