هآرتس: التصعيد مع حزب الله قد يغير الأوضاع في “إسرائيل”
ظهر صراع جديد نسبياً يُهدد الاستقرار المحدود بين إسرائيل ولبنان اعتباراً من يوم الأربعاء، الـ12 من يوليو/تموز، بالتزامن مع الذكرى الـ17 لاندلاع الحرب اللبنانية الثانية.
إذ إن الأحداث الجارية بطول الحدود في الأسابيع الأخيرة تعرّضت للتهميش نسبياً، وذلك في ضوء “الإصلاحات القضائية” للحكومة الإسرائيلية والاحتجاجات المناهضة لها. لكن التصعيد الإضافي للأوضاع قد يُهيمن على الأجندة الإسرائيلية لصحيفة Haaretz الإسرائيلية.
ماذا يحدث على الحدود بين لبنان وإسرائيل؟
ترتبط التوترات الجديدة بتحركات إسرائيل وحزب الله بالقرب من الحدود الشمالية طوال العام ونصف العام الماضيين؛ حيث تبني إسرائيل جداراً بطول بعض أجزاء الحدود ليحل محل السياج القديم.
وهناك عدة نقاط خلافية بين حزب الله وبين الحكومة اللبنانية بشأن خط الحدود الذي تبني إسرائيل الجدار بطوله؛ إذ تم تنصيب سياجٍ حول قرية غجر في سبتمبر/أيلول الماضي ليجعل كافة منازلها جزءاً من الأراضي الإسرائيلية، على الرغم من النزاع حول موقع الحدود في تلك المنطقة.
بينما تعمّد حزب الله تصعيد أنشطته بطول الحدود، في خطوةٍ يراها الجانب المقابل على أنها استفزاز محسوب.
بدأ الأمر في ربيع عام 2022، عندما أُعيد إطلاق مبادرةٍ لبناء الخيام ومواقع المراقبة بطول الحدود على الجانب اللبناني؛ حيث يتمركز مقاتلون مسلحون من وحدة الرضوان التابعة لحزب الله في تلك المواقع، بما يتعارض مع التزام لبنان بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1701 الذي أنهى حرب عام 2006.
قرع طبول الحرب
بعدها، تعرضت إسرائيل لعددٍ من الهجمات ومحاولات الهجوم كما تقول هآرتس. وفي الأسبوع الماضي، هاجم حزب الله وحكومة الاحتلال التحرك الإسرائيلي في غجر بعد مضي شهور على الواقعة، ثم جرى إطلاق صاروخ مضاد للدبابات من لبنان صوب السياج في غجر، في توقيت لم يكن محسوباً على الأرجح. وهناك قناعة لدى الجيش الإسرائيلي بأن إطلاق الصاروخ تم بواسطة منظمة فلسطينية، لكن لم يتضح بعد ما إذا كان الإطلاق قد حدث بموافقةٍ من حزب الله أم لا.
في يوم الأربعاء، قالت حكومة الاحتلال إن أفراداً مشبوهين عند اقترابهم من الحدود ومحاولتهم اختراق السياج، مع تداول الشبكات الأجنبية لتقارير عن وقوع عدة إصابات. وقبلها، ظهرت مشاهد لسكان لبنانيين يرفعون أعلام حزب الله ويطلقون المشاعل الحرارية بطول الحدود.
ومع ذلك، جاءت أبرز خطوات حزب الله في مزارع شبعا؛ حيث تم تنصيب خيمتين داخل الأراضي الخاضعة لسيطرة الاحتلال. ويتنازع حزب الله مع الاحتلال على موقع الحدود المعروفة باسم الخط الأزرق داخل منطقةٍ لم تشهد نصب سياجٍ حتى الآن.
وبعد ضغوطات كبيرة من إسرائيل وغيرها من الدول، أزال حزب الله واحدةً من الخيمتين في مطلع يوليو/تموز، بينما لا تزال هناك مجموعة من النشطاء المسلحين في الخيمة الثانية. وقد نُصِبَت الخيمة على بعد نحو 100 متر جنوب شرق الخط الأزرق، داخل منطقة جبلية يصعب الوصول إليها من إسرائيل.
فهل هناك علاقة بين كل هذه الأحداث؟ وقعت أكثر تحركات حزب الله في عام 2021، عندما اقتربت خلية تابعة للمنظمة من نقطة غلاديولا في مزارع شبعا (قبل مطاردتهم بالأعيرة النارية التحذيرية لإبعادهم). لكن وتيرة الأنشطة الهجومية والاستفزازات ارتفعت على مدار الأشهر القليلة الماضية. وتعزو الاستخبارات الإسرائيلية ذلك إلى طريقة تفسير حسن نصر الله لما يحدث على الجبهة الداخلية الإسرائيلية.
“حزب الله يستغل أزمة الإصلاحات القضائية”
تقول هآرتس، إن بعض تصريحات نصر الله تدل على قناعته بأن إسرائيل قد أضعفتها الأزمة السياسية الدستورية الجارية، وأن مساحة المناورة المتاحة أمام الحكومة محدودة. لهذا يواصل نصر الله خطواته الهجومية، مع إبقاء مستوى الأعمال العدائية أقل من العتبة اللازمة لاندلاع حرب شاملة.
وازدادت الأوضاع حدةً في واقعة الخيام الغريبة بمزارع شبعا على وجه التحديد. ففي العام الماضي، وقّعت حكومة لابيدبينيت على اتفاقية الحدود البحرية مع لبنان بتوصيةٍ من المؤسسة العسكرية. وعندها، هاجم زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو الاتفاقية زاعماً أنها تمثل استسلاماً خطيراً ومخزياً لحزب الله. ولكن بعد عودته إلى السلطة من جديد، تجاهل نتنياهو توغلات المنظمة الشيعية في الأراضي الإسرائيلية طيلة شهور.
كشفت شبكة Kan Public Broadcast Corporation عن واقعة الخيام للمرة الأولى في منتصف يونيو/حزيران. وانتشرت في البداية مزاعم تقول إن الخيام في مزارع شبعا قد نُصبَت في مطلع الشهر. لكن تبين الآن أن الحكومة والجيش الإسرائيليين اختارا إبقاء الأمر طي الكتمان لأكثر من شهرين، حتى تم إطلاع لجنة الدفاع والشؤون الخارجية في الكنيست على الأمر بعد مضي شهرين ونصف على الواقعة.
ولم تنشر إسرائيل أي قوات لإزالة الخيام حتى الآن، بعكس ما يوحي به خطاب نتنياهو الحماسي، بينما تكتفي في الوقت الحالي بالمراسلات الدبلوماسية عبر الولايات المتحدة وفرنسا والأمم المتحدة.
وفي يوم الإثنين، العاشر من يوليو/تموز، وصل مبعوث الولايات المتحدة عاموس هوكشتاين إلى إسرائيل، في زيارة لم يجر الإبلاغ عنها مسبقاً. بينما نقلت وسائل الإعلام اللبنانية أن يوم الثلاثاء، 11 يوليو/تموز، سيشهد وصول مبعوث أمريكي إلى بيروت. وقد سبق لهوكشتاين أن توسّط بين البلدين في مفاوضات الحدود البحرية؛ لهذا من المفترض أن زيارته كانت مرتبطةً بالوضع في مزارع شبعا.
كما شهد يوم الإثنين لقاء رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بوحبيب مع قائد قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، اللواء أرولدو لازارو. وفي ختام الاجتماع، قال بوحبيب إن قوة الأمم المتحدة ستمرّر الطلب الإسرائيلي بإزالة الخيمة، لكن لبنان يطالب في المقابل بانسحاب إسرائيل من شمال قرية غجر. واجتمع قائد قوة الأمم المتحدة أيضاً مع رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، بشكلٍ منفصل.
تقول الصحيفة العبرية إن تقديرات الجيش تُشير إلى أن تنصيب الخيام جاء بمبادرةٍ محلية من نشطاء الرضوان في المنطقة، وقد أعطاهم نصر الله مباركته بأثر رجعي. وكرّرت الاستخبارات العسكرية هذا الزعم خلال الأشهر الأخيرة، قائلةً إن الخطوات التي اتخذها حزب الله والفصائل الفلسطينية تأتي على المستوى الميداني، وليس بناءً على أوامر من القيادات العليا.
وفي جميع الأحوال، أصبح حزب الله اليوم من المشاركين في إعادة تأطير الأعمال الهجومية. ولم يعد الأمر يتعلق بالخيام في مواجهة الجدار الذي يبنيه الجيش الإسرائيلي داخل مزارع شبعا، بل أصبح يدور حول المطالبة بإزالة السياج في غجر. وقد أبلغت مصادر عربية أن الأمريكيين مرروا لإسرائيل طلباً في هذا السياق، وذلك بالأصالة عن أنفسهم ظاهرياً.
وهناك انتهاكان للخط الأزرق من الناحية العملية، أحدهما من جانب حزب الله في مزارع شبعا، والآخر من جانب إسرائيل في قرية غجر. بينما تنطوي الجهود اللبنانية على شقين: الأول عسكري، والآخر دبلوماسي. وستواجه إسرائيل مع الوقت صعوبةً في عدم الاستجابة لتلك الجهود وترك الخيام في مكانها، مهما بدت القضية صغيرةً وهامشية، كما تقول الصحيفة الإسرائيلية.