“المعهد الملكي” يحصّن اللغة الأمازيغية عن طريق التكوين و”الإقامة الروائية”
حاول المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية أن يكوّن مجموعة من الشباب ضمن إقامة روائية امتدت من 5 إلى 10 يونيو الجاري، في مجال الكتابة الروائية بشكل خاص، والكتابات السردية بشكل عام، بغاية الاستمرار في تدوين اللغة الأمازيغية وتحرير مؤلفات إبداعية بها.
الفرصة التي استفاد منها 11 شابا مبدعا أو أستاذا للغة الأمازيغية، وأطرها الروائي محمد نيد علي، أظهرت أن الرهان على تكوين الشباب المبدع يعد ركيزة مهمة لتقريب الكُتاب من تحرير الكثير من المواضيع المتصلة باللغة الأمازيغية، وضمان استدامة التراث اللغوي الأمازيغي بشكل عام.
تحصين اللغة
ابراهيم حسناوي، أحد المشرفين على تنظيم الإقامة، قال إن الهدف من وراء هذا التكوين كان هو “كيف يمكن أن نشجع على الإبداع الفني بشكل عام في المجال الأمازيغي ونجعل بالتالي من الأمازيغية لغة مدونة ومكتوبة أكثر؟”، موضحا أنه “في السابق، كانت اللغة الأمازيغية، في جزء كبير منها، تراثا شفويا تناقله الأجداد. ولهذا، هي إقامة تدخل ضمن الاستراتيجية التي يحمل لواءها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، سواء في مجال الكتابة السردية أو الصحافية أو السينمائية، أو حتى الأغنية الفنية”.
حسناوي أفاد في تصريح لهسبريس بأنها “مبادرة تأتي كذلك ضمن الجهود الحثيثة لخدمة تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وتقريبها من غير الناطقين بها، ولهذا تم ربط الموضوع بالرواية والكتابة، نظرا للدينامية التي تعرفها الكتابة الروائية الأمازيغية مؤخرا”، مشددا على أن التجارب السردية الأمازيغية “شهدت تطورا ملحوظا، سواء على مستوى الكم من حيث عدد الإصدارات، أو على مستوى الكيف من حيث درجة الإبداع المرتفعة التي أبانت عنها العديد من الكتابات الصادرة باللغة الأمازيغية. ومن ثم، أصبحت الإبداعات الأمازيغية حاضرة بقوة في مختلف الجوائز التي يتم تنظيمُها بالمغرب”.
ومن النقاط التي ركز عليها الباحث في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، كون الإقامة ركزت على مسألة جد مهمة، هي أن “التدوين والكتابة بالأمازيغية بأي شكل كان، سواء في الرواية أو الشعر أو المسرح، إلخ، هي محفزات قوية لضمان استدامة الثقافة الأمازيغية والدفاع عنها، باعتبارها عُنصرا حيويا مهما داخل الهوية المغربية”، مضيفا أن “الكتابة، بالفعل، من شأنها إحياء بعض الجوانب المحتَضرة من اللغة الأمازيغية، وكذلك تطويرها وإغنائها، فالدور الذي حملته الأغنية الأمازيغية سابقا، لا شك أن من مكملاته ستكون الإبداعات الشبابية في الصدارة، لا سيما في مجال الكتابة”.
ودعا المتحدث “جميع الفعاليات” إلى أن “تشجع تدوين اللغة الأمازيغية وتحصين الثقافة وإعطاء بعد آخر للتعابير الأدبية الأمازيغية، لأنه حين تصبح اللغة الأمازيغية مكتوبة أكثر، تكون أكثر قدرة على الوصول إلى الآخر، بما في ذلك تسويق الثقافة المغربية في حلتها الأمازيغية للمجتمعات الأخرى، وللراغبين في تعلم لغة الأجداد، وأيضا للباحثين في كل ما يتعلق بتيفيناغ”.
الكتابة أفقا للأمازيغية
قال عبد الرحمان العبدي، أحد المشاركين في “الإقامة الروائية”، إن “الاعتماد على الرواية كعامل مساعد في النهوض بأوراش الأمازيغية يعكس تصورا جديدا ومُغريا للكثير من الشباب الذين يكتبون في المجال الإبداعي خصوصا”، مضيفا أن “ما لوحظ هو أن معظم الشباب الأمازيغ الذين ولجوا ميدان الكتابة الأمازيغية، لديهم دوافع كثيرة لممارسة الكتابة، منها الشعور بالانتماء، والتعبير داخل اللغة الأم، ولكن الدافع الأهم هو خدمة اللغة الأمازيغية، وترك أثر مشترك”.
العبدي أوضح أيضا في تصريح لهسبريس أن “الرؤية الاستراتيجية للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، عكست من خلال هذه الإقامة الغنى والتنوع اللذين يتمتع بهما المغرب، بحيثُ تم انتقاء مشاركين من الريف ومن سوس ومن الوسط، وهو ما خلق حيوية في النقاشات، من بينها الانفتاح والتكامل الذي تؤديه لغة كل منطقة للأخرى”.
كما أبرز المتحدث ذاته أنه “كان مهما جدا أن يتم التواصل ضمن هذا التنوع، بحيث يركز كل مشارك على تنويعته، ولكنه ينفتح على تنويعات لغوية خاصة بمناطق أخرى تكمل المحتوى الإبداعي الذي يحاول بناءه عن طريق الكتابة السردية”.
في السياق ذاته، بيّن العبدي أن “الإنتاجات الروائية الشابة التي تُكتب باللغة الأمازيغية، كانت فعلا بحاجة إلى تكوين، لأن أغلبنا يكتب بخلفية معرفية تستمد مرجعيتها من النصوص الحكائية الشفوية، ومن ثم يعد هذا التكوين مهما لأنه سيدفع إلى الاستمرار في الكتابة بمقومات الاحتراف والدقة”، مشيرا إلى أنه لا يمكننا إنكار وجود استثناءات وتجارب روائية عديدة مكتوبة باللغة الأمازيغية، والتي تضاهي أفضل الأعمال الروائية العالمية في مختلف مقوماتها.
وقال: “ضمن الورشات ناقشنا نماذج سردية عالمية، وهو ما كان ضمن غايات السعي نحو خلق مقومات حصرية تتصف بالكونية للرواية المغربية الأمازيغية”، موردا أن “هناك تفاوتات، لأن كل فرد يكتب وفق تجربته، لكن تم الخروج بخلاصات نتقاطع فيها جميعا، لأجل خلق تجربة روائية مغربية متفردة وقادرة على منافسة الروايات الناطقة بلغات أخرى”.
المصدر: هسبريس