خلفيات اتصال بلينكن بعطاف
حملت رسالة كاتب الدولة للخارجية الأمريكية أنطوني بلينكن، الموجهة لوزير الشؤون الخارجية أحمد عطاف، إضافة إلى دعوته رسميا لإجراء زيارة رسمية، ما يمكن اعتباره رغبة في تنشيط العلاقات في عدة مجالات، على غرار الاقتصاد والثقافة، والخروج بها من “الرتابة السياسية” التي تعرفها، وكذا تنويعها، بتعبير مراقبين يعتقدون أن العلاقات بين واشنطن والجزائر ظلت حبيسة مفاهيم تقليدية خاصة بالأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب، مرجحين بأن ذلك يعود إلى “اختلاف المواقف تجاه عدة ملفات”.
تحدثت رسالة بلينكن إلى عطاف، علاوة على دعوته نظيره لإجراء زيارة إلى بلده، عن “تقييم واقع التعاون متعدد الأبعاد بين الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية”، و “إيلاء الطرفين اهتماماً خاصا لمسائل الأمن الإقليمي، وجهود مكافحة الإرهاب، والشراكة الاقتصادية المتطورة باستمرار، وكذا مجالي الثقافة والتعليم اللذين تتوسع مكانتهما في العلاقات بين البلدين”.
واللافت في الرسالة، إضافة إلى التنسيق التقليدي المعروف في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب، عبارات الاهتمام الخاص بالشراكة الاقتصادية والثقافة والتعليم، بوصفهما مجالات “تتوسع مكانتهما” في العلاقات بين البلدين، ما يوحي بأن البيت الأبيض يقترح على المرادية الاستدارة بالعلاقات نحو مجالات “القوة الناعمة” أيضا، بالموازاة مع الشراكة الأمنية ذات الطبيعة المسلحة والحربية، وغالبا ما تكون في نشاط مكافحة الإرهاب، باعتبار أن الجزائر تكتسب خبرات وتجارب، أو في ما يتعلق بالأمن في منطقة الساحل التي ظل في السنوات الأخيرة ملاذا للجماعات الإرهابية.
ومن المعروف أن مصطلح “القوة الناعمة” يضم كل الأنشطة الثقافية والتعليمية والفنية، وله تأثير على النفسيات والذهنيات والقناعات يفوق أحيانا التأثير الذي يحدث بالتنسيق الأمني والعسكري والتجاري.
ومن وجهة نظر أستاذ الاتصال والإعلام الدكتور العيد زغلامي، فإنه بالرغم من أهمية دمج مجالي الثقافة والاقتصاد في العلاقات بين البلدين، فإنه يستبعد تماما أن يهيمنا ويتفوقا على الجانب السياسي، باعتباره جانبا تتحكم فهي عدة متغيرات وعوامل تتجاوز قوتها وتأثيرها بقية الجوانب.
وفي نظره، فإن مراكز التأثير في العلاقة بين الجزائر وواشنطن موجودة في الحقل السياسي والاستراتيجي والعسكري، وما يجري في الاقتصاد والثقافة يظل محدودا ولا يمكنه أن يحدد الاتجاهات، ويظل جزئيا وهامشيا ومحدودا أمام التجاذبات السياسية.
وقدم زغلامي مرتكزات رأيه بالقول إن الجولة التي قام بها وزير الشؤون الخارجية أحمد عطاف في أوروبا، والتي جاءت على خلفية زيارة تبون التاريخية إلى روسيا، نالت اهتمام وانشغال الكثير من السفارات والعواصم الأجنبية، لأنها جاءت في ظروف استثنائية. ويرى زغلامي أن الغرب، وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية، اعتبر هذا الحدث بمثابة تأييد للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حتى ولو لم يعبر (الغرب) عن ذلك بشكل صريح.
واستدل زغلامي بتعبير بعض العواصم عن عدم رضاها عن الزيارة التي أجراها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون إلى موسكو في هذا التوقيت بالذات، حين شن “عملية عسكرية خاصة” على أوكرانيا والعمل على تدمير بناها التحتية، على أساس “وجود تهديد قومي بإعلان رغبتها في انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي”، و “استعادة أراض روسية”.
وذكر المتحدث أن دعوة بلينكن إلى لقاء نظيره عطاف تنطلق من رغبة البيت الأبيض في معرفة خلفيات التحرك الدبلوماسي الجزائري في عدة عواصم، وحقيقة مبادرة الوساطة التي باشرتها الجزائر في النزاع أو الحرب الدائرة بين موسكو وكييف.
وبالرغم من الاختلاف في الرؤى بين الجزائر وأمريكا، إلا أن واشنطن تعرف وتدرك جيدا القيم التي تعتنقها الدبلوماسية الجزائرية، وفي مقدمتها الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وغيرها من المبادئ.
وتوقع الجامعي عقد لقاء بين عطاف وبلينكن لأن حل الأزمة الروسية الأوكرانية يمر عبر واشنطن بالضرورة، لأن أصل الصراع هو بين الكريملين والبيت الأبيض، لكن يتمظهر في صراعات بالوكالة في مناطق أخرى من العالم فيما يصطلح عليه بالإنجيلزية “بروكسي وور”، أي الحرب بالوكالة.
وعلى صعيد أشمل، حدد زغلامي أوجه الاختلاف في السياستين الجزائرية والأمريكية حاليا، وأهمها الفرق الواضح في النظرة إلى العالم، إذ ترغب الولايات المتحدة في استمرار هيمنتها وحلفائها على العالم، وفرض تصوراتها، بينما تتطلع الجزائر إلى عالم متعدد الاقطاب، عادل تتساوى فيه الفرص، وغير خاضع لقطب واحد، وهو ما بدا وفق الأستاذ في طلب انضمامها إلى المجموعة الاقتصادية “بريكس” وتنسيقها مع مختلف القوى الكبرى في العالم.
لذا، يستخلص المتحدث، فإن العلاقات بين البلدين لا تتأثر كثيرا بنشاطات “القوة الناعمة” للسفيرة الأمريكية، كلباسها الزي التقليدي الجزائري وأكلها طبق “بوزلوف”، واستعراض ذلك على صفحات السفارة بمنصات التواصل، بقدر ما تتحكم فيها لوبيات وقوى ومصالح وأحداث سياسية وأمنية.