“بنك المغرب” مستقل.. وارتفاع “الكاش” يُعرقل العملة الرقمية
دافع عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، على استقلالية المؤسسة التي يرأسها، قائلا إن القانون الأساسي يمنع التماس أو قبول تعليمات من الحكومة أو من الغير.
حديث الجواهري جاء ضمن الندوة الصحافية التي أعقبت اجتماع مجلس بنك المغرب، الذي انتهى بقرار إيقاف مؤقت لدورة التشديد النقدي لسعر الفائدة الرئيسي بإبقاء 3 في المائة.
الجواهري أوضح رداً على أسئلة الصحافيين أن “التدخل في مهام بنك المغرب تم حسمه في القانون الأساسي للبنك وهو قانون ينطبق على الجميع، وأنا من مسؤوليتي السهر على احترام هذه المقتضيات”.
وأضاف الجواهري قائلاً: “لو كان الأمر يتعلق بتدخل من الحكومة لم نكن لنرفع سعر الفائدة ثلاث مرات منذ شتنبر بإجمالي 150 نقطة أساس”.
والي بنك المغرب أحال في هذا الصدد إلى المادة 13 من القانون رقم 40.17 المتعلق بالقانون الأساسي لبنك المغرب، التي تنص على أنه “لا يمكن للبنك أثناء مزاولة مهامه في شخص والي بنك المغرب والمدير العام وأعضاء مجلسه التماس أو قبول تعليمات من الحكومة أو من الغير”.
الجواهري اعتبر أن اختلاف التحليل بخصوص قرارات بنك المغرب أمر عادي ويوجد في العالم بأكمله، وزاد: “تقديرنا أنه بالنظر للمهمة الأساسية للبنك وما نتوفر عليه من آليات وموارد بشرية ومؤهلات وعلاقات مع البنوك المركزية، لدينا إمكانية الذهاب إلى التفاصيل بخصوص الارتفاعات والانخفاضات بخصوص التضخم، هذا لا يعني أن القرار يكون سهلاً، نحن في علم غير دقيق وهذا يتطلب التواضع لإنجاز تحليل عميق للوصول إلى القرار الجيد أو الأقل سوءا في ظروفنا الحالية”.
وأكد الجواهري أن قرارات بنك المغرب بخصوص رفع سعر الفائدة الرئيسي لا تغفل النمو والتشغيل، موردا أنه حرص على توفير السيولة للقطاع البنكي على مستوى السوق النقدية، حيث تمت تلبية جميع طلبات التمويل من طرف القطاع البنكي منذ أزمة كورونا حتى الآن، معتبراً أنها طلبات مُؤسِّسة وهدفها تمويل الاقتصاد.
مؤشرات مهمة
الجواهري كشف أن بنك المغرب يعقد لقاءات شهرية مع وزارة الاقتصاد والمالية، كما يجمع التوقعات من خبراء من مختلف التخصصات قبل كل اجتماع فصلي ينتهي باتخاذ قرار سعر الفائدة الرئيسي، وقال إن الصعوبة لا تكمن في إمكانية اتخاذ القرار من عدمها، بل في تجنب ترسيخ توقعات التضخم.
وأشار المتحدث إلى أن معرفة تأثير رفع سعر الفائدة الرئيسي على المستوى الاقتصاد الحقيقي يتطلب استحضار مؤشرين، الأول يتعلق بتطور سعر الاقتراض، والثاني يهم تحليل العرض والطلب بخصوص القروض في كل فصل.
وذكر أن الحكومة قامت بإجراءات من جانبها لمواجهة التضخم، من بينها إضافة 10 مليارات درهم ضمن قانون المالية لدعم بعض القطاعات الاقتصادية والقدرة الشرائية، ناهيك عن البرنامج الجديد بـ10 مليارات درهم لدعم القطاع الفلاحي، مشيرا إلى أن ما يؤثر حاليا على التضخم هو المواد الغذائية الطرية.
والي البنك المركزي أكد أن “كل طرف يشتغل لمصلحة البلاد، وكلٌّ يقوم بمهمة من أجل غاية”، وزاد: “في العالم بأكمله، السياسي يفكر على المدى القريب، لكن نحن نفكر على الأقل لسنتين، والاجتماعات الفصلية لمجلس بنك المغرب مهمة؛ لأنها تتيح لنا تحيين وتحليل المعطيات لنكون متأكدين لاتخاذ القرار الأنسب”.
سعر الفائدة والاستثمار
أقر الجواهري بأن آلية سعر الفائدة الرئيسي غير كافية لوحدها لمواجهة ارتفاع التضخم، مشددا على أن “السياسة المالية والإصلاحات الهيكلية يجب أن ترافق السياسة النقدية والعكس صحيح، ويجب أن يكون هناك تكامل بين السياستين المالية والنقدية لتحقيق الاستقرار المالي للبلاد؛ لأن التوازنات الماكرو اقتصادية جزء أساسي من السيادة الوطنية لأي بلد”.
وعن تأثير رفع سعر الفائدة على الاستثمار، قلل والي بنك المغرب من ذلك، وقال إن “من يتذرع بذلك يحمل مشروعا استثماريا غير جيد”، معتبرا أن الاستثمار الجيد بإمكانه تحمل الزيادة المتخذة، و”الفاعل الاقتصادي يحتاج الثقة والرؤية، والبنك الدولي كشف في تقرير له حول معوقات الاستثمار أن ظروف التمويل تأتي في المرتبة الثامنة، في حين نجد في القمة الرشوة والعقار والإجراءات الإدارية”.
“الكاش” والعملة الرقمية
في حديثه عن ظاهرة ارتفاع النقد المتداول “الكاش”، قال الجواهري إن هذا الأمر من تقاليد الدفع في المغرب كما في دول أخرى، وهو مرتبط بالأساس بحجم القطاع غير المهيكل الذي يمثل 30 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحسب دراسة سابقة.
المعطيات التي قدمها والي بنك المغرب تكشف أن ظاهرة “الكاش” ارتفعت بشكل كبير خلال جائحة كورونا، إذ زاد حجمها بـ20 في المائة عام 2020، وعادت الوتيرة إلى مستواها العادي في 2021، ثم ارتفعت برقمين من جديد العام الماضي واستمرت خلال العام الجاري، وربط هذه الظاهرة بمعطيات ارتفاع إيرادات السياحة وتحويلات الجالية المغربية في الخارج.
ونبه الجواهري إلى أن إطلاق العملة الرقمية للبنك المركزي مستقبلاً قد يكون صعباً مع استمرار ارتفاع حجم “الكاش”، وقال إن “الجهود يجب أن تنصب على تغيير العقلية والثقافة”، معترفاً في هذا الصدد بأن “ليس هناك أصعب من هذه المهمة”.
لكنه اعتبر أن الحكومة في حال اتخاذها قرار توزيع الدعم المباشر المرتقب على الأسر الفقيرة عبر منظومة الأداء عبر الهاتف، قد يدفع ذلك الناس إلى التفكير في الأمر، وبالتالي خفض نسبة “الكاش”، وتساءل في هذا الصدد: “كيف لبلد مثل الهند الذي يضم 1.5 مليار نسمة أن ينجح في الأمر ونحن بتعداد سكاني بـ35 مليون نسمة لا ننجح؟”.
المصدر: هسبريس