الرمز الثقافي يندثر أمام الكائن الافتراضي الرقمي وأعلام “تيك توك”
قال الكاتب والروائي الجزائري أمين الزاوي إن “الإجابة عن سؤال الثقافة ومشروعها البديل يجب أن يجعلنا نتساءل أيضا: لماذا اختفى المثقف من أفقنا بمعناه العضوي، أي المثقف الفاعل الذي ينتجه ثقافة قارئة عاقلة وناقدة؟”، متأسفا ليكون المؤثر هو الذي استولى على “مكانته”، أي الكائن الافتراضي الرقمي وأعلام “تيك توك”.
وشدد الزاوي، في مداخلته ضمن الندوة الافتتاحية للنسخة السابعة عشرة من مهرجان ثويزا التي انطلقت أمس الخميس بالمركز الثقافي أحمد بوكماخ بطنجة والتي تمتد إلى غاية يوم الأحد 9 يوليوز الجاري تحت شعار “في الحاجة إلى مشروع ثقافي بديل” بتنظيم من مؤسسة المهرجان المتوسطي للثقافة الأمازيغية، أنه من الصعب الحديث عن مشروع ثقافي صار فيه المؤثر هو الأكثر حضورا والأكثر شعبية”، لافتا إلى أن الوضع في السابق يبيّن كيف كان الكتّاب والشعراء هم الذين يثيرون الانتباه المجتمعي ويشكلون النموذج الذي يحتذى.
وأضاف الأستاذ الجامعي الجزائري أن “الرمز الثقافي يندثر في مجتمعاتنا، على الرغم من أن لدينا في شمال إفريقيا والشرق الأوسط مئات الجامعات والمدارس التي تخرج آلاف الطلبة سنويا من الذين يحصلون على شهادات عليا”، مبرزا أن 400 مليون نسمة لم تستطع بعد صياغة مشروع ثقافي بديل يصلح للظرفية التي نمر منها.
ولفت المتدخل، في الكلمة ذاتها، إلى أن التمعن في تمظهرات الثقافة اليوم، سواء في شمال إفريقيا أو في الشرق الأوسط، يبرزُ كيف تحول المشهد الثقافي إلى عبارة عن احتفالات ثقافية بلا أي تأملات، وعن كرنفالات بلا أي قراءات ثقافية عميقة.
وأرجع المثقف الجزائري ذلك إلى عوامل عديدة؛ منها علاقة النخب المحلية أو الإنتلجنسيا بالماضي، انطلاقا من “أن هذه النخبة جعلتنا نشعر مرارا بأن هناك محاولات لترحيل الماضي ليكون بديلا عن حاضرنا ومستقبلنا، وهذا مستحيل، بما أن للحاضر أسئلته، وللماضي كذلك”، مبرزا أن “العامل الآخر يتصل بعلاقتنا مع الدين التي كانت دوما قطيعية، بلا أي هامش لاستحضار الفرد فيها”.
وربط المتحدث بين هذه “العلاقة القطيعية مع الدين” وظهور الحركات المتطرفة وجماعات الإسلام السياسي، التي اعتبرها الزاوي بمثابة “المُجهض والمُغيب لكل الآمال النهضوية والمشاريع الثقافية”، نتيجة لأن “الإسلام السياسي يريد السلطة ولا يفكر في مهمة صناعة الإنسان، يسعى إلى القيادة، وليس شيئا آخر؛ وهذا ما شكل خيبة للعديد من المثقفين والفاعلين في الشأن الثقافي”.
وذكر الكاتب أن “مسألة بناء الدولة الوطنية ضرورة عاجلة وملحة للتفكير في مشروع ثقافي بديل”، معتبرا أننا “لازلنا نفكر كأننا نعيش في دولة الخلافة ولا نفكر في الدولة كبناء وطني، باعتباره المدخل لتكريس الثقافة المدنية”، مؤكدا أن “المثقف يجب أن يعود ليدافع بجسارة عن مفهوم الدولة الوطنية، والخروج من هيمنة التفكير الخلافي”.
ودعا الكاتب والروائي الجزائري إلى “ضرورة الاهتمام بالفكر والفلسفة والحس النقدي”، مذكرا بأن “غياب التفكير يعني غياب العقل، ومن ثم انتفاء أسس المشروع الثقافي”، خالصا إلى أن “من بين الشروط العظمى لوجود مشروع ثقافي هو أن تتمتع المرأة بحرية، وأن يكون حضورها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي حقيقيا وليس فقط كميا… أو عدديا”.
المصدر: هسبريس