اخبار الكويت

قدّم «طبّاخ بوتين» وجبتَه الأخيرة في روسيا.. ما سبب الثورة ضدّ الكرملين؟

بعد إعلان قائد قوات فاغنر الروسية يفغيني بريغوجين التمرد على السلطة العسكرية في الكرملين وتمنياته بإعدام وزير الدفاع سيرغي شويغو في الساحة الحمراء في موسكو، خرج الرئيس فلاديمير بوتين، قائد القوات المسلحة، ليحسم مصير بريغوجين ويتهمه (دون تسميته) بالخيانة. إلا ان ذلك لم يكن يعني ان روسيا قد نجت من حرب داخلية لو لم تنجح مفاوضات إنهاء هذه المحاولة وتُعد قوات فاغنر إلى المعسكرات كما حصل بعد ساعات من حركة التمرد وتدخُّل رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو.

وهكذا أنهى بوتين التمرّد من دون إطلاق رصاصة واحدة، هو الذي فضّل أن تستوعب وزارة الدفاع أفراد فاغنر وإرسال قائدهم إلى المنفى في بيلاروسيا بدل إبادة القافلة الفاغنيرية المتجهة نحو موسكو وبداخلها آلاف قليلة من المتمردين بالطيران وإعطاء الضوء الأخضر للقوات الشيشانية المرابضة خارج مدينة روستوك التي تمركز فيها يفغيني بريغوجين مع بعض قواته. ولكن لماذا انقلب بريغوجين على الكرملين؟وما خلفيات حركته التمردية؟

صورة أرشيفية لمفاعل آراك النووي في إيران (أ ف ب)

بدأ الخلاف عام 2018 بين وزارة الدفاع الروسية وقوات فاغنر في سورية ليشتدّ عندما تقدمت هذه القوات لتعبر نهر الفرات لتلاحق فلول «داعش»، ولكن لتصطدم بضربات جوية أميركية قتلت وجرحت المئات من القوات المتعاقدة الروسية.

واتهمت قيادة فاغنر الكرملين بعدم التنسيق بين قيادتيْ مقر حميميم (القاعدة الروسية غرب سورية) والقيادة الأميركية ما تسبب بعدد كبير من الخسائر الروسية التي فضلت الكرملين اعتبارها أضراراً جانبية وتنصّلت من الحادثة وتكتمت عليها. إلا ان هذه الحادثة الدموية لم تُفْقِدْ كامل الودّ بين وزارة الدفاع والمنظمة غير الحكومية العسكرية (فاغنر) التي تستخدمها روسيا في مناطق نفوذ لها متعددة، مثل السودان وليبيا وأفريقيا الوسطى ومالي، والتي تساعد قادة الكرملين على التنصل من المسؤولية الرسمية عندما تقتضي الحاجة، كما تفعل قيادة البنتاغون بما كان يسمى «بلاك واتر» في أماكن عدة من العالم والتي برزت في حرب العراق وما بعدها. وأخرجت حرب أوكرانيا حقيقةَ الجيش الروسي الذي تفاجأ بأسلوب الحرب الغربية عليه لأن 50 دولة غربية خبيرة بالحروب تقود العمليات العسكرية في أوكرانيا وتراقب نقاط ضعف الجيش الروسي وتَعلم أين تؤلمه.

وهذا ما فرض على الرئيس بوتين إعادة النظر بقدرات جيشه الذي لم يصل إلى مستوى طموحاته السياسية والذي إحتاج لإعادة بناء وتسليح بمعدات حديثة متقدمة ليجابه التحديات وخصوصاً ان خيار الإنسحاب من أوكرانيا وإعلان الإنهزام الروسي غير مطروح. ولهذا استعان الكرملين بقوات فاغنر التي تتألف من مقاتلين ذوي خبرة وضباط كبار متقاعدين والوحدات الخاصة التي خرجت من الخدمة، لتستلم معركة باخموت الشهيرة.

ولكن الإعلام الغربي صبّ كامل اهتمامه على مدينة باخموت بالذات دون الجبهات الأخرى لأن أميركا وحلفاءها رفضوا انسحاب القوات الأوكرانية من المدينة الاستراتيجية وقرروا مواصلة القتال الذي طال لأشهر عدة قبل ان تُحسم المعركة لمصلحة روسيا. وفي هذه الأثناء، كان الكرملين هو المَصدر الوحيد للإعلام الحربي الذي يحصر تفاصيل المعركة بالمتحدث بإسم وزارة الدفاع. إلا ان قائد فاغنر بريغوجين قرر ان يأخذ دوراً إعلامياً خاصاً به وبدأ يظهر على مواقع التواصل الإجتماعي ليعطي تفاصيل عن معركة باخموت ويُخْرِج إلى الملأ إنجازات قواته.

وهذا ما رفع من معنويات الشعب الروسي الذي تدفقت عليه المعلومات والصور ما أثار تعاطف المجتمع الروسي الذي أيّد فاغنر التي تسجل إنتصارات، ولو بطيئة، على أرض المعركة من خلال إعلام موقع المؤسسة غير النظامية الذي أظهر بطولات قواتها. إلا ان بريغوجين بدأ ينتقد القيادة العسكرية ويتهمها بعدم تسليمه الذخيرة اللازمة أثناء معركة باخموت، وفي الوقت عينه كان يهدد بالخروج من المدينة إذا لم يتسلم المعدات التي تطلبها قواته، منتقداً بالاسم وزير الدفاع الروسي شويغو مع اتهامه بالتقصير. وبدأ الإهتمام الدولي بالتركيز على تصريحات قائد فاغنر ومصير باخموت، علماً ان الجبهة الحقيقية المشتعلة تمتد على طول نحو الف كيلومتر حدودياً من مقاطعتي لوغانسك ودونيتسك وحتى زاباروجيا.

ومنذ ذلك الوقت، بعدما تبيّن للكرملين ان مسافة قليلة تبقت لإحتلال كامل باخموت، بدأت وزارة الدفاع الروسية تسجيل جميع أفراد فاغنر في لوائحها الخاصة والسماح لأصحاب السجلات الاجرامية السابقة بالانضمام للجيش (كانت حكراً على فاغنر) بهدف إستعادة السيطرة على هذه القوات وسحب البساط من تحت بريغوجين رويداً بعد انتهاء معركة باخموت.

وبدأ قائد فاغنر يتحدث عن إنسحاب قواته من أوكرانيا بعد انتهاء المعركة في باخموت ليؤكد بشكل غير مباشر خطة الكرملين في إبعاده عن الساحة بعدما تمتّع بشعبية كبيرة أكدها بريغوجين نفسه بقوله ان «جنوده كانو يدخلون للتسوق في روسيا ليتسابق الشعب ليدفع عنهم فاتورة مشترياتهم». وكانت القيادة الروسية قد سمحت بإعلانات كبيرة تدعو للانضمام إلى فاغنر وأزالتْها كلها بعد حركة التمرد. إلا ان التطور السريع بعد إنتهاء معركة باخموت دَفَعَ الكرملين للطلب من فاغنر التراجع عن الجبهة الأمامية في أوكرانيا ليتسلمها الجيش الروسي.

ورفض قائد فاغنر تجديد عقده مع وزارة الدفاع الروسية التي قررت تقليص استقلالية فاغنر وقائدها واستيعاب قواته. وبعد أقل من أسبوعين، خرج قائد هذه القوات ليعلن انه إنسحب من أوكرانيا ليتوجه نحو روستوف الجنوبية (مساحتها أكبر من بلجيكا وأقل بقليل من 4 أضعاف مساحة لبنان) لينشر قواتَه في مركز القيادة والسيطرة داخل العاصمة وفي المطار العسكري، دون أن يستخدم القوة او تقرر القوات النظامية مهاجمته.

ولم يكن واضحاً كيف كان سيسيطر بريغوجين ببضعة آلاف مقاتل على هذه المدينة الكبيرة ولماذا أرسل آلاف فقط من قواته بقافلة تضم آلافاً قليلة من الجنود نحو موسكو التي تبعد 1000 كيلومتر عن روستوف ويقطنها 25 مليون نسمة وتتمركز فيها قوات روسية ضخمة ويستطيع الطيران الروسي إبادة القافلة وهي على طريق الـ M4 نحو العاصمة. وهذا يدل على حقيقة أن بريغوجين لم تكن له استراتيجية سوى جذب الأنظار والاعتماد على بوتين ليتحدث ويتفاوض معه.

وتالياً فإن المعركة غير متكافئة منذ بدايتها على الرغم من الأضرار التي قد تسببها أي مواجهة بين القوات النظامية والقوات الخاصة وبين قوات فاغنر والتي كادت أن تُظْهِر القيادة الروسية غير قادرة على السيطرة على أمورها الداخلية.

ويجب عدم الاستهانة بما حصل في روسيا لأن بريغوجين حرف الأنظار عن ساحة الوغى في أوكرانيا، هو الذي وعد «بتدمير كل مَن يقف في وجهه». إلا أن التواجد العسكري لبضع قواته في روستوف لم يؤثّر على قيادة المعركة داخل أوكرانيا.

ومن الطبيعي أن يخسر بريغوجين الكثير من شعبيته بوقوفه ضد الرئيس بوتين وبحركته الاستعراضية غير المدروسة والسيئة الطعم.

واستطاع بوتين حسم الأمور بسرعة لإظهار تماسكه كقائد القوات المسلحة، ووأد تمرد فاغنر قبل أن تتدحرج الأمور ويجد بريغوجين، قائد قوات مرتزقة تقاتل من أجل المال، مَن يموله من الخارج ليكمل تحدّيه للكرملين. لقد تحولت فاغنر بين ليلة وضحاها في الإعلام الغربي من «مرتزقة قذرة» إلى «قوات تحارب الفساد الروسي». إلا أن الفرحة الغربية التي تمنت إطالة عمر التمرد لم تدم طويلاً بعد إعلان إنتهائه قبل نهاية النهار ذاته الذي انطلق فيه.

ولكن بوتين تعوّد أن لا يتعامل بردة فعل مع الأزمات ولكن ببرودة أعصاب لا تبشر بالخير لمستقبل منظمة فاغنر كما كانت ولزعيمها السابق الذي يترك روسيا، التي يملك فيها ثروته، إلى مستقبل مجهول في بيلاروسيا، ليعود الاهتمام إلى إعادة تنظيم الدولة الروسية للتعلم من أخطاء الماضي واكمال الحرب مع الغرب.

المصدر: الراي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *