اخبار المغرب

وعي النخبة الجزائرية .. هكذا تخدم “جمهوريات العسكر” المشروع الصهيوني‬

أوضح الباحث مولاي التهامي بهطاط أن أنظمة الجمهوريات العسكرية، التي بنت جزءا من شرعيتها “الثورية” و”القومية” المزعومة على قضية فلسطين، كانت في الواقع أكبر خادم للمشروع الصهيوني.

وأضاف الباحث ذاته، ضمن مقال توصلت به هسبريس معنون بـ”متى يعود الوعي للنخبة الجزائرية؟ جمهوريات العسكر في خدمة المشروع الصهيوني”، أن النظام العسكري في الجارة الشرقية الذي حول قضية فلسطين إلى “أصل تجاري” وإلى “أفيون” لتخدير “البسطاء” هو أحد أكبر داعمي الكيان الصهيوني، من حيث يدري أو لا يدري، بما أنه يوفر له جزءا من شروط البقاء والتمدد.

وهذا نص المقال

من يستقرئ صفحات من تاريخ المنطقة العربية، تحديدا بين منتصف القرن الماضي وأيامنا هذه، سيخرج بخلاصة واضحة، إذا تحلى طبعا بحد أدنى من الموضوعية والإنصاف، مؤداها أن أنظمة الجمهوريات العسكرية، التي بنت جزءا من شرعيتها “الثورية” و”القومية” المزعومة على قضية فلسطين، كانت في الواقع أكبر خادم للمشروع الصهيوني.

هذه الخلاصة قد لا ترضي حتما بعض تجار الشعارات، وهواة تزوير التاريخ، لكن الواقع في النهاية لن يرتفع بالرهان فقط على قنابل الدخان التي يطلقها هؤلاء في وجه كل من يعرض عليهم هذا الواقع كما هو دون مساحيق تجميل، ودون أطنان من المبررات الخيالية عن “مؤامرات خارجية” و”خيانات داخلية”.

فعكس ما يحاول البعض ترسيخه مثلا من أن نظام الضباط الأحرار في مصر كانت عقيدته الرئيسية هي “القضاء على إسرائيل” فإن وقائع التاريخ تؤكد العكس تماما، بل إن هذا النظام كان السبب الرئيسي ربما في التمكين لهذا الكيان الذي توسع دون عناء، بعدما تمدد من “جزء من فلسطين” بناء على قرار التقسيم، ليبتلع مساحات واسعة من الرقعة الجغرافية لجمهوريات العسكر نفسه، ولكم أن تقارنوا أين كانت حدود “الكيان” سنة 1948، وأين صارت سنة 1967.

المفارقة الغريبة أنه في وقت كان النظام العسكري في مصر يقرع طبول الحرب الكلامية ضد هذا الكيان فقد خاض حربا فعلية في اليمن.

20 ألف جندي مصري قتلوا في تلك الحرب العبثية، وهو رقم كان كافيا لتحرير فلسطين وكل المستعمرات في إفريقيا وآسيا. بل إن مبلغ أربعة ملايير جنيه الذي التهمته تلك الحرب جعل توفيق الحكيم عندما عاد إليه “وعيه” يتساءل: “ماذا لو أنفقت هذه الأموال على تنمية مصر؟ كيف كان الريف المصري سيصبح لو أن كل قرية منه خصص لها مبلغ مليون جنيه من تلك الملايير لتأهيلها؟”، وهو مبلغ ضخم بكل المقاييس يومها.

ومن حرب اليمن إلى “حرب” أيلول الأسود نكاية في الملك حسين، التي شارك فيها حتى عسكر سوريا، وكأن هذه الأنظمة الانقلابية مبرمجة لخرق “القارب العربي” بدعوى مواجهة “الكيان الغاصب”.

ولا ننسى طبعا أن “بركات” هذه الأنظمة طالت حتى المغرب من خلال ما عرفت بـ”حرب الرمال”.. التي مازالت آثارها تخيم على الحاضر.

وعلى كل، فصفحات هذه المرحلة التاريخية مكشوفة ومفتوحة لمن يقرأ بعيدا عن “الغشاوة” الإيديولوجية، بتجرد وموضوعية، يجعلان المنصف لا يتردد في الجواب بصراحة عن سؤال من قبيل: أيهما كان أصدق دفاعا عن فلسطين؛ نظام العسكر الثوري في مصر أم ملكية فيصل “الرجعية”؟.

لكن ما علاقة كل ما تقدم بما نحن عليه الآن؟.

ببساطة، مازلنا نعيش إلى حد الساعة في الدوامة نفسها، خاصة في منطقتنا المغاربية.

إن التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الإسرائيلي حول موضوع “الاعتراف بمغربية الصحراء” لا تحتاج إلى تحليل أو تفسير، لأنه ربط “التفكير في الأمر” بعقد قمة “النقب 2” في المغرب… وأي ابتزاز أكبر من هذا؟.

إنها المفارقة القديمة نفسها.. فالنظام العسكري في الجارة الشرقية الذي حول قضية فلسطين إلى “أصل تجاري” وإلى “أفيون” لتخدير “البسطاء” هو أحد أكبر داعمي الكيان الصهيوني، من حيث يدري أو لا يدري، بما أنه يوفر له جزءا من شروط البقاء والتمدد.

بتعبير أكثر وضوحا، إن هذا النظام “الثوري” و”القومي” هو من يضع بين يدي الكيان “ورقة الصحراء” لتمكينه من ابتزاز المغرب.

غير أن ما يثير الاستغراب حقا ليس هذه “العادة القديمة” للأنظمة العسكرتارية المفتقدة للشرعية الديمقراطية وحتى الشعبية، بل هو عدم “عودة الوعي” للنخبة الجزائرية، كما كتب توفيق الحكيم عن الحالة المصرية قبل نصف قرن، بعد انكشاف أوهام انقلاب 1952.

ألا تدرك هذه النخبة أن “حرب الصحراء” هي تكرار لـ”حرب اليمن”؟.

ألم تكن الجزائر وشعبها أولى بمئات الملايير من الدولارات التي صرفت على هذه الحرب العبثية على مدى خمسة عقود تقريبا؟.

ألا تصاب هذه النخبة بالصدمة وهي تسمع أن حوالي 500 مليار دولار “ذهبت مع الريح” بسبب عقد شخصية، نفسية وتاريخية، لـ”زعيم ملهم” خاض كل حروبه “غربا”، ولم يطلق رصاصة واحدة “شرقا” دفاعا عن فلسطين “ظالمة أو مظلومة”، بل حتى فرقته العسكرية التي شارك بها في حرب أكتوبر وصلت إلى مصر يوم عيد الفطر، مع أن المواجهات اندلعت يوم 10 رمضان، وسجلت استشهاد حوالي 170 عسكريا مغربيا على جبهة الجولان بعد خيانة قوات حافظ الأسد؟.

بل لماذا لا يتساءل أحد من هذه النخبة عن “العائد” السياسي والإستراتيجي لهذا التبذير، بل ولهذا السفه؟.

وهل نطلق نكتة إذا قلنا إنه لو خصص هذا المبلغ للقضية الفلسطينية لنجح العسكر الشرقي في شراء كافة الأراضي المحتلة وزيادة، ولعاد كل مستوطن إلى موطنه الأصلي قانعا بما آل إليه من أموال “الفدية” الجزائرية؟.

بل الأغرب ألا يبادر أحد لطرح الأسئلة البديهية حول ما الذي قدمه النظام العسكري في الجزائر للمقاومة الفلسطينية خلال ستة عقود من مال وسلاح، مقارنة بما قدمه لعصابات البوليساريو التي أراقت دماء “أشقاء” مغاربة على حدود أراض مغربية؟.

وهل يحتاج الأمر إلى ذكاء خارق لقراءة المعادلة بشكل صحيح، أي كما يلي: رفع شعارات نصرة فلسطين، وفي الوقت نفسه صرف ملايير الدولارات لضمان استمرار “فتنة” الصحراء، وبالتالي تسهيل توسيع دائرة التطبيع وتمكين الكيان الصهيوني من التمدد غربا بعدما توسع شرقا؟.

بل الأغرب من ذلك أن نصرة القضية الفلسطينية لا تتعدى بيانات الشجب أحيانا، والتضامن أحيانا أخرى، وهو نفس ما يقوم به المغرب المتلبس بـ”التطبيع”، بينما لا يتجرأ النظام الجزائري على مد المقاومة الفلسطينية ولو بطلقة واحدة، حتى في هذه الأيام التي تتعرض فيها الأراضي المحتلة في الضفة الغربية لعدوان همجي.

فما الفرق في النهاية بين التطبيع والممانعة؟.

وأختم بتجديد السؤال: لماذا لا تسترشد هذه النخبة بالقامات الفرنسية وعلى رأسها جون بول سارتر، التي جاهرت بمواقفها الرافضة لـ”حرب الجزائر”، في زمن كان الشعب قبل النظام في فرنسا يعتبر الجزائر أرضا فرنسية غير قابلة للتفاوض؟.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *