المغرب يتشبث بثوابت القضية الفلسطينية بإلغاء انعقاد قمة النقب في الصيف
تواصل المملكة المغربية الحفاظ على مواقفها المبدئية وخطاباتها المتوازنة بشأن القضية الفلسطينية، رغم كونها من الدول الموقعة على “اتفاقيات أبراهام”، ورغم التطور الملحوظ في علاقات الرباط وتل أبيب، الذي جسده تواتر زيارات المسؤولين الإسرائيليين إلى المملكة، وحجم التعاون والتنسيق ما بين البلدين، خاصة في المجالين الأمني والعسكري.
ونهجت الرباط “سياسة حذرة” في التعاطي مع الحكومة اليمينية في تل أبيب، وذلك رغم حرصها على تعزيز علاقاتها مع إسرائيل، إحدى الدول الأعضاء في منتدى النقب؛ لكن ما إن يتعلق الأمر بقضايا مبدئية وذات أولوية في السياسية الخارجية للمغرب فإنه لا يتوانى في إبداء مواقف صريحة وواضحة بشأن القضايا ذات الأولوية في سياسته الخارجية، على غرار القضية الفلسطينية.
ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، أكد الجمعة، في لقاء صحافي مشترك مع نظيره السويسري إغناسيو غاسيس، أن “المغرب مستعد لاستضافة قمة النقب الثانية، شريطة توفر المناخ السياسي الملائم لتحقيق النتائج المرجوة من هذه القمة”.
المسؤول المغربي ذاته أورد أن “المنتدى سوف يتم عقده بالمملكة في الدخول السياسي المقبل”، مشددا في الوقت ذاته على أن “الرباط ترفض الاستفزازات الإسرائيلية وتراقب بانشغال كبير التطورات المقلقة في الأراضي الفلسطينية”، ومسجلا “رفض المغرب القرارات الحكومية الإسرائيلية بخصوص الاستيطان”، في إشارة إلى القرار الأخير لحكومة نتنياهو بناء أكثر من 4500 وحدة سكنية جديدة في الضفة الغربية.
وأوضح بوريطة أنه كانت هناك محاولات لتنظيم هذا المنتدى خلال فصل الصيف، ولكن حالت دون ذلك، مع الأسف، مشاكل أجندة وتواريخ، مشيرا إلى السياق السياسي الذي قد لا يتيح لهذا الاجتماع الخروج بالنتائج المنتظرة.
وسائل إعلام إسرائيلية كانت قد أكدت في وقت سابق أن “المغرب طالب بتأجيل قمة النقب إلى موعد لاحق بسبب استمرار التصعيد الإسرائيلي ضد الفلسطينيين”، وهو التأجيل الخامس على التوالي لهذا المنتدى الذي يضم الدول الموقعة على اتفاقيات أبراهام، بالإضافة إلى كل من مصر والولايات المتحدة الأمريكية.
من جهتهم يرى متتبعون أن إرجاء موعد قمة النقب الثانية بطلب من المملكة يأتي تأكيدا لثبات مواقفها والتزامها الدائم بصيانة حقوق الشعب الفلسطيني، وأن العلاقات مع الدولة العبرية، مهما بلغت مستوياتها، لا يمكن أن تكون على حساب القضية الفلسطينية، إذ أكد الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، في رسالته إلى الرئيس الفلسطيني أواخر العام 2020، على “ثبات الموقف المغربي الداعم للقضية الفلسطينية تأسيسا على حل الدولتين المتوافق عليه دوليا، والتشبث بالمفاوضات بين الطرفين، سبيلا وحيدا للقضية”.
رفض مغربي
حسن بلوان، أستاذ باحث في العلاقات الدولية، قال إن “تأجيل منتدى النقب يعكس وفاء المملكة المغربية لمبادئها الأساسية في دعم القضية الفلسطينية، على اعتبار أن الملك محمدا السادس سبق أن أكد أن القضية الفلسطينية إلى جانب قضية الصحراء المغربية قضيتان وطنيتان تحظيان بالأولوية في سياق الجهود الدبلوماسية المغربية”.
وأضاف المتحدث عينه، في تصريح لجريدة هسبريس، أن “المغرب أكد مجددا أن تقاربه مع إسرائيل، الذي جسدته الزيارات الأخيرة لعدد من المسؤولين الإسرائيليين والتعاون الأمني والعسكري بين البلدين، إضافة إلى التبادل السياحي والثقافي، لا يمكن أن يكون على حساب القضية الفلسطينية”، وتابع بأن “الرباط تلعب دورا محوريا في صناعة السلام وتحقيق الأمن في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وبالتالي فإنها بإرجائها قمة النقب التي ستعقد على أراضيها، في ظل الاستفزازات الإسرائيلية الأخيرة، ترفض أن تكون منصة للاجتماع فقط، دون ضمان تحقيق نتائج تخدم السلام في المنطقة، أو أن تكون غطاء لسياسات وخيارات بعض أعضاء الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل”.
“الرباط لديها مجموعة من الشروط لعقد هذا المنتدى، أولها توسيع دائرة الدول المشاركة لتشمل السلطة الفلسطينية والأردن، إضافة إلى إبداء كل دول المنتدى مواقف واضحة من قضية الصحراء المغربية، وأن يعقد في الأقاليم الجنوبية للمملكة، بما يحمله ذلك من رمزية تصب في مصلحة قضية الوحدة الترابية للمملكة”، يضيف المتحدث ذاته.
وخلص بلوان إلى أن “تكرار تأجيل هذه القمة من طرف المغرب يأتي استجابة لكل هذه الشروط الواقعية التي تراها الدبلوماسية المغربية كفيلة بتحقيق الأهداف الحقيقية التي أُسس من أجلها المنتدى، وبالتالي أن تكون لما بعد قمة النقب الثانية نتائج سياسية إيجابية، سواء في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية أو بقضية الصحراء المغربية”.
منظور شمولي
من جهته أكد لحسن بوشمامة، محلل سياسي، أن “الموقف المغربي من دعم القضية الفلسطينية هو موقف ثابت ومبدئي، كما أن للمغرب منظورا شموليا وواضحا يتجاوز الحسابات السياسوية الضيقة في معالجة قضايا الشرق الأوسط وقضايا السلم على مستوى مجموعة من الدول”.
“المغرب كان دائما من بين الدول العربية الداعية إلى السلام في الشرق الأوسط وإقامة دولة فلسطينية جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل على حدود 67″، يوضح بوشمامة، مبرزا أن “المملكة متشبثة بمسار السلام وبعلاقاتها مع الدولة العبرية، لكن لا يمكنها في ظل استمرار خرق هذه الأخيرة القانون الدولي والتمادي في سياسة بناء المستوطنات أن تسمح بانعقاد قمة النقب الثانية في المغرب”.
“الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي بدورهما غير راضيين عن سياسات الحكومة الإسرائيلية بهذا الخصوص”، يؤكد المحلل السياسي ذاته، مستطردا: “الرباط تعي جيدا أن الحكومة الحالية في إسرائيل لا يمكنها أن تصمد طويلا، ومن المحتمل ألا تنهي ولايتها، بالنظر إلى الخلافات السياسية الداخلية في إسرائيل والاحتجاجات على مشروع الإصلاح القضائي، وبالتالي فيوم تكون هذه الحكومة أو أي حكومة من بعدها مستعدة للسلام، أو مستعدة على الأقل للحفاظ على الوضع القائم، فالمغرب حينها يمكن أن يقبل بعقد قمة النقب الثانية ويدفع في اتجاه انعقاد قمم أخرى”.
وتابع المتحدث عينه بأن “المغرب يتعاطى مع القضية الفلسطينية بمنطق القانون الدولي وقرارات الجامعة العربية، سواء قمة 1982 المنعقدة بفاس أو قمة لبنان التي قدم فيها الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز خطة الأرض مقابل السلام”، مشددا على أن “الرباط منسجمة مع ذاتها ومواقفها، وبالتالي فأي قرار تتخذه يكون مبنيا بالأساس على هذه المنطلقات المبدئية”.
وختم بوشمامة بأن “استمرار مشاركة المملكة على مستوى قمم النقب يعكس البراغماتية والواقعية السياسية التي تتحلى بها الدبلوماسية المغربية، ذلك أنه لا يمكن القضاء على إسرائيل أو محوها من الوجود كما يدعي البعض، بل ينبغي التعايش معها، ومن أجل تحقيق ذلك يجب أولا وضع قاعدة صلبة للسلام المستقبلي بالاشتغال في الحاضر على تنمية المنطقة وتحقيق الرفاهية الاقتصادية لدولها؛ ذلك أن السلام لا يمكن أن يتحقق دون بناء المجتمعات وتوفير سبل العيش الكريم لأفرادها”.
المصدر: هسبريس