الحرارة تفرض حظر تجوال في الولايات
تفرض الحرارة الشديدة التي تجتاح عدة ولايات، تزامنا وفصل الصيف على العديد من العائلات البحث عن متنفس لهم، فبمجرد غلق المؤسسات التعليمية لأبوابها وانتهاء امتحانات نهاية السنة الدراسية يصبح البقاء في هذه الجو أمرا صعبا، بفعل حرارة الطقس التي تفرض حظرا للتجوال، ويصبح البحث عن زرقة البحر أو المناطق الجبلية أمرا في غاية الأهمية.
أما من أجبرته الظروف على البقاء، فسيجد نفسه في مواجهة مشاكل انقطاع التيار الكهرباء والتذبذب في التموين بالماء الصالح للشرب وكذا قلة أماكن الترفيه.
في الجزائر العاصمة، شهدت المصالح الصحية، أمس، حالة استعداد حتى يتم التكفل بجميع الحالات التي يتم استقبالها بسبب الحرارة الشديدة، سيما كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة والأطفال وعمال ورشات البناء وغيرها.
وتحدثت مصادر طبية لـ “”، عن استقبال مصالح الاستعجالات للعديد من المرضى الذين تعرضوا للفحات الشمس، لتجولهم في هذه الظروف، وعدم أخذ الاحتياطات اللازمة.
وناشد الأطباء المواطنين بضرورة تجنب الخروج من المنزل إلا للضرورة، وشرب كميات كبيرة من الماء.
وتعتبر فترة الصيف من أصعب الفترات التي يخشاها قاطنو الصحراء الذين تنتابهم الحيرة والقلق، بمجرد اقتراب هذا الموعد الذي يستقبلوه بالاشمئزاز والتشاؤم، بالنظر إلى أنه يحمل معه الحرارة الشديدة التي تصل حدود الـ 50 درجة والروتين القاتل الذي يزداد وقعه بفعل انعدام وسائل الترفيه والاستجمام.
وهو ما يجبر العديد من العائلات إلى التفكير في الهجرة إلى الشمال بحثا على نسمات منعشة، أما من أجبرتهم الظروف على البقاء بالنظر إلى قلة ذات اليد، أو تلك المرتبطة بطبيعة العمل، فإنه سيكتفي بخلق نشاطات كالدورات الرياضية التي يزداد عددها والتسوق والمقاهي.
أما النسوة فحالهن يفرض عليهن مشاهدة الأفلام والمسلسلات والتسوق في الأسواق المخصصة لبيع البضاعة النسوية، وتصيد فرصة التوجه لأماكن الترفيه المحلية ولو لسويعات بعيدا عن هموم المطبخ وشؤون البيت.
الخبازون في مواجهة حرارة المناخ وجحيم الأفران
تفضل النسوة في البيوت مع ارتفاع درجات الحرارة، الحصول على الأكل الجاهز وفق الإمكانات المتاحة، ويصبح اقتناء مادة الخبز شبه يومي بالنظر إلى حالة المطبخ التي لا تطاق، حيث يصعب طهي “الكسرة”، لكن كيف هي حالة أولئك الذين يسهرون على إعداد الخبز؟
لمعرفة الإجابة زرنا مخبزة “التونسية” الواقعة بمدينة بسكرة في ساعات القيلولة، أين وجدنا عمالها منهمكين كل في اختصاصه يعدون العجين قصد تحويله إلى خبز.
الدخول إلى المستودع الداخلي للمتجر يعني ببساطة الاقتراب من الفرن، وهناك والعرق يتصبب على أجسادنا، حاولنا محاورة عبد الجليل ميالي الذي يقول أنه اقتحم هذا النشاط منذ نحو خمسة عشر سنة وتدرج في المهام، وحاليا يتكفل بعملية تطويع العجين إذ أصبح يتقنه جيدا.
وعن ظروف عمله في هذه الحرارة الشديدة يقول “الحمد لله، الله تعالى منحنا البركة والقوة وتعودنا على ذلك والحصول على “الخبزة” يتطلب هذه التضحية وتكبد المعاناة”. وأضاف قائلا “إذا كانت حرارة الجو خارج المحل تفوق الـ 40 فاعلم أنها تفوق الـ 60 درجة بالقرب من الفرن الذي يعمل بنظام 300 درجة. ويؤكد أنه تعود على هذه المهنة التي يجد فيها راحته ولن يفرط فيها وعندما يعود البيت ينام دون مكيف”.
والمفارقة يقول “أن العمل بالمخبزة شتاء صعب، ويفضل الصيف لأن الجو حار داخل وخارج المحل، لكن شتاء الطقس بارد والخروج قد يعرضه إلى نزلات برد والمرض، ويلتزم بشرب الماء وبكميات كبيرة”.
وأضاف أنه يعمل طوال ساعات اليوم وفي كل أيام الأسبوع، وفي حالة تعذر عليه الحضور فهناك من يخلفه لضمان توفير هذه المادة الأساسية.
عبد الجليل لم يفوت فرصة حديثه لـ “” لتوجيه رسالة إلى الزبائن وذلك بمساعدتهم بعدم تقديم انتقادات لاذعة تتعلق بكيفية صناعة الخبز والحديث عن نوعية ما يقدم لهم، لأنهم يعملون في ظروف قاسية جدا لن يقدر الزبون أن يتواجد فيها.
وأشار المتحدث إلى أن غالبية النسوة في المنازل، بما في ذلك زوجته، تحبذ عدم الدخول إلى المطبخ، لذلك على الزبون أن يحس بمعاناتهم، لأن مجرد الوقوف بالقرب من الفرن ولمدة 14 ساعة متواصلة أمر عجيب، وهو مطالب ومجبر على إعداد كمية معينة من الخبز.
مساعده أسامة هو الآخر أراد مشاركتنا في هذه الدردشة وقال: “بدأت هذه المهنة بطبخ الحلويات “القاطو” والهلاليات، ومع مرور الوقت أصبح الأمر عاديا بالنسبة لي”. وساعات عمله التي تبدأ من السادسة صباحا إلى الثامنة بالنسبة له تعود عليها وصارت روتينا ولن يغير هذه الصنعة مهما كانت الظروف.
عمال الفلاحة والبناء.. الشروع باكرا لتفادي ضربات الشمس
إذا كان البعض تسمح له الظروف بالتوجه إلى المدن الساحلية والاقتراب من نسيم البحر والغطس فيه، فإن هناك شرائح من العمال تجبرهم طبيعة نشاطهم على البقاء والتفريط في العطلة.
ومن أولئك الناشطين في المزارع وبساتين النخيل، اقتربنا من أحد مهنيي هذه الشعبة المدعو “لزهر. ر” وأردنا معرفة طبيعة نشاطه في مناطق الصحراء حيث قال “مع حلول فصل الصيف النخلة تفرض عليك مجموعة من الأعمال المحددة، أغلبها يخص المتسلقين الذين يصعدون في هرمها بالمعدات التقليدية التي تعرف بالعدة”.
وفصل في كلامه بالقول “البعض يحترف نزع فسيلات النخيل المعروف محليا بالجبار وأخرى تتعلق بالعرجون؛ كالتعدال أي تسليكه، ثم تأتي مرحلة ربطه وتغليفه بمادة البلاستيك دون نسيان المكافحة والرش ضد آفة البوفروة وسوسة التمر، دون إهمال عملية السقي اليومية؛ فالفلاح بصفة عامة لا يمكن له الابتعاد عن عمله ومواجهة الحرارة لا مفر منها”.
وحسبه أن الشروع في النشاط يكون عادة في الساعة الخامسة صباحا، ومع اقتراب العاشرة عليه التوقف وبإمكانه استئناف عمله إن كان مستعجلا بعد صلاة العصر عندما تخف أشعة الشمس.
وحرص لزهر على ضرورة أن يكون الفلاح قادرا على تحمل حرارة الطقس لأن عدم القدرة يعني المغامرة بصحته، ونبه المتحدث إلى أن جميع من ينشط في هذا المجال تصبح لديه المقدرة على العيش بعيدا عن المكيف، حيث يمكن الاستغناء عنه في السيارة وحتى في البيت.
ولم ينس محدثنا معاناة العديد من الفلاحين المنتشرين بمنطقة لغميق بنواحي دائرة أورلال، بولاية بسكرة، بسبب عدم توفرهم على الكهرباء في بساتينهم، مما يعني استعمال المازوت المكلف جدا، ناهيك على متاعبه التي لا تحصى.
من جانب آخر، ولجنا عالم البناء لما له هو الآخر من صعوبات في هذا الطقس الحار، وتحدثنا إلى الشاب ساعد الذي قال أنه يبدأ عمله مباشرة بعد صلاة الصبح، وعندما تقترب الساعة من الثانية عشرة تدرك أنك في الخط الأحمر الذي يعرضك لضربة شمس.
وهنا أردف قائلا “الأسبوع الماضي فُرضت عليّ بعض الأشغال الاستمرار إلى الواحدة زوالا، والنتيجة أنني شعرت بفشل ودوران وحمى ألزمتني لدخول المستشفى أين تلقيت العلاج، ولحسن الحظ أن ضربة الشمس لم تكن قوية”.
وأضاف “أعلمت الطبيب المعالج بتعودي على شرب كميات كبيرة جدا من الماء، لدرجة أنه شكك في إصابتي بالسكري، لكنه وجد جميع التحاليل جيدة ونصحني بأهمية شرب الماء بكميات معقولة لكن دون الإفراط.