الحرب والفيتو والحل السياسي السودانية , اخبار السودان
الحرب والفيتو والحل السياسي
زين العابدين صالح عبد الرحمن
إن الحرب الدائرة في السودان بين الجيش ومليشيا الدعم السريع، هي نتيجة لمشكل تحكمه أجندة سياسة، عجزت النخب مدنية وعسكرية حله عبر الحوار، باعتبار أن الأغلبية تبنت نظرية السلطة، أي القبض على مفاصل السلطة دون السماح لمشاركة الآخرين، والقوى التي تتصارع تنقسم إلي أربعة مجموعات هي الأبرز في الصراع، هناك البعض الذين لديهم أجندة وطنية ساعية إلي حلول جذرية للمشكلة من خلال حوار جامع سميه مؤتمر عام مؤتمر دستوري، المهم أن الحوار هو وحده الطريق للحل، وبعض القوى أجندتها ذاتية ليس لها علاقة بالوطنية أنما هي أجندة حزبية وشخصية، وهذه المجموعة لا ترى في المسرح غير ظلها، والبعض الأخر ليس له أجندة ولكنه يعتبر جسرا لنفوذ خارجي له أجندة خاصة مرتبطة بثروات السودان وكيفية استغلالها، والمجموعة الأخيرة يمثلها الشعب السوداني الذي دائما يصنع الورات والانتفاضات ويغيب بعد سقوط انظمة الحكم الشمولية عن المسرح بسبب عدم تنظيه في كتلة واحدة تتسيد الموقف.
. هذا الرباعي تتعمق خلافاته ولا يوجد بينهم مشتركات يمكن البناء عليها.، الأمر الذي لا يجعل هناك أملا في حوار وطني يخرج البلاد من هذه الأزمة. وستظل معركة الصراع السياسي دائرة امن يستطيع الوصول للسلطة دون الآخرين، أما شعارات الحرية و التحول الديمقراطي وغيرها تستخدم بهدف المناورة، ألان الحرب الدائرة تتحكم فيها أجندة خارجية واضحة للكل، إلا الذين في أعينهم غذى. والخروج من هذه الأزمة في غاية الصعوبة لأنه محكوم بالفيتو، من الأغلبية، كل جانب يرفض مشاركة الجانب الأخر عندما يعتقد أن زمام الأمر أصبح في يده. أي كل يريد إقصاء الأخر وعزله من ساحة العمل السياسي. في هذه الأجواء التي تريد أن تفرض معادلات صفرية، تكثر فيها الفزاعات لآن كل جانب يعتقد أي رأي أخر مضاد يجب قمعه. لذلك لا تجد أن هناك مجموعة تستطيع أن تفكر خارج الصندوق. بعد وقوع هذه الحرب العينة التي دمرت البنية التحتية للدولة، وممتلكات المواطنين في العاصمة وأقاليم دارفور وأيضا جزء من كردفان. لابد أن يبرز تيارا جديدا لا يؤمن بحق الفيتو بل لكل مجموعة صوت واحد يتساوى معه الآخرين.
في ظل هذه الأجواء القاتمة قرأت مبادرة قدمها أربعة أشخاص لهم علاقة بالهم الوطني وناشطين في الساحة السياسية هم (الدكتور الباقر العفيف والدكتور بكري الجاك والدكتور سليمان بلدو والأستاذ نور الدين ساتي) والمبادرة بعنوان (وثيقة توافق بين القوى المدنية من أجل العمل الوطني المشترك… فاعلون مدنيون سودانيون يتحدثون بصوت واحد) من حيث المبدأ في جو الحرب أي مبادرة تنقل الناس لحوار مسألة مطلوبة ومقبولة، والانتقال من الحرب باعتبارها الأداة السياسة الأشد عنفا إلي السياسة الناعمة بهدف التعامل مع العقل دون السلاح أيضا مسألة مقبولة، لكن المبادرة أيضا واقفة في حدود تجعلها تعبر عن كتلة سياسية معينة، وهي الكتلة التي تتفق على المباديء التي جاءت في (إعلان الحرية و التغيير) الذي كان قد تم توقيعه من قبل العديد من القوى السياسية و المدنية قبل سقوط النظام في يناير 2019م، لكنه لم يرع للتطورات الجديدة التي حدثت بعد سقوط النظام حتى اليوم،
لأنه يخاطب قوى حددها و يعتبر الحوار محصورا وغير مفتوح لمعالجة الأسباب الجذرية التي قادت للحرب. تعرف الوثيقة القوى التي تريد مخاطبتها هي “القوى المدنية التي تؤمن بالتغيير المدني الديموقراطي وتعمل من أجله، وبمبادئ وأهداف ثورة ديسمبر المجيدة بمختلف تكويناتنا المهنية والفئوية والسياسية والاجتماعية” بالإضافة إلى “لجان المقاومة في المدن والقري والأحياء، ومنظمات المرأة والشباب ومنظمات المجتمع المدني والتنظيمات النقابية في كافة أنحاء السودان والتي يقوم أفرادها متطوعين بالاستجابة لحالات الطوارئ الطبية وكافة الاحتياجات الأخرى التي تتعلق بالإغاثة والإيواء والبنيات الأساسية منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023.” إلى جانب “الكيانات المؤسسة التي تم إنشاؤها قبل أو بعد اندلاع النزاع المسلح من قادة الفكر ومروجي مبادرات الوساطة المحلية لتفادي الأزمة وإنهاء الصراع المسلح بمجرد اندلاعه وتوحيد كلمة المدنيين لاستعادة مسار السودان إلى انتقال ديمقراطي بقيادة مدنية.” أن تحديد القوى تؤكد أن المبادرة لا تريد أن تفتح كل الجرح، وهذه تعود للاجواء التي خلقها الصراع أن تجعل كل مجموعة أو حتى الأفراد لا يستطيعون عبور الجسر يكتفون فقط بالوقف على الضفة ومغازلة الجانب الآخر. وايضا حالة الجمع في المخاطبة هي أيضا إشكالية المثقفين الذين تربوا في حضن اليسار واليمين (القوى الأيديولوجية) أنها دائما تستلف لسان العامة وتتحدث بأسمه حتى لا تتعرض لعملية تجريح من إحدى الجانبين.
وتجد المبادرة تقول في خاتمتها “تم اعداد هذه الوثيقة لتكون أساسا للتفاهم والتشاور بين الجهات الموقعة عليها للاتفاق حول آليات وقيادات العمل المشترك. وهذه الوثيقة ملك للجميع، ولا تدعي أية جهة أو أي شخص ملكيتها أو الأسبقية أو الفضل في صياغتها، بل هو عمل وطني خالص لجمع الشمل وتوحيد الإرادة والكلمة والعمل المشترك.” وكان يمكن أن يقدم الأربعة مبادرة وطنية قليلة التوصيف، بأنها مقدمة لكل السودانيين الذين يؤمنون بعملية التحول الديمقراطي. ومعلوم أن عملية التحول الديمقراطي تعني إبعاد الجيش تماما من العمل السياسي. لكن المشكلة التي تواجه أي مبادرة وتعيقها أن تؤدي أهدافها… إن كل مجموعة تريد أن تفرض ما تؤمن به في عملية التحول الديمقراطي على الأخرين، رغم أن الديمقراطية تحتاج لتوافق قطاع عرض اجتماعي حتى تتحصن به. ففرض الآراء والشروط هو عمل يحد من الحوار.
والمبادرة نفسها لم تتحدث عن أهم قضيتين اساسيتين، تعتبران حجز الزاوية في الأزمة السودانية، وأي تحرك دون إيجاد حلول لكليهما محكوم عليه بمواجهة تحديات كبيرة. الأولى قضية مليشيا الدعم السريع هل ستظل المليشيا باقية بكل عتادها العسكري أم تدمج في القوات المسلحة؟ المسألة الثانية قضية (الإسلاميين) كيف تتعامل معها المبادرة؟ تتجاهلها أم تحكم عليهم بالإعدام جميعهم، أم تفتح حوارا معهم؟ هذه أسئلة مهمة و هي تشكل تحديات لعملية التحول الديمقراطية في البلاد، لأن هناك رأي يعتقد تجاهلهم ويترك الأمر للمجتمع الدولي للتعامل معهم، وهذا رأي لا اعتقد فيه أي قيمة وطنية. أن أي مبادرة يجب أن تجاوب على الأسئلة الصعبة وتطرحها دون حرج، فالمحاولة تجاهلها يؤزم المشكلة ويعقدها أكثر. والبعض يتخوف من سهام بعض مجموعات من اليسار، الذين نضب خيالهم وأصبحوا هم أنفسهم يشكلون عقبة أمام أي مبادرة وطنية تحاول أن تبحث عن مخرج من الأزمة.
إن العمل من أجل تقديم مبادرة في ظروف الحرب تعتبر تحديا للعقل السياسي السوداني وحتى لمجموعات المثقفين، ويجب التعامل معها بكل إيجابية دون الجنوح لحالات المعاداة التي اصبحت سمة بارزة في المجتمع. وعلى مقدمي المبادرة يجب أن تكون صدورهم واسعة وعقولهم مفتوحة، في بيئة حالة الخصام تجاوزت المعقول. لكن دائما هناك ضوء في نهاية النفق. المبادرة تحتاج لحوارات مفتوحة ونقاش حولها، رغم أنني لا اعرف الحدود المسموح بها في الحوار من قبل أصحابها. عليه لهم التحية والتقدير. ونسأل الله حسن البصيرة.
المصدر: صحيفة التغيير