السودان.. شهران من الاقتتال و«الجنينة» مسرح جديد للعنف والتصفيات
شهران منذ بدأت حرب السودان بين الجيش ومليشيا الدعم السريع في العاصمة الخرطوم، وبدلاً من الوصول إلى حلول، توسعت الحرب في مسارح جديدة، وزادت كلفتها البشرية والمادية واتخذت طابعاً جديداً.
التغيير الخرطوم: سارة تاج السر
بعد شهرين كاملين من بدء المواجهات العسكرية بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع، اتسعت دائرة المعارك وانتقلت من العاصمة الخرطوم إلى شمال كردفان وإلى إقليم دارفور، واتخذ الصراع منحىًّ تصعيدياً جديداً بإغتيال والي غرب دارفور الجنرال خميس عبد الله أبكر مساء الأربعاء 14 يونيو الحالي.
واندلعت الاشتباكات العنيفة بين الجيش والدعم السريع في الخرطوم ومدن أخرى في 15 ابريل 2023م، وخلفت قرابة الألف قتيل ونحو خمسة آلاف مصاب من المدنيين، فضلاً عن المعتقلين والمفقودين والمخفيين قسرياً، علاوة على الخسائر الضخمة في البنية التحتية.
اختطاف وتصفية
بعد ساعات من تصريحات له على قناة (الحدث) اتهم فيها قوات الدعم السريع باستباحة حاضرة ولايته الجنينة، تداول ناشطون في منصات التواصل الإجتماعي مقطع فيديو يظهر اعتقال والي غرب دارفور الراحل خميس أبكر، بواسطة قوات الدعم السريع، قبل أن تنتشر مقاطع جديدة توثق لعملية إغتياله والتمثيل بجثته.
وحسب التحالف السوداني، الذي يرأسه الوالي، فإن الفيديو الذي تم تداوله في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة لاعتقال شخص بالزي المدني مرتدياً خوذة الأمم المتحدة ليس هو الوالي.
وأوضح نائب رئيس التحالف السوداني والذي يتولى حقيبة وزارة الثروة الحيوانية حافظ إبراهيم عبد النبي في بيان، أن نشر فيديو “للشهيد” وهو غارق في دمائه، مسرحية سيئة الإخراج لإخفاء الحقيقة وتوجيه الصراع في دارفور إلى حرب شاملة لكل الإقليم.
وحمّل من أسماهم المليشيات المسلحة من القبائل العربية المتحالفة مع فلول النظام البائد، مسؤولية ارتكاب الجريمة الشنيعة بعد اقتحام مقر إقامة الوالي وإغتياله في الحال والتمثيل بجثته ثم تصويره.
لكن أطراف أخرى عديدة بينها الجيش السوداني وقوى سياسية وحركات بجانب الخارجية الأمريكية وبعثة يونيتامس وغيرها، حملت الدعم السريع مسؤولية إغتيال الوالي باعتبار أنه كان في حوزتها حتى لحظة مقتله.
سلطان عموم دار المساليت يغادر الجنينة الى “أدري” التشادية بعد اغتيال شقيقه
مسرح جديد للصراع
شهدت مدينة الجنينة حاضرة غرب دارفور، أوضاعاً إنسانية بالغة التعقيد، وأكد الوالي في آخر تصريحاته قبل مقتله، أن الوضع لا يوصف في الجنينة، حيث لا مستشفيات، ولا وسائل لدفن الموتى، مع ارتفاع اعداد المصابين الى أكثر من 3 الآف شخص.
ونبه إلى أن الوضع خرج عن السيطرة ولا مثيل له، واعتبر الوالي أن ما يجري في الولاية سببه النزاع بين الجيش والدعم السريع في المنطقة المشتركة بينهما والذي انتقل بعدها لبقية الولاية، ونفى ما يشاع عن أن بداية الصراع كانت بين المساليت وعرب دارفور.
وقال أبكر: «أبلغنا حاكم الإقليم بما يحدث قبل أكثر من شهر ولم يفعل شيئاً»، قبل أن يلقي باللائمة على الفرقة 15 مشاه، التي تبعد عن محل إقامته 7 كيلومترات، لكنها لم تخرج هي الأخرى من ثكناتها للدفاع عن مواطني الولاية.
قبل 48 ساعة من تصفية والي الولاية، قتل الأمير طارق عبد الرحمن بحر الدين، شقيق سلطان دار المساليت، و16 آخرين من بينهم أبو بكر حسن تاج الدين حفيد السلطان تاج الدين، جراء قصف الدعم السريع حيي المدارس والجمارك بالأسلحة الثقيلة، متسببة في وفاة 17 شخصاً وإصابة 37 آخرين.
ودفع هذا الأمر السلطان سعد عبد الرحمن بحر الدين سلطان عموم دار المساليت، إلى مغادرة الجنينة والتوجه إلى منطقة أدري التشادية صباح الأربعاء وتحرك منها إلى مكان آمن، يرافقه مدير جامعة الجنينة وآخرين وفقاً لمتابعات «التغيير».
نقابة أطباء غرب دارفور: الجنينة مدينة أشباح ليس فيها سوى رائحة الموت
تعتيم وحصار
احتدام المواجهات منذ 20 ابريل الماضي في الجنينة صاحبه انقطاع تام للاتصالات وشبكة الإنترنت، ونزوح الآلاف من منازلهم ومن الملاجئ التي لجأوا إليها خلال الأحداث السابقة.
وشكت الهـيئة النقـابية لأطـباء ولاية غـرب دارفــور، من انهيار المنظومة الصحية والخدمات المدنية وخروج المنظمات الإنسانية عن الخدمة ومغادرتها للولاية لتتحول الجنينة إلى مدينة أشباح ليس فيها سوى رائحة الموت في أكبر مأساة إنسانية تشهدها الكرة الأرضية. ويحدث هذا وسط صمت محلي وإقليمي ودولي مريب على حد وصف الهيئة.
انتهاكات
ورصدت نقابة الأطباء، خلال هذه الأحداث العديد من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان أبرزها، قتل المدنيين وتشريدهم ونهب ممتلكاتهم، الإخفاء القسري والتصفية الجسدية لنشطاء الإعلام والمدافعين عن حقوق الإنسان والمحامين، تقييد حركة الأطقم الطبية وإذلالهم بالضرب وحتى مصادرة وسائل الحركة التي يستخدمونها، قتل كبار السن غير القادرين على حمل السلاح داخل منازلهم، حرمان الناس من الوصول إلى مصادر المياه، ومنعهم من مغادرة المدينة المنكوبة بالحصار المطبق من كل الجهات، ومنع إمكانية وصول أي مساعدات أهلية من المحليات المجاورة، قتل وإصابة أعداد من الكوادر الطبية واختطاف بعضهم بغرض إرغامهم على تقديم الرعاية الطبية تحت التهديد.
واعتبرت الهيئة النقابية أن هذه الممارسات وغيرها من المشاهد المروعة تشبه «بالكربون» ما جرى في راونـدا عام 1994م.
المفوض السامي للاجئين: تقارير مروعة عن عنف جنسي تجاه النساء والفتيات
تقارير مروعة
قالت حكومة إقليم دارفور إن عدد القتلى بالجنينة، تجاوز 1000 شخص، فيما أعلن المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، الخميس، عن مقتل أكثر من 100 شخص في اشتباكات عنيفة دارت بمخيمات النازحين وحولها في ولاية شمال دارفور.
وقال غراندي في تغريدة على «تويتر»: «هناك تقارير مروعة عن عنف جنسي تجاه النساء والفتيات. سيتفاقم الأمر ما لم تتفق أطراف النزاع على وضع نهاية للقتال الذي يدمر السودان».
100 ألف لاجئ نحو 60% منهم دون سن 18 عاماً
نزوح وأطفال دون ذويهم
وفي السياق، أكدت صحيفة «الغارديان» البريطانية، أن القتال أدى إلى فصل العائلات وإجبار القاصرين على القيام برحلة شاقة إلى بر الأمان دون والديهم.
وقال عاملون في المجال الإنساني: «المزيد والمزيد من الأطفال يصلون بمفردهم إلى البلد المجاور، الذي فر إليه أكثر من 100 ألف لاجئ، حوالي 60% منهم دون سن 18 عاماً، منذ اندلاع القتال بين الفصائل العسكرية المتناحرة في منتصف أبريل الماضي».
وقال المدير القُطري لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) في تشاد جاك بوير: «بعد موجة أولى أكثر تنظيماً من اللاجئين الذين قرروا مغادرة السودان قبل أن يأتي الصراع إلى قراهم الأصلية وأتيحت لهم الفرصة للاستعداد قليلاً غالباً ما كان أولئك الذين وصلوا مؤخراً قد فروا من أحدث موجة في القتال».
وأضاف: «في البداية لم نكن نرى الكثير من الأطفال غير المصحوبين أو المنفصلين عن ذويهم، لأن الأطفال كانوا يتنقلون مع عائلاتهم، لكن منذ ثلاثة أسابيع، يفر هؤلاء السكان من القتال والقصف، وهناك المزيد من الأطفال غير المصحوبين بذويهم».
وأوضح بوير أنه تم تحديد 267 طفلاً غير مصحوبين بذويهم حتى الآن، لكن هذا الرقم من المؤكد أن يكون أقل من الواقع، وأضاف: «هناك عدد أكبر بكثير من الأطفال ربما يكونون غير مصحوبين بذويهم».
وتابع بأن زميلاً له التقى بصبي يبلغ من العمر 14 عاماً من دارفور انفصل عن والديه عندما هاجم مسلحون مجهولون قريتهم، وأوضح أن هذا الصبي الصغير تعرضت قريته للهجوم، عندما كان القرويون يستعدون للفرار.
مخاوف إنسانية
وبحسب الصحيفة البريطانية، فقد تزايدت المخاوف بشأن الأطفال المنفردين حتى تحولت من المخاوف الكبيرة التي يشعر بها العاملون في المجال الإنساني بعد فرار عشرات الآلاف من السودان، حيث تم تحديد حالات الحصبة بين اللاجئين الأطفال وتم تشخيص أكثر من 350 منهم بسوء التغذية الحاد الوخيم. ويُعتقد أن الرقم الحقيقي أعلى من ذلك بكثير.
وقال إن الصداع الرئيسي الآخر لعمال الإغاثة هو موسم الأمطار الوشيك، الذي وصل بالفعل إلى بعض الأماكن ويمنع الوصول إلى اللاجئين، وفقًا لجين ماري بيهيزي، المدير القُطري لخدمات الإغاثة الكاثوليكية في تشاد.
المصدر: صحيفة التغيير