طريق المغرب إلى إرساء “مجتمع قارئ” لن يتحقق بدون مدرسة
قالت الأكاديمية رحمة بورقية، المديرة السابقة للهيئة الوطنية للتقييم لدى المجلس الأعلى للتعليم، إنه قبل الحديث عن تشكيل الوعي عبر القراءة ينبغي التساؤل عن “أي وعي نريد؟”، مضيفة أن “الطريق إلى مجتمع قارئ يتطلب البداية من الأساس، المدرسة”.
في ندوة بـ”مؤسسة الفقيه التطواني” بسلا، ذكرت الأكاديمية ذاتها أن هناك “مقومات للوعي وأوّليات يجب أن نبدأ بها لتعزيز القراءة؛ فالوعي هدف ونتيجة، وحافز على القراءة”، وزادت شارحة: “هو وعي بوجود الفرد في العالم ومجتمعه، وتفاعل معهما”.
“هذا الوعي يتشكل من خلال اكتساب قدرات معينة في المسار الدراسي؛ فالمدرسة منبت زراعة الوعي، وللتربية دور في تشكيل المقومات الأساسية للوعي، فبأي وعي ننتقي ما ينبغي أن يُقرأ؟ فليس كل ما يُكتب يُقرأ. والمضمون قدرات يكتسبها الطفل عبر التربية التي يجب أن تمنحها له المدرسة، وهي قدرات معرفية واجتماعية وقيمية وقدرات للتحكم في استعمال الرقميات”، تورد بورقية، ثم استرسلت: “القدرات المعرفية لا تكتسب عن طريق الحفظ، بل تكتسب ملكة التركيب والتحليل بالتدرج، وترسّخ الرغبة في البحث عن معارف أخرى، وهذا أساس القراءة، أي قدراتٌ تنمي فيه الرغبة في المعرفة ومتعتها”، أما “النظام التربوي المعتمد على الحفظ تماما فيدفع الطفل لتخزين المعلومات واستعمالها في اجتياز الامتحان، ومن التلاميذ من يفضل نقلها كما نرى اليوم، ثم يتخلى عنها بعد ذلك، ولا يؤدي هذا لاكتساب القدرات المعرفية التي ينبغي أن تقود إلى قيمة التفكير، واكتساب التفكير العلمي النقدي، وهو ما يمكننا من اختيار ما يُقرأ وما لا يُقرأ”.
وبما أن “الهدف من المدرسة أن ترقى على ما يُلقّن للطفل في الأسرة والشارع”، تحدثت بورقية عن مقصد “العمل الجماعي على مشروع، والالتزام الجماعي، ونسج العلاقات مع الآخرين، في إيصال كفايات لا تكتسب بالدروس فقط، بل بطريقة عمل وطقوس في القسم وتكرارها في الزمن، ما يكسب التلميذ مقومات العلاقات الاجتماعية، وهذا مهم لاحترام المشترك، مثل المرافق العمومية، وهذا الاحترام يبدأ من القسم، وطقوس الحياة اليومية، وبالتعليم بالممارسة لا بالحفظ، وإشراك التلاميذ في صناعة الدرس”.
وواصلت المتحدثة: “القيم لا تعلّم بالدروس، و’يجب أن تكون مواطنا صالحا’، بل في قلب النموذج البيداغوجي الذي ينمّي الوعي بوجود القيم في الممارسة البيداغوجية اليومية والتعامل اليومي، وطريقة التعامل بين التلاميذ والأستاذ؛ وهو ما يتطلّب طرح سؤال ما القيم التي نريد أن نراها في الجيل؟ فالمجتمع الذي لا قيم له ينقصه الوعي، مثل التعاطف، والعناية بالآخرين، خاصة الأضعف منا، لا بالإشفاق أو الإحسان”، واستحضرت في هذا السياق رفض البعض استقبال أطفال ذوي إعاقة غير مزمنة في المدارس المغربية مع باقي التلاميذ، “ما يظهر عدم تعاطف أدّى إلى تضييع مدخل مهم للتربية على التعاطف”.
ومن بين سبل التربية “تدريس درس الجغرافيا أننا لسنا وحدنا في العالم، وأن ديننا الإسلام لكن لسنا وحدنا، وتدريس المساواة بين الجنسين، والنزاهة، ومحاربة الغش؛ وهي منظومة لا تلقن بالدروس بل بالممارسة وتمريرها عبر أوضاع”، وفق الأكاديمية ذاتها.
وترى بورقية أن ضرورةَ اليوم هي “تدريس الثقافة الرقمية بحس نقدي، حتى يعرف الأطفال والتلاميذ أن ما يتداول في الشبكات الاجتماعية ليس معرفة، وأن ما وراء الخوارزميات حركة تجارية، ولها سلطة على أفكارنا وسلوكنا، مع إشكاليات أخلاقيات النقل مع ‘شات جي بي تي’”.
ودافعت المتحدثة عن “القراءة القائمة على المقومات الأولية للوعي، التي تنمي الوعي”، مجددة التسطير على “دور المدرسة المحوري في دعم القراءة وترسيخ قواعد الوعي؛ فهذا لا يرسَّخ في الأسرة التي تربِّي بالعاطفة والحب ووسائل أخرى لا تربي الفكر النقدي، كما أنها متفاوتة اجتماعيا؛ ما يؤدي إلى أنه كلما انتمى طفل إلى مستوى محدود اجتماعيا برز ذلك في نتائجه؛ والمدرسة هي التي تسوّي بين الجميع”.
كما ذكرت بورقية أن “القراءة ليست خيرا مطلقا، فيجب طرح سؤال كيف نقرأ؟ وماذا نقرأ؟ فهناك ما يكتب ولا يستحق أن يُقرأ، ومن الأفضل ألا يقرأ؛ وهو ما يعين على تبينه الوعي الأولي الذي يعطي الرغبة في القراءة، التي تشكل الوعي وتعززه باستمراره، وتعزز الوجود في المجتمع والعالم، ويشكل فيه النموذج التربوي أهمية كبرى لاكتساب أوّليات الوعي”، ثم أجملت قائلة: “يوجد في بعض المجتمعات صراع إيديولوجي ليستحوذ الكبار على عقول الصغار، ومن هنا ضرورة تشكيل قدرات الوعي الذي تقوّيه القراءة، لحمايتهم”.
المصدر: هسبريس