ما بين الحرب والثورة السودانية , اخبار السودان
الرأي اليوم
ما بين الحرب والثورة
صلاح جلال
(1)
* نحن وكل جماهير شعبنا نعيش واقع مُربك ما بين ثورة لم تكتمل وحرب لسرقة أهداف الثورة والرِدة للشمولية، لذلك حالة التوهان الراهنة وتزييف الوعي والانقسام المجتمعي مشروعة وأسبابها موضوعية بين الأمل واليأس، تقتضي مزيد من الحوار وسط الجماهير لضبط المشهد والتعرف على الواقع ورموزه الظاهرة والمتخفية وأهدافها الحقيقية وإدراك مضاعفاته على المستقبل الثوري والديمقراطي ومقتضياته ووزن المصطلحات المتداولة وتدقيقها وتحديد الأولويات وتعزيز المفاهيم، نحتاج لجلاء نظري كامل يزيل التغبيش بالتركيز على الأدوار القيادية وسط عامة المواطنين، لتعليم الجماهير وتعبئتها ضد الحرب والتعلم منها للنهوض بواجبات المقاومة المدنية المطلوبة وتحديد معالم الطريق الثالث كمخرج آمن بين طرفي الحرب.
(2)
* الثورة والحرب كموقف تتشابهان في حقيقة أن ما قبلهما لن يكون هو ما بعدهما مع اختلاف التقديرات بين مطلق الحرب ونسبية الثورة، الثورة تقود لتغيير عميق بنسق ورؤية فكرية وأهداف مدروسة ذات دلالة سياسية واجتماعية واقتصادية إلى ماهو أعمق، ثورة حضارية متكاملة بأدوات تغيير حداثية سلمية تشمل معانى التنوع والتعددية والديمقراطية والمؤسسية وحقوق الإنسان وحكم القانون، التحضير للثورة يحتاج لعمل مدني مثابر وجذري يشمل كل الفاعلين في المجتمع للوصول للكتلة الحرجة، الثورة قد ترتبط بالعنف في بعض مراحلها لكنها لا تفقد برنامجها ولا تضل أهدافها، الحرب في المقابل مؤامرة بين العسكريين، وعنف مُكلف بلا مشروع فكري وسياسي مسبق وقفزة في الظلام واستلاف معاني ومصطلحات إشكالية، لكن جوهرها العنف المطلق Naked Force المنتصر فيها يقود لمضاعفة المظلوميات وإنتاج نظام سلطوي، الحروب تاريخياً هي انتقال مُربك سياسياً واقتصادياً وإجتماعياً حتى إذا استلفت أهداف وشعارات ثورية.
(3)
* ما بين الحرب والثورة الأولى تهدد كيان الدولة وتدفعها لحافة الانهيار والثانية تعززه بالعقد الاجتماعي والحوار السلمي بين المكونات الثقافية المتساكنة.
ما العمل في واقع الحرب؟ الانكفاء وانتظار ما تفرزه الحرب؟ والانقسام بين مؤيد ومعارض لأطرافها؟
أم قبول التحديات والإشكاليات التي يطرحها واقع الحرب والعمل على عقلنة الصراع العنيف وإعادته للسلمية بالتفاعل المدني الإيجابي كطرف ثالث بين المتحاربين؟.
(4)
* الإجابة بوضوح مهمة على هذه التساؤلات في ظل ظروف إشكالية ملتبسة بين اصطفاف الوطنية والتخوين، للخروج بمشروع عملي للقوى المدنية الديمقراطية بين شعارين لا للحرب عنوان جانبي لازم تقيف ونعم للحرب وعنوان جانبي بل بس، الحرب هي مصنع الشرور Factory الموت والدمار والانتهاكات هي منتجات المصنع Products هذه المعادلة النظرية البسيطة تفضح دعاة نعم الحرب وتوضح تناقضهم فهم يريدون استمرار المصنع ويدينون منتجاته، كالذي يأكل رأس الخروف ويخاف من العيون، لذلك شعار لا للحرب متسق مع قفل المصنع وإدانة منتجاته.
(5)
* بالتصور التالي على القوى المدنية ممثلة في الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات المجتمعية الأخرى تمليك شعار لا للحرب لأوسع قاعدة شعبية ممكنة وتأسيس جبهة مدنية جامعة تحت شعار #لاللحرب#لازم_تقيف لامتصاص صدمة العنف الأهوج والعمل على وحدة المجتمع من الانقسام والعمل المكثف وسط المهنيين رقم المخاطر لضمان تدفق الخدمات الضرورية (غذاء علاج مياه كهرباء).
الخطوة الثانية العمل على تكوين فِرق عمل متخصصة ذات قدرات ضاغطة لوقف الحرب، من خلال الحوار مع أطراف الحرب واستقطاب التضامن الإقليمي والدولي.
ثالثاً الشروع في عملية سياسية مدنية متكاملة تراعي حقائق الواقع الذي تفرضه الحرب، والعمل على خلق توازن فعال يستعيد أهداف الثورة الأساسية في الحرية والسلام والعدالة والتنوع والمؤسسية وحكم القانون واحترام حقوق الإنسان وإدارة الخلافات في إطار سلمي ديمقراطي وإجهاض مشروع قوى الرِدة للشمولية التي تتلمظ جائعة لاستعادة الامتيازات ونهب الموارد وفتح أبواب الفساد.
(6)
* في ظروف الحروب قضايا العدالة تتقدم الأولويات لفداحة الانتهاكات بشقيها الجنائية والتكميلية لمواجهة تدفق المظلوميات القديمة والحديثة، لأن الحروب طبيعتها العنف والانتهاكات على القوى المدنية تفعيل آليات ناجزة لتحقيق العدالة وعدم الإفلات من العقاب داخلياً ومع المحكمة الجنائية الدولية ICC، لقد فضحت الحرب هشاشة الدولة مما يستوجب التعجيل بالمؤتمر القومي الدستوري لمناقشة قضايا إعادة التأسيس.
(7)
** ختامة
العمل المدني في ظروف الحرب تحيطه المخاطر لذلك علينا الالتزام بالواقعية في صياغة البرامج وانتقاء الأهداف والاحتفال وتشجيع الإنجازات مهما كانت صغيرة في مجال المنظمات المدنية والمبادرات المجتمعية.
الحروب في الغالب لا تنتهي برغبة أطرافها فقط ولكن بالضغوط المتواصلة الداخلية والخارجية وبضعف واستنزاف قدرات المتحاربين ونفاد وقودهم البشري والمادي وثقل تجاوزات الحرب.
الحقيقة التاريخية تقول أسوأ انتهاكات الحروب وتجاوزاتها الموجعة تحدث في فصولها الختامية فلنأمل للأفضل ونعمل له ونتحسب للأسوأ.
24 يونيو 2023م
المصدر: صحيفة التغيير