قدسية الإنسان تعلو.. فلا أوطان بلا إنسان: في شأن التدخل الدولي لايقاف الحرب
مهيد صديق
(1)
الحرب تدخل شهرها الثاني و17 يوم ، النتيجة آلاف القتلي من المدنيين وعشرات الآلف من الجرحي واكثر 2.8 مليون نازح و نصف مليون لاجئي، وألمئات من المختفين والمفقودين.
نتيجة الحرب المستمرة هي اختفاء الحياة بمدينة الجنينة وتكاد تختفي الحياة من العاصمة الخرطوم وتحولت مدن اخري لمعسكرات نزوح غير معلنة.
نتيجة الحرب في يومها ال78 انهيار للدولة وانهيار للخدمات الاساسية ، توقف التصنيع، توقف التعليم، انهيار للخدمات الصحية، شح في مياه الشرب، لا توجد مساكن/ خيام للوقاية من الحر والمطر، واهمها الامن الغذائي وشبح المجاعة في الافق يواجه ملايين السودانيين.
هذا الوضع وبرصد التقارير الدولية الانسانية يحتاج ما يقارب ال 24 مليون مواطن/ة سوداني/ة الحوجة للمساعدات الانسانية العاجلة ونحتاج لمبلغ 2.6 مليار دولار لمواجهة هذه الاحتياجات الانسانية العاجلة خلال الشهور القادمة.
هذه التكلفة التي ستزيد كل يوم وكلما استمر امد هذه الحرب.
(2)
علي المستوي العسكري لم يحقق اي من الطرفين انتصار نهائي وحاسم في معركة الخرطوم او الفاشر او الابيض او غيرها وتظل الجنينة شاهد علي اكبر جريمة ضد انسانية ارتكبها الدعم السريع والمليشيات الموالية له في القرن الواحد وعشرين حتي الان.
علي المستوي السياسي ظلت نفس القوى السياسية تمارس ( السياسة المعلقة في سما الله) لا علاقة لها بحوجات الناس العاجلة والواضحة ، ظلت تمارس سياسة البيانات والمناورات والتوقيعات واللايفات والتشبث بالماضي القريب الفاشل ، فحرب 15 ابريل تجب ما قبلها جملة وتفصيلا تخلق واقع جديد مختلف، فسحقت الحرب كل مرتكزاته ومساوماته (الاتفاق الاطاري او اتفاق جوبا او العملية السياسية او اجتماعات السفارات في الخرطوم او هدنات وفق اطلاق النار مع حركة الحلو ، بل حتي مانديت بعثة يونيتامس كلها راحت في حق الله).
(3)
جاءت المحاولة الخجولة للمبادرة المشتركة من الولايات المتحدة والمملكة السعودية لتخطف السبق ضمن عدد من المبادرات التي وؤدت كلها وهي في حال افكارها الاولي، لتتدعي مبادرة جدة انها سيدة المشهد ولها عصا موسي لايقاف الحرب.
فماذا حدث؟
فشلت مرارا وتكرارا هذه المبادرة المشتركة بمدينة جدة في احداث اختراق لهدفيها الاساسيين والمعلنيين (الوصول لاتفاق طويل المدي لوقف اطلاق النار فكانت تلك الهدنات الخائبة المتتدرجة الفاشلة. والهدف الثاني حماية المدنيين عبر برتكول انساني تم التوقيع عليه شكليا وفشل ايضا فشلا كاملا في تنفيذ اي بند).
المبادرة المشتركة (جدة) لم تحسن تقييم عمق وشراسة الحرب المستمدة قيمها من القرن الثامن عشر ولا تشبه حروب القرن الواحد وعشربن ، ولم ينفذ الميسرون الي شذوذ طرفي الحرب بتغوطهم علي كل الارث الانساني العالمي ( اتفاقية جنيف الرابعة و القانون الانساني) وإرتكابهم لجرائم حرب وابادة جماعية وجرائم ضد الانسانية كل يوم.
المبادرة المشتركة بجدة فشلت في نشر قوات للمراقبة للفصل بين المتحاربين وحماية المدنيين. لا ادري هل لجهلهم بتعقيدات نشر قوات داخل دولة دون الرجوع للقانون الدولي ودون تفويض من الامم المتحدة ودون اذن من الاتحاد الافريقي الذي اختطفت المبادرة المشتركة منه اي محاولة للتدخل ، ولم يكن حتي مراقب في جدة. ام كان يحلم الميسرون بطفولة، بان الطرفين سيعودون الي عقلهم ويوقعوا بمحض ارادتهم نشر هذه القوات.
فشلت مبادرة جدة لانها اقرب للجودية فهي لا تمتلك اي قرار من المؤسسات الدولية (الامم المتحدة او الاتحاد الافريقي) ولم تحظي بدعم قوى من دول الجوار ( مصر ، تشاد، جنوب السودان، ارتريا) ولم تخرج حتي بتفويض من الترويكا او الاتحاد الأوروبي ، فنتائج ومخرجات اي اتفاقية، غير ملزمة وليس ليهم ادوات ردع الطرفين من التمادي في جرائمهم. وحتي وان نجحت فانها تحتاج التمويل الدولي في نشر مراقبين او جنود كما صرحوا، فلا الولايات المتحدة ولا المملكة السعودية في دعه ورغد من العيش حتي يمولوا هذا العمل المكلف.
فشلت مبادرة جدة واعلنوا توقفوها وذهبوا الي منازلهم لممارسة الحياة العادية وذهب الشعب الي جحيم الحرب ، وذهب الجنرالان الي شرب الدماء.
(4)
السؤال كيف نحول شعار ايقاف الحرب لواقع ملموس وعاجل؟ وامام هذا الجنون لا يمكن الانتظار والتوهان ، وفهذه ليست المرة الاولي التي يواجه فيها المجتمع الدولي محاولة حماية المدنيين في السودان، ففي حرب دارفور دخلت الامم المتحدة ومجلس الامن، عبر العملية المختلطة للاتحاد الأفريقي والأمم لمتحدة بدارفور. في قراري مجلس الأمن رقم 1590 (2005) و قرار مجلس الأمن رقم 1769 (2007)) لحماية السكان في دارفور من هجمات الحكومة السودانية والجنجويد ودخلت قوات اليوناميد لحماية معسكرات النازحين المشتته في اطراف المدن الكبري بدارفور ، فالقتل اليومي والموت لم ينتظر حلول الساسة واتفاقياتهم الممجوجة وجولاتهم المكررة من الفاشر 2002 ابشي 2003 وابوجا 2006.
ليقر الواقع بان حماية المدنيين كانت في المقدمة قبل الحلول السياسية واتفاقيات السلام، ولم تنتظر اجتماعاتهم الطويلة المملة ذات الخطب الرنانة المفخمة والخاوية، التي تصيبهم بالملل هم ايضا. لذا حماية المدنيين لا يجب ان تتوقف حتي نتاكد هل سيُنفذ الاتفاق ام لا؟ وحماية المدنيين لم تنتظر التقارير الدورية وتقييم الاتفاقيات ومراجعتها.
(5)
القتل اليومي وحماية المدنيين والقدرة علي تقديم المساعدات الانسانية تحتاج لسلسلة اجراءت سريعة بقرار اممي وافريقي مختلط للتدخل الدولي العسكري لحماية المدنيين.
نعم اولا نحتاج لاتفاق علي ان وقف اطلاق النار يكون ملزم ومرعب للطرفين وعليه عصا غليظة من العقوبات والمطاردة الجنائية، وحماية المدنيين هي الاولوية القصوي.
فحق العيش يعلو علي اي ترهات عن السيادة الوطنية التي لا توجد هذه الايام في الوطن. فحق الحياة والامن للمواطن هي سيادته الوطنية، والا كيف نزح 2.8 مليون وتحولوا الي نازحين، واكثر من نصف مليون الي لاجئين ،هل لنا ان نسالهم انهم تركوا الوطن ام تركهم الوطن في العراء؟
كتب الاستاذ كمال الجزولي في منشور له بصحيفة مداميك، بتاريخ 28 يونيو 2023 بعنوان ( عِيْدٌ بِأيَّةِ حَالٍ ..الدَّعْوَةُ لِعَوْدَةِ القُبُّعَاتِ الزُّرْق!) وكعادته قدم توضيح وافر الفكر للقانوني والسياسي، وتعرض لفكرة التدخل الدولي من جوانبه الدولية والقانون الدولي ومفهوم السيادة الوطنية ، وسؤال يتبع للتدخل (هل هو خبيث ام حميد؟).
فتحت ذهني هذه الافكار والمعلومات ومنها القانون التاسيسي الاتحاد الافريقي الموقع في 2000 الذي يتيح التدخل في البلدان الافريقية التي تتعرض (لجرائم الحرب و الابادة الجماعبة والجرائم ضد الانسانية) وتفشل حكومتها عن حماية السكان. (المادة الرابعة المبادئ ) (النقطة ح والنقطة س).
(6)
من واجب القوى المدنية والسياسية والحركات المسلحة الملتزمة تجاه الديمقراطية ومبادئ الثورة في الحرية والسلام والعدالة، عليها ان تتحرك بسرعة اثناء هذه الحرب، عبر عمل مشترك او غير مشترك ولكن بتحديدها لهدف مشترك، وبناءا علي قدراتها السلمية بشحذ خبراتهم السلمية وعلاقاتهم والقيام بحملة مناصرة واسعة وتقديم حلول في مواجهة آلة الحرب التي تقتل يوميا ولن تتوقف برغباتنا التي هي دوما (ضد الحرب كمبدأ) ، فرغبات المتحاربين الآن هي استمرارها.
تتحرك هذه القوى من اجل حشد الدعم الدولي والاممي والافريقي للتدخل العسكري لحماية المدنيبن، وعبر هذا التحرك يمكن ان نفرض شروطنا لطبيعة هذا التدخل بالاستناد علي القانون الدولي وبقرارات محددة تساعد في الخروج من مستنقع الحرب (مجهود نظري وذهني وكاننا نسير في حقل الغام). ونقطع الطريق امام ان يحدث هذا التدخل في ظل هذا الفراغ بدون ارادتنا بنفس الحجة (حماية المدنيين) وبدون قرار دولي اممي افريقي وهذا هو باب يدخلنا في التدخل الدولي الخبيث.
للتدخل مهمتان عاجلتان وكاولوية جنبا الي جنب (وقف اطلاق النار وترتيبات لاخلاء المدن من التسلح والمسلحين وخطة المساعدات الانسانية.
تبدأ القوة الدولية بالزام الطرفين بوقف اطلاق النار ونشر قوات اممية افريقية، في الجنينة والخرطوم والابيض والفاشر ونيالا كمناطق سخنة وربما تزيد الانتشار او تقل.
المهمة الثانية للقوة الدولية في ايصال المساعدات الانسانية وفتح معسكرات لجوء مرتبطة بمناطق الانتاج في شمال ووسط وغرب البلاد ، ففي الشهور القادمة سينفذ مخزون المال لآلاف السودانيين وتتلاشي القدرة علي دفع الاجرة الشهرية للمساكن او تناول الغذاء او العلاج او التعليم.
(7)
في ذهني فكرة غير مكتملة وهي ان تتزامن معها حملة مناصرة وطنية في المجتمع الدولي لنحدد من يدفع فاتورة الحرب وتكلفتها ، ينتج عن هذه الحملة قرار دولي بحجز الاموال المهولة لطرفي الحرب لصالح الدولة السودانية المدنية ( كسابقة دول الحلفاء في الحرب العالمية الثانية اجبار المانيا لدفع تعويضات الحرب في مؤتمر بوتسدام ، بالمانيا 1945).
تقديرات اموال الجيش غير واضحة ولكنه يملك مليارات الدولارات تقدر باكثر من 10 مليار دولار موزعة عبر شبكة شركات وافراد تديره المنظومة العسكرية ابان حكومة الانتقال الاولي وعدت منظومة الصناعات الدفاعية ان تضخ في موازنة 2020 مبلغ 2 مليار دولار سنويا، ولم تلتزم وكان طق حنك منهم
الدعم السريع وشخص حميدتي واخوانه وعبر شبكة شركات ايضا وحسب تقرير قلوبال وتنس الصادر في 2019 يمتلك في بنوك عربية عبر تهريب الذهب الارتزاق في حرب اليمن ، ما يقارب ال 12 مليار دولار. عليهم ان يدفعوا تعويضات اشعالهم واستمرارهم في نهب وقتل للسودانيين.
(8)
لن ننجح بسهوله في الحماية للمدنيين ونعضد من محاصرتهم لوقف الحرب، مالم نتحرك عبر المنظمات الحقوقية ومنظمات حقوق الانسان حملة واسعة واجراءات في ملفات العدالة الجنائية، فالجرائم واضحه وما اكثر الضحايا المستعدون للادلاء بشهاداتهم في الجنينة والخرطوم، ملفات تجعل كل من ارتكب جنوده جريمة حرب بامر مباشر او غير مباشر مطارد بالمحاكمة محليا او دوليا.
فلنجم ونهزم اي حلم او تصوارات لاي من الطرفين انه سيكون معادل سياسي او فاعل سياسي او حتي فاعل اقتصادي لسودان ما بعد الحرب.
(9)
هذه محاولة لشق طريق مختلف ونمط بعيد عن تكرار محاولة اللغو والحديث عن جبهة لايقاف الحرب دون نحدد ماهي مساراتنا، ولنا ان نختار احد الادواتنا المناسبة والمنفتحة مع الارث الانساني العالمي في القرن الحادي العشرين.
(10)
اخيرا
* هنالك من ينتظر العملية السياسية بعد تفاوض الطرفين في مكانٍ ما، وزمانٍ ما، عبر وسيطٍ ما. سيطول انتظاره.
* هنالك من ينتظر انتصار احد الطرفين. فاطالة امد الحرب لن يكون فيها انتصار او وطن.
* لكني لا أستطيع ان انتظر والموت المجاني في بلدي كل يوم.
مهيد صديق
2 يوليو 2023
المصدر: صحيفة التغيير