لوحات التشكيلي بوعبيد تستنطق فصول مدينة تطوان وجاذبيّة العمران والإنسان

في كلّ مرّة يبصم الفنان المغربي بوزيد بوعبيد على فرادة فنيّة استطاعت منذ أعوام مديدة أن تجذب إليها الأنظار، وأن تجعله يعمل باجتهاد ومثابرة وحكمة في أفق ابتكاره لأساليب ورؤى تشكيلية تكشف عن مدى اتّساعها وتعبّر عن خصائص تجربة فذّة، بالغة الدّلالة والإبداع.

قد جعلت أعمال التشكيلي بوزيد بوعبيد في تعدّد مظاهرها وفي تنوّع مساراتها من مدينة تطوان مركزاً وجوهراً أساساً، من خلال إعادة تجديد المكان ووقائعه الحياتية بتفاصيله المعمارية ومكوّناته البشرية، وبلورة محطّات فارقة عن ينابيع المدينة وامتداداتها، والوقوف على ماضيها المتجدّد الذي لا يقبل عوامل الاندثار.

وها هو الفنان يصرّح بهذا الافتتان المستمرّ بالمكان قائلا: “منذ التحاقي بالمدرسة الوطنية للفنون الجميلة، أغرمت برسم المناظر المعمارية لمدينة تطوان بمختلف الخامات والألوان والأصباغ. كما اشتغلت على الحدائق والمناظر البدويّة لمحيط المدينة المتجذّرة بتراثها الإنساني العالمي”.

إنّ مدينة تطوان بمنعطفاتها الكبرى وبكلّ خلفياتها وتداخلاتها، شكّلت حقل اهتمام التشكيلي بوزيد بوعبيد وغيره من الفنانين الذين استلهموا في لوحاتهم تنويعات شتّى للمكان وأبرزوا تراثه العريق عبر مراحل تاريخية مختلفة وبواسطة أساليب وتقنيات متنوّعة. فالمعمار بجمالياته الفاتنة، يصير الصّلة الحميمة بين الفّنان والمكان حيث الأعماق تتفاعل بأقصى حساسيتها لتنتج أعمالاً عميقة الأثر.

وفي هذا الصدد، قال بوزيد: “عبّرت بالألوان عن الفنّ المعماري التطواني ومرفقاته من حِرف وصنائع، كالزلّيج والجبس والحديد المطروق والخشب المنقوش والملوّن داخل البيوت وفي الفضاءات العامة وكذلك في الدّروب والأزقّة والأسواق. إنّه عالم لا متناه من الألوان الدافئة والباردة، الفاتحة والغامقة التي وظفتها في لوحات صغيرة وأخرى كبيرة، فضلا عن جداريات”.

وختم المتحدث، وهو أستاذ تاريخ الفن بالمعهد الوطني العالي للفنون الجميلة بتطوان، بأنّه نظراً لأصالة مدينة تطوان المتفرّدة كمدينة مغربية أندلسية، فإن “الواجب يفرض علينا جميعا العمل من أجل المحافظة على حضارتها وهويّتها بالبحث والتّوثيق والترميم والإشعاع، وتوظيف كلّ ذلك في التربية الجمالية والاستقرار الاجتماعي والحركة السياحية والإنعاش الاقتصادي”.