من انقلاب 25 أكتوبر للحرب
من انقلاب 25 أكتوبر للحرب
تاج السر عثمان بابو
1
جاءت الحرب المدمرة الجارية حاليا بين جنرالات اللجنة الأمنية امتدادا لانقلاب 25 أكتوبر الذي كان الهدف منه العودة لما قبل 11 أبريل 2019، والتحلل من أهداف المرحلة الانتقالية التي أهمها: تفكيك التمكين واستعادة أموال الشعب المنهوبة، والانتخابات المبكرة التي نتيجتها مزورة، والمخرج من المحاسبة في مجزرة فض الاعتصام وبقية الجرائم ضد الإنسانية، وحماية مصالح الرأسمالية الطفيلية المدنية والعسكرية بعدم عودة شركات الجيش والأمن والدعم السريع والشرطة لولاية المالية، تلك الشركات تستحوذ حسب حديث رئيس الوزراء السابق حمدوك على 82% من موارد الدولة، ومن ما تبقى من مواردها تدفع الدولة مرتبات الدعم السريع والجيش، وميزانية الأمن والدفاع!! أي يأخذ الأمن والدفاع والدعم السريع أكثر من 82%!! وعدم قيام الترتيبات الأمنية لحل المليشيات والدعم السريع وجيوش الحركات وقيام الجيش القومي الموحد، رغم ذلك فشل في الحفاظ على أمن المواطن الذي يدفع من دم قلبه على الأمن والدفاع كما حدث من خراب ونهب ودمار في الحرب الحالية!!!.
لذلك ركز الانقلابيون على تجميد لجنة التمكين، وعودة فلول “الكيزان” للوظائف القيادية للخدمة المدنية والقضائية والنظامية، وإعادة الأموال المنهوبة للفاسدين، وفك حساباتهم، والإجراءت الديكتاتورية وإعلان حالة الطوارئ، والانفراد بالسلطة لتحقيق تلك الأهداف، واستمرار نهب ثروات البلاد، والتفريط في ثروات البلاد المعدنية وأراضيها للمحاور الخليجية والعالمية، مما أدى لتقوية موقف الفلول في التحالف الطبقي العسكري الحاكم، وتذمر حميدتي الذي صرح بخطأ انقلاب 25 أكتوبر.
2
اضف إلى ذلك أن انقلاب 25 أكتوبر، تم التخطيط له عن طريق الترصد وسبق الاصرار، وجاء تتويجا لتحركات الفلول كما في الاتي:
انقلاب اللجنة الأمنية للنظام البائد في 11 أبريل 2019 بهدف قطع الطريق أمام الثورة، وانتحال صفة الانحياز لها.
الانقلاب الدموي في مجزرة القيادة العامة التي ما زالت تنتظر القصاص، والذي أعلن البرهان في بيانه وقف التفاوض مع وقف الحرية والتغيير والانتخابات المبكرة بعد 9 شهور.
محاولات الانقلاب المستمرة، ومواكب الزحف الأخضر للفلول، وتخريب الاقتصاد وخلق الأزمات في المواد التموينية، والتهريب للسلع، ورفع سعر الدولار، وتأجيج الفتن القبلية.
المؤامرة المكشوفة في شرق السودان بقيادة ترك والفلول والمكون العسكري للانقلاب على الثورة باستلام العسكر للسلطة.
تجمع قاعة الصداقة للعودة للحكم العسكري من بعض قادة الحركات المسلحة (مناوي، جبريل ابراهيم، التوم هجو، عسكوري، أردول. الخ)، والدعوات لحل الحكومة وتوسيع قاعدتها لاشراك الفلول.
الدعوة لموكب 16 أكتوبر المدفوع الأجر، وتحركات حميدتي في ساحة المولد ودفع مبالغ لخيام الصوفية، وتأجير البصات لحشد طلاب الخلاوي وبعض الادارات الأهلية المصنوعة والطرق الصوفية التي كان يحشدها الاستعمار وعبود ونميري والبشير ولم تنقذهم من مصيرهم المحتوم، وبقايا الفلول.
3
من جانب آخر وجد الانقلاب مقاومة عاصفة أدت لتصدع في التحالف الطبقي والعسكري الحاكم، كما تجلت في المليونيات المركزية حسب جداول لجان المقاومة المنتظمة، ومواكب الأحياء والشهداء، واعتصامات اليوم الواحد، والمواكب المهيبة لتشييع الشهداء. الخ، هذا إضافة لمقاومة مجالات العمل مثل: الاضرابات والمواكب والمذكرات والوقفات الاحتجاجية للأطباء والمعلمين والمهنيين وأساتذة الجامعات، والمؤسسات والمصالح والمصانع، والتجار، وسائقي الشاحنات. الخ. والاضرابات والوقفات الاحتجاجية لتحسين الأجور والمعيشة، وغير ذلك من الحراك الجماهيري الواسع الذي رصدناه في مقالات سابقة.
فضلا عن اقتحام المستشفيات وضربها بالغاز المسيل للدموع مما أدى لحالات وفيات واختناق للمرضي كما حدث في مستشفى بحري، اضافة لمنع اسعاف المرضى، واقتحام المستشفيات لاختطاف المصابين، ورش المتظاهرين بماء “الظربون” القذر المستورد من اسرائيل، وحملات الاعتقال الواسعة، والتعذيب الوحشي للمعتقلين والاطفال والنساء، وغير ذلك من أساليب القمع في السجون الاسرائيلية، والتي اقتبستها مليشيات الاحتلال الجنجويدي منها، اضافة لاغلاق الانترنت والكبارى بالحاويات وظاهرة العساكر بالسكاكين الذين يعتقلون الثوار ويطعنوهم ويطلقوا سراحهم، وقمع واعتقال الصحفيين ومراسلي القنوات الفضائية، أدى القمع الوحشي الى استشهاد (125) شهيدا واصابة أكثر من (5 ـلف) مصاب، واعتقال المئات، واضافة للتعذيب وحالات الاغتصاب، اضافة لاستمرار الابادة الجماعية في دارفور والمنطقتين وبقية المناطق التي أدت لمقتل المئات وتهجير الالاف من قراهم لهدف نهب الأراضي والموارد..
رفضت المليونيات الخضوع للمحاور العالمية (امريكا وحلفاؤها، روسيا، الصين) والاقليمية (السعودية الإمارات مصر اسرائيل)، وأكدت على السيادة الوطنية وقيام علاقات خارجية متوازنة مع كل دول العالم، ورفض تصدير القوات السودانية لحرب اليمن التي تتعارض مع احترام استقلال وسيادة الدول الأخرى، وتصدير تلك الشركات المحاصيل النقدية لمصر والماشية وعدم وصول عائدها بالعملة الصعبة لبنك السودان، والذهب القذر الملوث بدماء ضحايا الابادة الجماعية في مناطق التعدين واستخدام المواد الضار بالبيئة في استخراجه (السيانيد، الزئبق. الخ) إلى الإمارات وروسيا والهند وغيرها، ومخطط اسرائيل لنهب موارد السودان الزراعية والمائية والوجود في البحر الأحمر والفشقة، كما استنكر الثوار دعم اسرائيل للانقلاب وحرقوا علمها، وطالبوا بوقف التطبيع مع اسرائيل، ووصاية العسكر على العملية السياسية في البلاد.
رغم القمع الوحشي للثوار وإغلاق الكباري وجعل العاصمة ثكنة كبيرة لكل مليشيات الجنجويد التي تضخمت عسكريا واقتصاديا، والبرهان وجيوش حركات سلام جوبا، تمكن الثوار من اقتحام القصر الجمهوري بعد مقاومة باسلة وشامخة وباذخة، أعاد اقتحام القصر بسالة ثوار المهدية الذين حاصروا الخرطوم واقتحموا القصر، واسقطوا الاحتلال التركي المصري الذي اذاق السودانيين مر العذاب ونهب ثروات البلاد من ذهب ومعادن أخرى ومحاصيل نقدية وماشية وقدرات بشرية، وهاهو يعيد التاريخ نفسه بشكل أعلى كما في سير الثوار في الطريق نفسه لتحرير السودان من قوات المرتزقة من دعم سريع، وحركات النهب المسلح وغيرها، المرتهنة للخارج التي نهبت ثروات البلاد، وصدرت المرتزقة لحرب اليمن، وقامت بالابادة الجماعية في دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق وغرب كردفان، كما قامت بالمجازر ضد الانسانية كما في مجزرة فض الاعتصام ومجازر ما بعد 25 أكتوبر التي تستوجب المحاكمة العادلة والقصاص للشهداء، اضافة للترتيبات الأمنية بحل مليشيات الدعم السريع وجيوش الحركات وقيام الجيش القومي الموحد، واستعادة كل شركات الجيش والأمن والدعم السريع للدولة.
واستمرت المقاومة بعد استقالة حمدوك وواصل الثوار في شعارات الثورة كما في القصاص للشهداء، وعودة العسكر للثكنات وحل الجنجويد، ورفض اشراف السلطة الانقلابية على الانتخابات في ظل التمكين التي ستكون نتيجتها مزورة ومعروفة سلفا، واسقاط الانقلاب لضمان انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية، وغيرها.
4
تمّ رفض التدخل الدولي في الشأن الداخلي بعد استقالة حمدوك، كما جاء في حديث فولكر رئيس البعثة الأممية في السودان الذي أشار لضرورة الحوار الشامل، وتقديم مرتكبي أعمال العنف للمحاكمة، كما دعا مكتب الشؤون الأفريقية في وزارة الخارجية الأمريكية الى: التوافق والحرص على استمرار الحكم المدني، وتعيين رئيس والوزراء المقبل والحكومة بناءً على الوثيقة الدستورية!!، هذا اضافة لاستمرار التدخل الإماراتي السعودي المصري في الشؤون الداخلية بهدف استمرار نهب ثروات البلاد، اضافة لرفض أكاذيب دعاوى الحوار التي تعيدنا لمربع الأيام الأخيرة للمخلوع البشير، ورفض إعادة تجربة الشراكة مع العسكر الفاشلة، ومطالبة بعودة العسكر للثكنات وحل المليشيات وجيوش الحركات التي ساهمت في الانقلاب وشاركت في القمع الوحشي للثوار، اصرار المجتمع الاقليمي والدولي لوجود العسكر في السلطة لحماية مصالحهم في نهب ثروات البلاد، كما في رفض الصفقات لقيام ميناء “ابوعمامة”، ومشروع الهواد الزراعي، وخط ميناء بورتسودان ادري بتشاد.
5
نتيجة للضغوط الخارجية جاءت وثيقة الاتفاق الإطاري، التي فجرت الصراع حول الفترة الزمنية لدمج الدعم السريع في الجيش، اضافة لاشتداد حدة الصراع على السلطة والثروة، بين طرفي اللجنة الأمنية ممثلة في البرهان وحميدتي المرتبطان بالمحاور الخارجية المتصارعة في البلاد، اشتداد حدة الصراع على الموارد ولنهب ثروات البلاد من اراضٍ وذهب وموانئ، وكانت الحرب الدائرة رحاها الآن، بهدف تحقيق أهداف سياسية واقتصادية بوسائل عسكرية.
جاءت الحرب بعد المقاومة الباسلة للانقلاب من جماهير شعبنا، وجرى احكام الخناق عليه داخليا وعالميا، واتساع السخط بسبب التفريط في السيادة الوطنية ونهب ثروات البلاد، وتدهور الأوضاع الاقتصادية المعيشية والأمنية، والزيادات في الأسعار، وتآكل الأجور مع موجة الاحتجاجات والإضرابات الواسعة، وانتزاع النقابات، كما في نقابة الصحفيين، واللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان..
لا شك أن المقاومة الجماهيرية الجارية من أجل وقف الحرب، ودرء آثارها، وتحسين أوضاع الجماهير المعيشية التي تدهورت بعد الحرب وتضاعفت اسعار السلع، مع عدم صرف المرتبات، والمطالبة بمحاكمة مجرمي الحرب، وخروج الدعم السريع وقوات اللجنة الأمنية من الأحياء والمستشفيات والمنازل ودور الأحزاب، ومحطات المياه والكهرباء، وحفظ الأمن ووقف عمليات النهب الجارية في الاسواق والمؤسسات والسفارات والأحياء، وخروج الدعم السريع والجيش من المدن، وحتى الترتيبات الأمنية لحل الدعم السريع، وتحرير الجيش من قبضة “الكيزان” ليصبح جيشا للسودان، وعودته للثكنات، ومواصلة المقاومة حتى استكمال الثورة ومهام الفترة الانتقالية وقيام المؤتمر الدستوري، وقيام الحكم المدني الديمقراطي، وتحقيق بقية أهداف الثورة..
المصدر: صحيفة التغيير