اخبار المغرب

عِلْمَانِيُّونَ مَغاَرِبَةٌ يُهدِرُونَ رَكْلَةَ جَزَاءٍ!

أ على إثر حادثة حرق متطرف سويدي نسخة من القرآن الكريم في العاصمة ستوكهولم يوم الأربعاء 23/6/28، اتخذت المملكة المغربية موقفا سليما ومشرفا، تجلى في استدعاء سفيرها في هذه الدولة الأوروبية، تعبيرا واضحا وحازما عن التنديد بهذا السلوك الأرعن المستفز، الذي يتعارض والمبادئ والمواثيق والقيم الإنسانية، الداعية إلى الأخوة والسلام والتسامح وقبول الآخر. وفي الأثناء كنا ننتظر أن تنهج “الأصوات العلمانية” ببلادنا مسلك الصواب، وسبيل الحياد والموضوعية وتخرج بموقف بناء يتماهى ومنطق الدولة المغربية، الذي حظي باحترام وتقدير الشعب المغربي قاطبة، لكن للأسف أدعياء العلمانية في بلدنا العزيز أثبتوا أنهم بارعون فقط في استهداف ثوابت الأمة، وليسوا مستعدين “للنضال” إلا عندما يتعلق الأمر بالقضايا الوهمية، والمعارك غير المطابقة للواقع الحضاري والثقافي للوطن، مما يجعلهم يضيعون فرص التصالح مع القيم المجتمعية بقدر كبير من البلادة. وفي هذا السياق لا يسعني إلا أن أعيد نشر مقال صحفي يعود إلى سبع سنوات، يلخص آليات اشتغال بعض المنتسبين للمنجز “العلماني” المغربي، ومحدودية نظرتهم إلى المجتمع والإنسان والحياة.

ب على الرغم من اقتناعنا التام باستحالة نجاح أي تجربة سياسية علمانية بحصر المعنى في الدول العربية الإسلامية لعوامل سوسيوثقافية مخصوصة، فإننا نميز بين المنجز العلماني الكوني باعتباره اجتهادا حضاريا بشريا بالغ الأهمية، يجسد منتهى ما وصلت إليه الثقافات الإنسانية الراقية من مأسسة المجتمعات وعقلنة الفعل السياسي العام، وبلورة أنساق مجتمعية متشبعة بالقيم الإنسانية الرفيعة الداعية إلى العدل والمساواة والتسامح وقبول الآخر، في ظل نظام سياسي ديمقراطي يفسح المجال للتعددية السياسية والمنافسة الشريفة على السلطة بين الأحزاب الحقيقية، والحاملة لرؤى وبرامج مجتمعية واقعية.. وبين “العلمانية” العربية الاستئصالية والمستبدة، الهادفة إلى فرض نموذج حياتي نوعي مع إقصاء موغل في التطرف لاختيارات شعبية أخرى، المنتشية باستهداف المشترك الديني، والمطمئنة للمساندة المعنوية واللوجستيكية من قبل منظمات وجمعيات “حقوقية” خارجية.

ج والواقع أن مجموعة من الفاعلين السياسيين والمثقفين العرب، مع بعض الاستثناءات، والذين يرفعون يافطات الليبرالية والعلمانية والحداثة.. هم أبعد الناس عن روح العصر، وأدبيات التنظير السياسي العالمي القائم على أسس التعايش السلمي وبديهية قاعدة تدبير الاختلاف بين كل ألوان طيف المجتمع، لا بل إنهم خارج سياق ما بعد حراك الربيع العربي الموؤود، وغير معنيين بالتحولات السياسية والعسكرية الرهيبة إقليميا ودوليا.

د وكمثال يجسد بجلاء هذه الحقيقة الاجتماعية المؤلمة ما عاشته ومازالت، الساحة الإعلامية المغربية من ثرثرة مملة حول مسألة القيم و”الحريات الفردية”، خاصة إثر إقامة بعض المحتويات الفنية (السينمائية والغنائية) التي ربما تعارضت والمضمون القيمي المشترك.. ونحن إذ نرفض بشدة المساس بحرية الفكر والتعبير، ونندد بقوة بالاعتداء على الحريات الفردية، فإننا نعبر عن خيبة أملنا حول ما يصدر عن بعض ممثلي الصف “العلماني” من إنتهاج سلوك غير عقلاني، لا يتفهم السياق الثقافي والاجتماعي المحافظ وإيقاع العملية السياسية المغربية المخصوص، خاصة وأن هكذا مواضيع تحظى بمناقشة حادة داخل غالبية المجتمعات الغربية المتقدمة جدا في مجال ثقافة حقوق الإنسان. والحقيقة أن بعض أدعياء العلمانية بالمغرب ضيعوا فرصا ذهبية للتصالح مع الشعب المغربي، الذي ينظر إليهم باعتبارهم أطرافا تستهدف قيم المجتمع وثوابت الأمة، ويستصغرون الدستور الذي صوت عليه الشعب بأغلبية مطلقة، وغني عن البيان التذكير للمرة الألف بأن الدستور المغربي وهو أسمى قانون للبلد، يقر بأولوية احترام المواثيق والقوانين الدولية الداعمة للعدالة والمساواة وحرية التعبير والتفكير والمعتقد.. شريطة أن يندرج كل ذلك في إطار أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها.

هـ فمتى سيدرك ممثلو “العلمانية” المغربية وضعهم الاعتباري الدراماتيكي، المتمثل في السباحة ضد قيم المجتمع والثوابت الثقافية والاجتماعية والدينية؟ متى يعون أن انهزامهم شبه المتواصل في الاستحقاقات السياسية ليس عيبا، بل العيب هو التمادي في انتهاج مسلكيات تنزع نحو روح الاستئصال والهيمنة ورفض الآخر؟ متى يفهمون أن مكانة خصمهم السياسي (الهيئات الحزبية المحافظة) ليست في قوتها الذاتية فقط، بل في ضعفهم وابتعادهم عن نبض المجتمع وآلام المواطنين وأحلامهم!؟ متى يقتنعون بأنهم ليسوا وحدهم في المجال الوطني العام، وأنهم محكومون بالتعايش والتعاون مع أطراف سياسية أخرى من أجل مصلحة البلد وتجنيبه المخاطر المحدقة به؟ وأخيرا وليس آخرا متى يستشعرون أن جوهر الصراع في راهن المغرب ليس بن العلمانيين والتقليديين، وليس بين الحداثيين والمحافظين.. بل إن الصراع منحصر بين المحظوظين والمحرومين، بين المدافعين عن الديمقراطية والإصلاح وبين الاستغلاليين وبائعي الأوهام؟

عِلْمَانِيُّونَ مَغاَرِبَةٌ يُهدِرُونَ رَكْلَةَ جَزَاءٍ! .

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *