أهمية لقاء القوى السياسية بموسفيني
وائل محجوب محمد صالح
• في الخامس والعشرين من يونيو الماضي، تبنى مجلس الأمن والسلم التابع للإتحاد الافريقي في إجتماع مهم، التئم بحضور ممثلين رفيعي المستوى من الولايات المتحدة الامريكية والمجموعة الاوربية وممثلين لدول عربية، بشكل رسمي مقترحات الهيئة الحكومية للتنمية “الايقاد”، للتعامل مع الحرب في السودان، مضيفا اياها لخطته لإنهاء الحرب، وإطلاق عملية سياسية تفضي لإنتقال السلطة من العسكر للمدنيين.
• وكانت وزارة الخارجية السودانية من قبل قد أعلنت رفضها لمقترحات الايقاد، ومن بعد رفض مجلس السيادة مقترحات الإتحاد الافريقي هذه، بزعم تعليق عضوية السودان في الاتحاد في اعقاب انقلاب ٢٥ أكتوبر، وقال نائب رئيس المجلس مالك عقار ان “الهدف من المبادرة هو إحتلال السودان”.
• خارطة الطريق لحل أزمة السودان التي تبناها الإتحاد الأفريقي، تستند على نقاط أساسية؛
١. وقف إطلاق النار الدائم بما يفضي لتحول الخرطوم لعاصمة منزوعة السلاح.
٢. خروج القوات العسكرية لأطراف القتال من الخرطوم مسافة ٥٠ كيلومترا.
٣. نشر قوات أفريقية لحراسة المؤسسات الإستراتيجية في العاصمة.
٤. معالجة الأوضاع الإنسانية التي ترتبت عن الحرب.
٥. تولي قوات الشرطة والأمن تأمين المرافق العامة.
٦. الدخول في عملية سياسية لتسوية الأزمة.
• ومن المهم هنا توضيح أن الاتحاد الافريقي حاليا هو المنظمة الأهم للتعامل مع الوضع في البلاد، وسيكون هو المظلة الأساسية التي سيتم العمل من خلالها لانهاء الحرب خلال المرحلة المقبلة، ومن الواضح أنه ومع تضمين مقترحات الايقاد، ومن عملية المزاوجة التي تمت لخطة الاتحاد الافريقي مع خطوات مبادرة جدة، فان مبادرة الاتحاد الافريقي، ستكون هي المنصة الأساسية التي تحظى بدعم أقليمي ودولي كخيار بديل حال تعثر مبادرة جدة، وستقدم كأخر محاولات الحل السلمي، لإنهاء الحرب وتسليم السلطة من العسكر للمدنيين، وحال رفضها سينفتح الباب أمام كافة الخيارات، وعلى رأسها التدخل الأفريقي، بدعم وإسناد امريكي واوربي، ومباركة أهم دول الجوار العربي.
• وبذلك فان الإتحاد سيكون هو البوابة الأساسية، التي سيتم عبرها تجاوز معضلة اصدار قرارات أممية تتعلق بالوضع في السودان، بسبب عقبة استخدام الفيتو بواسطة روسيا والصين، والاعتماد على حق الإتحاد الأفريقي في حماية الأمن والسلم في القارة، والتدخل حال وقوع تهديدات خطيرة تؤثر على دوله، وللإتحاد الافريقي سوابق بهذا الشأن.
• بهذه الخلفيات فإن مقابلة وفد القيادات السياسية والمدنية كما أسماه اصحابه للرئيس اليوغندي موسفيني في قصره الرئاسي بمدينة عنتيبي، يأتي في مستهل جولة خارجية تستهدف مقابلة عدد من القادة الأفارقة والعرب، وفي تقديري أن الهدف منها دعم مبادرات وجهود الحل الحل السلمي، والارتباط بخطواتها وبالجهود الاقليمية والدولية الجارية، وحشد الدعم لوقف الحرب، وإستئناف العملية السياسية، كأساس لتنفيذ خطة الإتحاد للإنتقال.
• لذلك فإن إندفاع البعض للتقليل من قيمة هذه الزيارة بحسابات السياسة والدبلوماسية، والسخرية من اصحابها، بزعم انهم يبحثون عن الديمقراطية عند ديكتاتور وغيرها من الترهات، هي تعبير عن عدم الوعي والمعرفة، بمعاني ومضامين العمل الدبلوماسي في حشد الدعم للقضايا المختلفة، وبقيمة ودور وتأثير الرئيس موسفيني بالغ الأهمية داخل الإتحاد الافريقي، وتأثيراته الكبيرة على دول الجوار، وصلاته بالقوى الدولية المختلفة، وما يمكن أن يلعبه من أدوار سياسية ودبلوماسية.
• وفي تقديري أن هذه الزيارة سيكون لها ما بعدها، وأن ما نقله الإعلام أقل كثيرا مما تضمنته واحتوته أجندة نقاش أطرافها، وما دار على هامشها من نقاشات ولقاءات.
• وقد تساءل الكثيرون عن طبيعة تشكيل وفد القيادات السياسية والمدنية هذا، بشخصياته التي لا يجمعها تحالف سياسي، فهو قد ضم مثلا الهادي ادريس والطاهر حجر وهما اعضاء بالمجلس السيادي وقد بقيا في مواقعهما عقب انقلاب ٢٥ اكتوبر، الى جانب قيادات من تحالف الحرية والتغيير تشمل ممثلين لبعض أحزاب وأجسام من التحالف، وابراهيم الميرغني ممثلا للحزب الاتحادي الديمقراطي الاصل.
• القاسم المشترك الوحيد الذي يجمع كل هذه الأطراف، هو كونها جميعا من القوى الموقعة على الإتفاق الاطاري، الذي كان أساس العملية السياسية التي تجمع بجانبهم القوات المسلحة والدعم السريع، وتتم برعاية المبادرتين الثلاثية والرباعية، وكان من مهندسي الاتفاق وفق ما هو معلوم نصر الدين عبد الباري، والذي راج انه من قام بإعداد مسودة الاتفاق، ومحمد الحسن التعايشي الذي كان واحدا من مهندسيها، والأثنان “بحسب ما تسرب من معلومات” يتبعان لمنظمة دولية كان لها دور في رعاية عملية صناعة الوثيقة الدستورية لنقابة المحامين السودانيين، وقد كانا من حضور الإجتماع، إذن الاجتماع لم يضم أعضاء في تحالف الحرية والتغيير وحدهم، انما ضم كذلك ممثلين لحركات سلام جوبا والقوى الموقعة على الإطاري.
• من شاركوا في إجتماع الرئيس موسفيني أتفقنا أم أختلفنا معهم، على قناعة تامة عبروا عنها في كل أحاديثهم المنشورة والمعلنة، أن الاتفاق الإطاري كان هو المخرج من السقوط في دوامة الحرب، وعدم المضي في طريقه هو الذي قاد لتفجر الأوضاع، لذلك فإن حراكهم يبدو متسقا مع قناعاتهم وتصوراتهم، وقد يكون مفهوما الهجوم عليهم من قبل منصات الحزب الضرار ولافتاته الإعلامية، ومن يسيرون في ركابها من الناشطين “خاتف لونين”، ممن تفرغوا منذ إندلاع الحرب لترويج أكذوبة أن قوى الحرية والتغيير هي من تسببت في اندلاع الحرب، وانها هددت اما القبول بالإطاري أو الحرب، وذلك كذب صراح، ولكن من غير المفهوم أن يصب طيف واسع من المثقفين والمنتمين سياسيا جام غضبهم عليهم.
• فعلى أقل تقدير يحمد لهم أنهم تحركوا، وقاموا بفعل سياسي تجاه انهاء الحرب، في ظل هذا الفراغ السياسي الكبير، الذي جرد الشعب من أي صوت يعبر عنه في محنته الكارثية، وأي جهد يبذل لوقف الحرب، ولا يضيرهم مطلقا السعي لتحقيق قناعاتهم السياسية، وإن اختلفنا معهم حولها ومنذ يومها الأول، بينما حتى الأن لم تتحرك القوى المختلفة، أي خطوة باتجاه تجاوز الصدمة وتنظيم صفوفها، وإبتدار حراك منظم لوقف الحرب وتقديم رؤية واضحة وبديلة لمعالجة أسبابها، تطرح للرأي العام على الأقل، وتكون بمثابة رد على الوسطاء الذين قالوا صراحة، سوأ عبر منبر جدة أو الاتحاد الافريقي، ان من ضمن أهدافهم بعد الوصول لوقف اطلاق نادر دائم، إبتدار عملية سياسية بمشاركة مختلف القوى السياسية والثورية، ذات الارتباط بثورة ديسمبر، وحركات سلام جوبا، تفضي لتسليم السلطة لحكومة مدنية، ومعالجة كافة آثار الحرب وما ترتب عنها من جرائم وانتهاكات، ولمواجهة ما يحدث في البلاد من فظائع.
• لذلك فإن أي جهد لوقف الحرب، ومن أي جهة كانت يجب أن يجد الترحيب، فتلك هي الأولوية الملحة والعاجلة، التي لا تقبل الإبطاء والتأجيل، كما أن المساحة مفتوحة والمجال متاح، لمن يختلفون مع هذه المجموعة، لطرح رؤيتهم وقيادة تحركاتهم السياسية والدبلوماسية لوقف الحرب، وتقديم رؤيتهم البديلة سياسيا لما بعدها، فهذه الحرب تسعى قوى عديدة، وعلى رأسها قوى المؤتمر الوطني ولافتاته المتعددة، لصناعة واقع جديد بعدها يجب ما قبلها، ويطوي مرحلة الثورة، ولا يبقي من آثارها المادية والمعنوية شيئا.
• وربما سيكون هذا أفضل للجميع، طالما استحال بناء جبهة موحدة بينهم، بدلا من حالة السلبية السياسية الراهنة، وعدم الإرتقاء لحجم ومصائب الكارثة الكبرى التي تواجهها البلاد وأهلها.
المصدر: صحيفة التغيير