الضجيج المقدس
الأحد 9 يوليوز 2023 16:06
كل قاعات الحفلات تلتزم بدفتر تحملات يجبرها على كتم أصوات الأفراح والأعراس ومنع خروج الضجيج إلى الخارج، وإذا اشتكى المواطنون من أي نشاط ملوث فإن الغرامة تنزل ثقيلة على صاحب القاعة. غير أن الضجيج الذي تحدثه الحفلات الخاصة التي يقيمها الناس في قصورهم أو فيلاتهم أو منازلهم لا تقوم فيها السلطات بمبادرة الردع والعقاب في حالة إحداث ضجيج مؤذٍ، أو في فترات متقدمة من الليل، سوى بعد شكاية من لدن المتضررين. وإن كنا نلاحظ أن هذه الظواهر بدأت تندثر بشكل واسع.
من هنا نلاحظ وعي السلطات بخطورة الضجيج كيفما كان نوعه، وأن هناك قوانين تحمي المواطنين من الأذى الصوتي، بحكم الضرر الحاصل ماديا على الإنسان كمحصلة لأبحاث علمية، تحدد مستوى من الصوت ضار بالصحة البدنية، خاصة في عمق الليل، حيث يتحول تعمد اقتلاع المواطن من نومه أو مرضه أو سنه الفتي من أجل صلاة الفجر إلى اعتداء على سلامة الأبدان والأنفس؛ ولا يتواجد أي مبرر فقهي لفعل ذلك إلا عدوانية التطرف والتزمت وفرض الشرائع الأحكام على الجميع بدون تمييز.
في مدينتنا أكبر فندق (الترانزات) يقف أمامه أكبر مسجد في المدينة (محمد السادس)، وكان القيّمون على هذا المسجد “يزيدون في العلم” فابتدعوا عادة سيئة تسمى “التهلال”، وهي أذكار وأدعية تسبق أذان الفجر، مدتها ربع ساعة حتى النصف، حسب الغرور والثقة الزائدة التي يحس بها المؤذن في صلاحية تجويده لهذه الأناشيد الدينية. وكانت مكبرات الصوت الثمانية تشق السماء ليلا، فتقيم الدنيا وتقعدها، ويقفز لها السواح الكثر في الفندق الكبير خاصة، وبعد معاناة لا بأس بها، استعان أصحاب الفندق بمعارفهم من النافذين في المدينة فتم وقف “التهلال” والنقص من قوة المكبرات.
المغاربة يعانون من هذه العدوانية التي تلبس قفازات مقدسة لكنهم يستحيون من تقديم شكاوى لناظر الأوقاف أو القائد أو اللجوء إلى خدمات محامٍ، كما إن فعلهم قد يُفهم من أقربائهم أو أصدقاهم أو جيرانهم فهما خاطئا، كأن يطعن الناس في عقيدتهم أو يُتهموا بازدراء رفع الأذان وهو أقدس من الصلاة نفسها عند بعضهم، لأن تقديم الإسلام للأبدان على الأديان يمس الصلاة والصوم والحج ولا يمس الأذان. أصحاب الإفتاء لا يعترفون بما يقوله العلم في خطورة التلوث الصوتي وخطورة الصوت على الأذن على فترات طويلة مسترسلة.
والعلم يقول إن تعرُّضَ الإنسان لمستوى 80 ديسيبل يضر بالأذن مباشرة وبنفسيته على مدة طويلة أو متوسطة، أما فوق 100 ديسيبل فهو ضار ولو لمدة دقيقة أو دقيقتين، ومكبرات الصوت، سواء في الأعراس أو الأذان أو “التهلال” تتجاوز 120 ديسيبل لكل مكبر صوت، وإذا كانت هناك أربعة أو ثمانية مكبرات ضخمة (وهي المستعملة في صوامع المغرب) فلك أن تقوم بعملية حسابية للأذى الذي يُلحقه مجانين رفع الأذان بالصحة العامة.
إنه لا يعقل إكراه الناس على الالتحاق بصلاة الجماعة فجرا باستفزازهم بأكبر قدر من الاعتداء الصوتي باسم قداسة الأذان، وعلى الحكومة المغربية أن تلزم المساجد بحد أقصى من الضجيج وباختصار مكبرات الصوت إلى اثنين بدل أربعة أو ثمانية، وألا تكون من الأنواع الضخمة التي تستعمل في الحروب والكوارث الطبيعية. وأن تسهل الشكاية ضد التلوث الصوتي باتصال هاتفي بجهة معينة أو بإجراء رقمي عبر الإنترنيت.
هذا إذا كنا نريد أن نرفع العبادات في ديننا وفي بلدنا إلى مستوى الحضارة الإنسانية.
المصدر: هسبريس