الجزائر الجديدة فيها نوفمبر كان وها هو يعود وسيبقى
في هذا اليوم المجيد الموافق للخامس جويلية من كل سنة يعود نوفمبر الذي كان وسيبقى لتضيء شعلته الخالدة احتفالات الجزائر بعيدي الاستقلال والشباب، إحياء لذكرى وطنية غالية، متأصلة في وجدان الشعب الجزائري… تربط بين الماضي والحاضر والمستقبل وتذكرنا بأهمية ومكانة الشباب كثروة عظيمة تسطر مصير الشعوب والأمم، فثورة نوفمبر صنعها الشباب والاستقلال حفظه الشباب والجزائر ستظل ثابتة وشامخة بشبابها عبر الأجيال المتعاقبة.
إن الجزائر بإعلانها الخامس من جويلية عيدا للاستقلال والشباب قد جسدت اعترافا دامغا بنضال وتضحيات شبابها الوطني الذي هندس تحرير الجزائر بعبقريته وحماسه وإيمانه وثقته في عدالة قضيته، وأكدت من خلال هذا التوجه حرصها على ضمان التواصل والترابط بين الأجيال في النضال والتضحية من أجل الوطن، بعدما كان بالأمس بالسلاح وبذل الأرواح من أجل الحرية، يستمر اليوم بالجهد والمثابرة من أجل البناء والتشييد والتقدم والتنمية والرفاه.
إن احتفالنا بمرور 61 عاما على استعادة السيادة الوطنية هو سانحة لاسترجاع أمجادنا الخالدة والترحم على أرواح شهدائنا الأبرار الذين رفعوا علم الجزائر عاليا وناهضوا مظالم الاستدمار بدمائهم الزكية وأرواحهم الطاهرة بداية من سنة 1830 إلى غاية جويلية 1962… وأن نحيي المجاهدين والمجاهدات وكل فئات الشعب الجزائري الذين شاركوا بشكل مباشر أو غير مباشر في اندلاع وانتصار ثورة نوفمبر المظفرة.
إن الحديث عن الاستقلال لا يكتمل دون تذكير شباب اليوم بأن حرية بلادهم لم تأت دون تكلفة باهظة، فهي لم تمنح هدية ولا مزية، بل هي ثمرة تضحيات عظيمة قدمتها أجيال تشبعت بالروح الوطنية وواجهت أبشع استعمار استيطاني عرفته البشرية، وذلك من خلال مقاومات متتالية سعت إلى كسر قيود الاحتلال وتفكيك روابطه المتفرعة كأذرع أخطبوط سامة… وكذا نضال سياسي واع ومستميت ومتواصل، تنامت جذوره عبر مختلف مراحل تطور الحركة الوطنية، إلى أن تفجرت طاقاته الثورية الكامنة بتأسيس جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني، وعبر كفاح منظم أطرته قيادة جماعية مدركة لحجم مسؤوليتها التاريخية، واحتضنته وحدة الشعب التي قفزت فوق كل الحساسيات والميولات السياسية والانتماءات الحزبية…
لقد واجه الجزائريون بشجاعة نادرة الاستعمار الغاشم الذي رد على مطالب شعبنا المنتفض بالمجازر والتقتيل الجماعي والتعذيب والقمع الوحشي، تجلت أبشع مظاهره في مجازر 8 مايو 1945.
إن الثورة الجزائرية قد فرضت على فرنسا الاستدمارية حربا تحريرية استحقت أن يخلدها التاريخ… انطلقت شرارتها الأولى في الفاتح من نوفمبر 1954 بعد 124 سنة من استعمار فرنسي حاول عبثا سحق الهوية الجزائرية بكل مكوناتها الحضارية بطرقه الخبيثة… وقد كانت بحق لحظة مفصلية في تاريخ الأمة الجزائرية، استعاد بفضلها شعبنا سيادته وحريته بعد أن دفع ثمنا قاسيا قوامه ما يفوق المليون ونصف المليون شهيد ومئات الآلاف من الأرامل واليتامى وعدد لا يحصى من الـمواطنين الـمهجرين قسرا، نتيجة عقود طويلة من الهمجية والوحشية وسياسات دموية كانت وستظل وصمة عار في تاريخ الإنسانية.
كما كان للثورة التحريرية انعكاسات كبيرة على الداخل الفرنسي بإسقاط أربع حكومات فرنسية، وتسببت في أزمة سياسية انتهت بسقوط الجمهورية الرابعة وعودة ديغول إلى الحكم سنة 1958، ثم انتهت بصدام بين الجيش والقيادة السياسية في فرنسا في إطار ما عرف بانقلاب الجنرالات (Le Putsch des généraux (بقيادة الجنرال سالان، الرافضين لاستقلال الجزائر، فحاصروا الجزائر العاصمة بتاريخ الحادي والعشرين من أبريل من سنة 1961 في تحد لسلطة الجنرال ديغول… ويكاد يكون هذا الانقلاب حدثا معيدا للتاريخ فهو مطابق لما يحدث في بعض الحالات النزاعية التي يشهدها العالم اليوم من تجاذبات وصراعات ذات الارتدادات العابرة للحدود.
عند استقراء التاريخ، تعود إلى ذاكرتنا الجماعية بلا شك تلك المؤامرات التي استهدفت البلاد عشية الاستقلال أو مباشرة بعده، وأولها مؤامرة منظمة الجيش السري ( (OASالتي رفضت فكرة استقلال الجزائر، وعندما نتحدث عن هذه المنظمة العنصرية المتطرفة ينبغي أن نعود إلى مرحلة الأربعة أشهر الممتدة من 19 مارس إلى 2 جويلية 1962، حيث رفعت شعارها الوهمي “الجزائر فرنسية”، وبدأت أول عملياتها بقتل عميد بلدية إيفيان يوما قبل “اجتماع إيفيان”، كما اقترفت عدة أعمال إجرامية في الجزائر. خلفت هذه الجرائم أكثر من 100 شهيد في إطار سياسة “الأرض المحروقة”، فأحرقت المكتبة الوطنية والجامعة واستهدفت مستشفى مصطفى باشا وميناء الجزائر..
وثمة مؤامرة دنيئة أخرى ارتبطت بما عرف بالقوة المحلية (La force locale)، حيث كانت فرنسا تخطط لأن تجعل من القوة المحلية نواة جيش الجزائر المستقلة بهدف تحييد جيش التحرير الوطني، تأكد ذلك من خلال تصريح وزير الدفاع الفرنسي آنذاك Messmer Pierre الذي أكد فيه هذا الطرح، مخيرا أعضاء جيش التحرير الوطني بين الالتحاق بالقوة المحلية أو التحول إلى الحياة المدنية مقابل تعويض مادي، وهو الاقتراح الذي رفضته قيادة أركان جيش التحرير الوطني وأسدت الأمر لجيش الحدود بالدخول إلى أرض الوطن، وهو ما تم بعد أن تحمل مسؤوليته وقام بحل هذه القوة المحلية.
في ذات السياق وتنفيذا لقرارات مؤتمر طرابلس الذي انعقد في الفترة الممتدة من أفريل إلى جوان 1962، قررت قيادة جيش التحرير خلال الاجتماع المنعقد ببوسعادة في الرابع أوت من عام 1962 تحوير جيش التحرير الوطني إلى الجيش الوطني الشعبي حتى يبقى على الدوام مرتبطا بالشعب والوطن… لتنطلق المسيرة الطويلة التي توجت بإنجازات مشهودة على كافة الأصعدة. وتشكّلت النواة الأولى للجيش الوطني الشعبي من حوالي 50 ألف مجاهد وإطار متعلم، وتولّى سليل جيش التحرير الوطني مهام الدفاع عن السيادة الوطنية والمساهمة في ملحمة البناء والإعمار.
لقد أبانت 61 سنة من الاستقلال أن الجيش الوطني الشعبي هو سليل جيش التحرير الوطني بحق وجدارة، ظهر ذلك جليا في العديد من المراحل التي مرت بها الجزائر، لاسيما منها المرحلة الحالية الهامة… الجيش الوطني الشعبي هو حامي حمى الوطن والعمود الفقري للدولة الوطنية الجزائرية.
كما لا يجب النسيان أنه مباشرة بعد استقلال الجزائر وخروجها منهكة من معركة التحرير العصيبة، توهم البعض إمكانية ضربها في الخاصرة، وهو ما تجلى في العدوان المغربي سنة 1963 الذي أزال الأقنعة وأبان عن المعدن الصدئ لجوار ملغم بالدسائس… في المقابل، أبانت هذه الحرب القصيرة عن معدن وأصالة ووطنية قادة الثورة، حيث بمجرد بلوغهم خبر اعتداء المغرب على الجزائر، التحق كل المعارضين للحكم آنذاك بجبهة القتال في تندوف، ومنهم المرحوم المجاهد أومحند أولحاج الذي كان معارضا وله جيشه. وبعد وقوع العدوان اتجه بمعية جنوده نحو تندوف من أجل الدفاع مجددا عن الوحدة الترابية للبلاد واستقرارها وسيادتها الكاملة على كافة أراضيها.
ما بعد الاستقلال.. تحديات البناء والتشييد
بعد الاستقلال مباشرة، واجهت الجزائر تحديات جسيمة خلفتها السياسة الاستدمارية الفرنسية طوال 132 سنة، حيث كان عدد السكان يقدر بـ8 ملايين فرد، من بينهم 2 مليون مشرد في جميع أنحاء البلاد وعدد معتبر من السجناء في الجزائر وفرنسا، إلى جانب نقص الأموال وانتشار ظواهر اجتماعية معرقلة مثل الجهل والأمية والفقر والمرض… منها تحديات تطلبت تدخلا استعجاليا على غرار ضمان الدخول المدرسي للتلاميذ الجزائريين في سبتمبر 1962، مع تخلي معظم المعلمين عن مناصبهم بعد أن كانوا يعملون تحت وصاية السلطات الفرنسية، علاوة على أن المنظومة التعليمية التي ورثتها الجزائر المستقلة كانت بعيدة عن الواقع الجزائري من حيث المبادئ والقيم والغايات والمضمون. ورغم كل تلك الصعاب تمكنت الدولة الجزائرية من تسهيل عودة التلاميذ إلى المدارس، كما نصبت أول لجنة وطنية لإصلاح التعليم في 15 سبتمبر 1962 ونشرت تقريرها في نهاية سنة 1964.
تبعا لتلك الإجراءات المتخذة في مجال التربية والتعليم، نجحنا في فتح المدارس لكل طفل بلغ سن التمدرس في إطار ديمقراطية التعليم ومجانيته، بالإضافة إلى مجانية العلاج وتوفير الحماية الاجتماعية تكريسا للطابع الاجتماعي للدولة الذي نص عليه بيان أول نوفمبر.
ومن أهم المكاسب التي حققتها الجزائر المستقلة نذكر باعتزاز مجانية التعليم الذي أدى إلى ارتفاع العدد الإجمالي للمتمدرسين في الجزائر بأكثر من عشرة أضعاف منذ 1962 ليبلغ قرابة 11 مليون تلميذة وتلميذ عند الدخول المدرسي 2022 2023، وقدر العدد الإجمالي للمؤسسات التربوية بـ30 ألف مؤسسة عبر التراب الوطني.
كما بلغ عدد الجامعات في الجزائر المستقلة اليوم أزيد من 110 مؤسسة جامعية موزعة على الولايات والمدن الكبيرة فيها وبها من التخصصات المتعددة، يزاول بها أكثر من مليون و700 ألف طالب دراستهم. من جهة أخرى، واجهت الجزائر تحديا آخر على مستوى الإدارة، حيث اصطدمت مع مخلفات المنظومة الإدارية الفرنسية ووجود فراغ رهيب في مختلف الوظائف الإدارية والفنية بسبب انسحاب الفرنسيين من الأجهزة الإدارية وندرة الإطارات الوطنية المطلعة على دواليب التسيير الإداري للبلاد.. يعود ذلك إلى السياسة الاستعمارية التي اعتمدت العنصرية في التوظيف، وهذا ما دفع الدولة الجزائرية إلى فتح باب التوظيف على مصراعيه، إضافة إلى تحدي جزأرة الإدارة وإعادة تنظيمها وفق قوانين وطنية كقانون البلدية وقانون الولاية لسنة 1967 وما تلاهما، وذلك انطلاقا من المبادئ التي أقرتها مختلف النصوص الدستورية التي واكبت تطور البلاد، آخرها دستور الفاتح من نوفمبر 2020 الذي جاء ليتوج المسار التاريخي الذي مرت به بلادنا، بمرحلة جديدة في جزائر جديدة بأساليب حوكمة حديثة وناجعة.
كما شكل موضوع تحرير اقتصادنا تحديا كبيرا تمت مواجهته بعد الاستقلال، خاصة أن الاقتصاد كان لايزال تحت سيطرة الشركات الفرنسية، ولم نكف أبدا عن مطالبتنا باستكمال مسارنا التحرري باسترجاع السيادة الاقتصادية، علما أن الأمور لم تكن سهلة وأخذت بعض الوقت إلى أن وصلنا إلى سنة 1966، حيث شرعنا في تأميم المناجم، ثم البنوك سنة 1967، ليليها تأميم الشركات الكبرى والهامة في مجال التأمينات وكذا في قطاع الصناعة كشركة (BERLIET)، وفي آخر المطاف بلغنا مرحلة تأميم المحروقات سنة 1971، لنستكمل بذلك الاستقلال الاقتصادي للجزائر الحرة المستقلة كاملة السيادة. وفي هذا السياق وجب عدّ قرار السيد رئيس الجمهورية بعدم اللجوء إلى الاستدانة الخارجية وتنويع الشراكات وفق منطق رابح رابح أحد تجليات استقلالية القرار السياسي الوطني…
نحو إرساء أسس الجزائر الجديدة
نعلم جميعا أن الجزائر تشهد ديناميكية قوية نحو التغيير الديمقراطي البناء منذ انتخاب السيد عبد المجيد تبون رئيسا للبلاد في 12 ديسمبر 2019 ومباشرته مسار إصلاحات كبرى وعميقة تضمنها برنامجه الانتخابي الذي التزم فيه ببناء جزائر جديدة بروح نوفمبرية، تتعزز فيها مبادئ الشفافية والنزاهة والحكم الراشد وتُكَرس أسس دولة الحق والقانون وفق ما تضمنته التزاماته 54 التي توحي في دلالاتها إلى الوفاء بالمبادئ الخالدة التي جاءت بها ثورة نوفمبر 1954…
فقد أسس الدستور الجديد الذي صادق عليه الشعب في الفاتح من نوفمبر 2020 لمرحلة تغيير وتجديد شاملة في الجزائر، وأطر عمل مؤسسات الدولة من خلال سلطة مصدرها الشعب، فتعددت ورشات العمل وجلسات التشاور وإعادة النظر في النصوص القانونية المسيرة، ومنها القانون العضوي الناظم للانتخابات الذي أتاح تجديد الطبقة السياسية وتحقيق المساواة بين الجنسين وكذا تمكين الشباب من المشاركة في النشاط السياسي… مما ساهم في إحداث تغيير جذري لتركيبة المجلس الشعبي الوطني عقب تشريعيات يونيو 2021 والمجالس الشعبية البلدية والولائية عقب محليات نوفمبر 2021، إلى جانب تحول نوعي في تشكيلة مجلس الأمة بعد التجديد النصفي الأخير.
كما شكل تعديل الدستور حجر الزاوية في تشييد الجمهورية الجديدة، عبر دسترة مفهوم الديمقراطية التشاركية ودور المجتمع المدني كفاعل أساس داخل المجتمع من خلال إنشاء المرصد الوطني للمجتمع المدني وكذا تعزيز مكافحة الفساد والوقاية منه، حيث تضمن استحداث السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، بالإضافة إلى إنشاء المجلس الأعلى للشباب كصرح مؤسساتي واعد يؤطر مساهمات الشباب في ترقية القيم الوطنية.
من جانب آخر شكلت مسألة التمسك بالطابع الاجتماعي للدولة إحدى أولويات رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، وعلى هذا الأساس أولى السيد الرئيس أهمية كبيرة لملف الحماية الاجتماعية وتوفير الدعم للفئات الهشة. وهذا ما لمسناه من محاور مخططات عمل الحكومة وفي قوانين المالية التي كرست الحفاظ على المكاسب الاجتماعية للدولة، مع انتهاج عقلنة الدعم الموجه حصرا للفئات المعوزة واستحداث منحة للشباب البطال وتسوية وضعية المستفيدين من جهاز المساعدة على الإدماج المهني والاجتماعي. ونحن نحيي هذه الذكرى الغالية لعيدي الاستقلال والشباب، يتوجب علينا جميعا الإشادة بالاهتمام الكبير الذي يوليه رئيس الجمهورية لملف الذاكرة الوطنية. وفي هذا السياق لا يمكن أن ننسى أو نلغي، لأي سبب كان، مسؤولية فرنسا الاستعمارية عن الإبادة الإنسانية ومحاولات الإبادة الثقافية والهوياتية التي تعرّض لها الشعب الجزائري، كما لا يمكننا أن ننسى ما قامت به منظمة الجيش السري العنصرية المتطرفة من مجازر، فهي جرائم لن تسقط بالتقادم، والحكمة تقتضي معالجة منصفة ونزيهة لملف الذاكرة والتاريخ في أجواء جادة من المصارحة والثقة وتحمل المسؤولية دون المساواة بين الجلاد والضحية… علاوة على ضرورة تجاوز ما تروج له بقايا منظمة الجيش السري (OAS) التي تشكل اليوم لوبيات يمينية متطرفة وعنصرية تعرقل أي تقارب بين الجزائر وفرنسا.
في المجال الاقتصادي، نلاحظ أن الجهود الرامية إلى بناء اقتصاد وطني قوي ومتحرر من التبعية للمحروقات تسير وفق وتيرة جيدة، فالنهضة الاقتصادية تشكل سمة الحصيلة الإيجابية لثلاث سنوات من العهدة الرئاسية للسيد عبد المجيد تبون… إذ بعد مرحلة غير هينة لمواجهة مخلفات الممارسات السابقة غير السوية، سمحت الإصلاحات الهيكلية التي شهدها مجال الاستيراد بتحقيق توازن مالي ثمين في الجزائر رغم الاختلال الاقتصادي العالمي الخطير، والحفاظ على احتياطياتها من الصرف الأجنبي دون تسجيل أي عجز في الميزان التجاري، مع تسجيل ارتفاع نسبي لقيمة الصادرات خارج المحروقات.
كما شكل قانون الاستثمار الجديد نقلة نوعية في مجال تنشيط الحياة الاقتصادية الوطنية وتكريس رؤية السيد رئيس الجمهورية في تغيير نمط الحوكمة الاقتصادية، بالإضافة إلى توجه الجزائر نحو تعزيز الشراكة الأجنبية ودعم المؤسسات الوطنية للولوج إلى الأسواق العالمية، ومنها طلب الانضمام إلى مجموعة “بريكس” وما سيترتب عنه من مكاسب اقتصادية وتجارية وتقنية، خاصة أننا نمر بمرحلة دقيقة في ظل عالم شديد التغير، تتطلب تحديد مكانة الجزائر والحرص على تحقيق استقلالية قرارها الاقتصادي كخيار استراتيجي مكمل لاستقلالها الشامل.
في المجال الدبلوماسي ظهر الأثر المباشر للرؤية التي اعتمدها السيد رئيس الجمهورية، من خلال تعزيز استقلالية القرار السياسي ودعم المواقف السيادية للدولة الجزائرية، لاسيما ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والقضية الصحراوية في إطار مبادئ الجزائر المساندة لحق الشعوب في تقرير مصيرها، علاوة على المساهمة في تحقيق لم الشمل العربي من خلال الإشراف على توقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية بالجزائر واحتضان القمة العربية في نوفمبر 2022، وكذا دعم الحلول السلمية للنزاعات والخلافات وتعزيز التعاون والتنسيق في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف وتجريم الفدية… كما يتعين التنويه بانتخاب الجزائر عضوا غير دائم بمجلس الأمن الدولي، وهي تتأهب لشغل مقعدها ابتداء من الفاتح جانفي القادم، فهي تطمح لتعزيز دورها كفاعل مؤثر في ترقية التعاون والتنسيق في مواجهة التحديات العالمية الراهنة، وذلك انطلاقا من قناعتها الراسخة بأن الإطار متعدد الأطراف البناء والحيوي هو السبيل الوحيد لضمان علاقات دولية متوازنة وعادلة، بعيدا عن كل توجهات أحادية ومهيمنة.
إن الجزائر من خلال تجاربها عبر التاريخ لم تقبل أي تدخل في شؤونها الداخلية، وهي بدورها لم تتدخل يوما في الشؤون الداخلية لأي دولة وتمسكت بمبدأ الاحترام والتعاون في العلاقات الدولية وفق المساواة في السيادة. وعلى هذا الأساس ومع بوادر انغماس العالم مجددا في حرب باردة، تجدد الجزائر التزامها بمبادئ حركة عدم الانحياز وتدعو إلى تفعيل دورها في إعادة التوازن للعلاقات الدولية بمفاهيم جديدة. نؤكد في الأخير أن بلادنا اليوم مع كل الإنجازات والمكاسب التي تتحقق فيها تباعا في كافة المجالات، بقيادة رئيسها المجدد السيد عبد المجيد تبون، تواجه تكالبا أعمى من أطراف معادية للجزائر دولة وشعبا، يتطلب منا جميعا، مسؤولين ومنتخبين ومواطنين وإعلاميين وأحزابا ومجتمعا مدنيا، العمل على تمتين وحدة الشعب وانسجامه والتفافه حول قيادته الرشيدة وجيشه الضامن للأمان… علينا مواصلة الطريق الذي عبده نوفمبر بنسائه ورجاله نحو الاستقلال بعد 132 سنة من استعمار استيطاني… وذلك لا يتأتى إلا بالوفاء لعهد نوفمبر وإبقاء شعلته خالدة لا تنطفئ.
فهو لا يذهب إلا ليعود ولا يعود إلا ليبقى… علينا جميعا المحافظة على اللحمة الوطنية ووضع مصلحة الوطن فوق كل الاعتبارات وتكثيف التعاون والتضامن ورص الصفوف وتكثيف الجهود من أجل استكمال النهج القويم الذي تسير عليه قاطرة الجزائر الجديدة التي يرسي دعائمها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، مستلهما من المثل النوفمبرية الخالدة للحفاظ على الاستقلال وبناء جزائر كما أرادها الشهداء والمجاهدون.. جزائر فيها نوفمبر كان… وها هو يعود وسيبقى بإذن الله بكل معانيه السامية.
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار.
دامت الجزائر شامخة ومزدهرة.