اخبار المغرب

امبارك بودرقة يواصل بوح الذاكرة .. من حلم الثورة إلى فضاء حقوق الإنسان

صدر الجزء الثاني من كتاب “بوح الذاكرة وإشهاد الوثيقة” بعنوان فرعي “من حلم الثورة إلى فضاء حقوق الإنسان”، وهي مذكرات لامبارك بودرقة الملقب بعباس، المعارض اليساري السابق وعضو هيئة الإنصاف والمصالحة.

وكان الجزء الأول من هذه المذكرات صدر عام 2020، وحكا فيه بودرقة في حوار أجراه المؤرخ الطيب بياض، أستاذ التاريخ المعاصر والراهن بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، عن أحداث 3 مارس 1973 التي تُعتبر آخر حركة مسلحة شهدها المغرب منذ حصوله على الاستقلال.

وفي الجزء الثاني الصادر عن منشورات “بيت الحكمة” دائماً يُواصل بودرقة بوح الذاكرة، وهذه المرة بالحديث عن مساره الحقوقي، كما كشف مجموعة من الوثائق لأول مرة، منها رسالة من الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إلى المناضل أبراهام السرفاتي، مؤرخة في 02 أكتوبر 1999، تضمنت إشادة بالملك محمد السادس ودعمه للمبادرات الحقوقية في البلاد.

الجزء الثاني من هذه المذكرات كان موضوع نقاش مستفيض في لقاء نظم أمس السبت برواق جامعة عبد المالك السعدي ضمن فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب، شارك فيه مُحاور بودرقة المؤرخ الطيب بياض، إلى جانب سعيد حاجي، أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، وقاسم الحادك، رئيس شعبة التاريخ بكلية الجديدة.

حقل التاريخ

سعيد حاجي قال خلال لقاء توقيع الكتاب، بحضور نوعي وتفاعل مجموعة من الباحثين والمؤرخين والمهتمين بالذاكرة والتاريخ وحقوق الإنسان، إن “صدور الجزء الثاني من بوح الذاكرة وإشهاد الوثيقة حول المسار الحقوقي لامبارك بودرقة يأتي في سياق الحاجة الملحة إلى فهم واستيعاب طبيعة التحول في الموقف وطبيعة الممارسة للنخبة السياسية المغربية، خصوصا تلك النخب التي عايشت محطات متعددة وحاسمة في مسار بناء الدولة الوطنية بعد الاستقلال”.

وذكر حاجي أنه “في وقت ظل حقل العلوم السياسية بكل ثقله النظري عاجزا في أحيان كثيرة عن إيجاد تفسيرات مقنعة لمواقف النخبة وممارستها السياسية، يبدو أن حقل التاريخ يظل المرشح الأول لتعويض هذا العجز، بالنظر لما يتوفر عليه المؤرخ من أدوات منهجية تتيح له رسم ملامح السياقات ورصد عناصر القطيعة والاستمرارية وعناصر البنية التي يمكن من خلالها للتاريخ أن يفسر ما عجزت عن تفسيره العلوم السياسية”.

ويرى الأستاذ الجامعي ذاته أن “بوح امبارك بودرقة المؤطر بأدوات المؤرخ الطيب بياض قدم مسارات تاريخية في مسار تاريخ واحد، فبالإضافة إلى مسار الفاعل السياسي والتحولات التي طرأت على مواقفه هناك مسار تطوري للمؤسسات والهيئات الحقوقية في المغرب، وسيرورة الانتقال من المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان إلى هيئة الإنصاف والمصالحة، ثم مسار تطور السياسة الحقوقية في البلاد، ومسار تطور الحقوق والمكتسبات المرتبطة بالحريات السياسية والنقابية وحرية التعبير وغيرها”.

الجرأة والصراحة

قاسم الحادك تفاعل مع الجزء الثاني من هذه المذكرات بالإشارة إلى “استمرار منسوب الجرأة والصراحة الذي ميز أيضاً الجزء الأول من المذكرات، على عكس ما يقوم به أغلب الفاعلين والشهود الكبار في مذكراتهم باعتماد منهج تجميلي لمحطاتهم وتفاعلهم والتجارب التي عاشوها، ويتجاهلون عن قصد بعض النقاط السلبية”.

وأشار الحادك ضمن اللقاء إلى أن “بودرقة وقف في الجزء الأول وقفة نقدية لمساره، وعاد في الجزء الثاني لاعتماد منهج المقاربة النقدية، خصوصاً عندما تناول التطورات التي عرفها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في مؤتمره السادس، وحديثه عن أن التغيير الحقيقي وترسيخ الديمقراطية الداخلية يجب أن يكون من داخل الحزب وليس من خارجه، واعتبر أن الخروج يعني التشرذم وإضعاف الذات الاتحادية”.

كما لمس المتحدث “استمرار منسوب الجرأة في مذكرات بودرقة من خلال تقديمه حصيلة ورش المغرب في العدالة الانتقالية وتجربة هيئة الإنصاف والمصالحة، إذ قال إن “هذه المذكرات جاءت يقظة ومفعمة بفيض من التفاصيل والمعلومات الثمينة حول محطات مهمة من تاريخ المغرب الراهن في جوانبه المتعلقة بحقوق الإنسان”.

كما أكد الأستاذ الجامعي ذاته أن المذكرات جاءت “حاملة لقدر كاف من الموضوعية والمصداقية، ويُعزى الفضل في ذلك إلى إشراف وتأطير المؤرخ الذي حاور ذاكرة الشاهد مسنوداً بعتاد نظري ومعرفي، واستطاع تطويع بوحه واستنطاقه بهاجس نقدي”.

تعقيدات كتابة المذكرات

في تعقيبه على تفاعل الأستاذين المتدخلين وأسئلة الحضور في هذا اللقاء، الذي غاب عنه بودرقة لظروف عائلية، أشار الأستاذ الطيب بياض إلى تعقيدات كتابة المذكرات بما تتطلبه من زاد نظري وحذر منهجي واطلاع معرفي لامتلاك عدة تأطير الذاكرة.

ونبه بياض إلى “أهمية التخلص من ثقافة التبخيس في التعاطي مع مذكرات أو تجارب باقي الفاعلين”، ونوه في هذا الصدد بـ”رقي الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي في كتابة مذكرات خالية من الإساءة لأي أحد، وهو ما نسجت على منواله تجربة بوح الذاكرة وإشهاد الوثيقة، حيث حضرت الوثيقة للإشهاد وإضفاء المصداقية دون نزوع لادعاء العمل الفردي، بل من صميم الاعتراف بإسهامات الآخرين ضمن تجربة جماعية في العمل”.

وأشار المؤرخ ذاته إلى “أهمية تأطير موضوع الكتاب الذي جاء في 467 صفحة موزعة على ستة فصول ينتهي كل منها بوثائق خاصة به”، كما حرص على رفع اللبس الذي يطال الموضوع عبر تقديم مطول حضرت فيه أبعاد نظرية ومنهجية ونموذجان للتحليل لفك كومة التعقيد التي تلف ثلاثية التاريخ الراهن والذاكرة وحقوق الإنسان.

وفي تقديمه المعنون: “التاريخ الراهن والذاكرة وحقوق الإنسان”، قال بياض إن ما يميز بوح امبارك بودرقة وهو يتحدث عن تجربته الحقوقية بتقاطعاتها المتعددة أنه جاء مسنوداً بإشهاد الوثائق، كما حصل مع تجربته في الحكي عن أحداث 3 مارس 1973 كجزء أول من مذكراته.

ويؤكد بياض أن إسناد الحكي بالوثائق يعني ترسيخاً لنمط جديد في كتابة المذكرات في المغرب، يلزم الذاكرة بالتزود بالبراهين والحجج التي تثبت صدقية حكيها قبل ولوج مختبر المؤرخ بغرض التأطير في أفق إنتاج ذاكرة تاريخية تحظى بالمصداقية.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *