رابطة علماء تنادي بالابتعاد عن “نزعات الشيطان” في علاقات المغرب والجزائر
تجنبا لاستمرار المناوشات والصراعات بين البلدين الجارين المغرب والجزائر، ورفضا لشتى أعمال التعبئة والتجييش التي قد تصل إلى حد الشيطنة، أصدرت رابطة علماء المغرب العربي بيانا دعت فيه السلطات المختصة للبلدين إلى الجلوس إلى طاولة العلم والحكمة والعقل، وفض نقاط الاختلاف بما يحفظ مصالح الطرفين.
جاء هذا البيان بعد تسارع تدهور العلاقات المغربية الجزائرية خلال الأشهر القليلة الماضية، بفعل تواصل تصريحات المسؤولين الجزائريين المعادية للمغرب، بالإضافة إلى عودة العلاقات المغربية الإسبانية وتأييد إسبانيا مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية.
وقال بيان رابطة علماء المغرب العربي، توصلت به جريدة هسبريس الإلكترونية، إن “هذا نداء إلى أبناء المغرب العربي من حكام ومسؤولين وعلماء وشعوب، نداء من الله إلينا جميعا لنعتصم بحبل الله وأن ندع نزعات الشيطان التي تدفع الإخوة الأشقاء في الدين والدم والتراب إلى البغضاء والتقاطع”.
وأضاف: “ندعو البلدين من منبر رابطة علماء المغرب العربي وعلى لسان كل مسلم غيور على الأمة الإسلامية جمعاء، وعلى هذا الرباط الإسلامي التاريخي الذي لم يستطع الاستعمار البغيض عبر قرون أن يوقع الفتنة بين أبنائه فغاظه ذلك، وانتدب بعض المفسدين ليحركوا الضغائن، ويوغروا الصدور ويوقعوا العداوة، مستعينا بإعلام مستأجر لا يصلح إلا لخلق الفتنة بين المسلمين”.
ودعت رابطة علماء المغرب العربي إلى “المسارعة في الإصلاح الأخوي لرأب الصدع بين شعبين قد جمعتهما الجراح حتى صارا جسدا واحدا يشهد له التاريخ بمواقفه الزاخرة بهذا التعاضد الذي كان السبب الأول في طرد المستعمر البغيض من أرضه وبلاده”.
كما وجهت الرابطة الدعوة إلى “الحكومتين الشقيقتين، في الجزائر التي تمثل قلب المغرب العربي الكبير، والقلب يتسع للمحبة والإخاء والعفو، وفي المغرب الأقصى الذي يمثل الجناح الحاني والترس الواقي لمغربنا الكبير”، لأن “يجلسا إلى طاولة العلم والحكمة والعقل ويصلحا ما بينهما بود، وأن يحددا نقاط الاتفاق والائتلاف، ويحددا نقاط الاختلاف ويسعيا إلى حلها”.
وأكد علماء المغرب العربي “ضرورة تشكيل كل من الشعب المغربي والشعب الجزائري لجانا للضغط على الحكومات من أجل المصالحة بين البلدين لما فيها من خير للوطن والشعب معا، وتكثيف الجهود لرأب الصدع وكبح جماح الشر واستثمار وسائل الخير في تنمية سبل الوفاق والائتلاف”.
وفي هذا الإطار، صرح أحمد نور الدين، خبير في العلاقات المغربية الجزائرية، بأن “البيان الصادر عن رابطة علماء المغرب العربي يوم 5 يونيو 2023، الذي يدعو حكومتي الجزائر والمغرب إلى وأد الفتنة والى المصالحة وحل الخلافات بين البلدين، هو بيان يأتي في سياق تصعيد غير مسبوق في الخطاب العدواني الجزائري وفي الأفعال والحشود العسكرية والتحرشات ضد المغرب في كل المجالات”.
وتابع نور الدين حديثه لجريدة هسبريس الإلكترونية مؤكدا أن “فهم خلفيات هذا البيان يستدعي استعراض أربعة معطيات خطيرة تزامنت خلال هذا الأسبوع وحده”، أولها “انعقاد المجلس الأعلى للأمن الجزائري يوم فاتح يونيو، أي أربعة أيام قبل صدور البيان”.
المعطى الثاني هو “إعلان الرئاسة الجزائرية أن المجلس الأعلى للأمن الجزائري ناقش الوضع في البلاد والوضع على الحدود، برئاسة عبد المجيد تبون وبحضور الجنرالات فقط وغياب كل الأعضاء غير العسكريين، بمن فيهم الوزير الأول ووزراء الخارجية والعدل والداخلية، بل وغياب حتى مدير الشرطة”.
وأوضح نورد الدين أن “هذا يعني أن الاجتماع يتعلق بقرارات عسكرية خطيرة، وأن الجيش لا يثق حتى في الوزراء الجزائريين الأعضاء بالصفة في ذلك المجلس، ويخشى الجنرالات من تسرب المعلومات، وهذا تخوين للوزراء وللحكومة، وتجاوز حتى للدستور الجزائري الذي أعيدت كتابته مرات عدة تحت حراسة بنادق الجيش الجزائري”.
المعطى الثالث يتعلق بما تحدثت عنه تقارير صحافية من “حشود عسكرية كبيرة ومعدات عسكرية ثقيلة كالدبابات وراجمات الصواريخ على الحدود المغربية يومين بعد انعقاد المجلس الأعلى للأمن الجزائري”، وعلق الخبير في العلاقات المغربية الجزائرية على ذلك بالقول إن “تحرك الجيش يعني أنه تم بقرار اتخذ على أعلى مستوى في ذلك المجلس، وهو قرار لا يدعو إلى الاطمئنان”.
“قبل انعقاد اجتماع المجلس المذكور بساعات فقط، شن الإعلام الجزائري حملة بروباغندا رهيبة وواسعة النطاق حول وجود مؤامرة مزعومة تستهدف الجزائر. وتم الترويج لخبر لم تنقله أي وكالة أنباء دولية موثوقة ولا أي منبر إعلامي يحظى بالمصداقية في كل أنحاء المعمور، مفاده أن أجهزة المخابرات السرية لفرنسا وإسرائيل والمغرب عقدت اجتماعا في تل أبيب بهدف زعزعة استقرار الجزائر”. وهذا هو المعطى الرابع لفهم خلفيات بيان رابطة علماء المغرب العربي، بحسب أحمد نور الدين.
وأضاف الخبير في العلاقات المغربية الجزائرية إلى المعطيات السابقة، “ما يتعلق بتسريب تقارير إعلامية حول هجوم جزائري وشيك ضد المغرب في بداية الخريف، أي بعد زيارة تبون إلى باريس بشهر أو شهرين”، معتبرا ذلك “نوعا من التحضير النفسي للرأي العام قبل وقوع أمر جلل تخطط له العقول الصغيرة لجنرالات النفط والغاز الجزائريين لاستكمال ما بدأه الاستعمار الأوروبي المباشر من تفتيت وتدمير للمنطقة بأكملها”.
وقال نور الدين: “حينما نعلم أن كل هذه الأحداث الخطيرة وقعت في مدة لا تتجاوز أسبوعا واحدا، فهذا يقربنا إلى فهم أسباب وخلفية بلاغ رابطة علماء المغرب العربي، التي هي شاهدة على ذلك وعلى سلسلة الاستفزازات والتصعيد الخطير الذي يقوم به النظام العسكري الجزائري منذ إعلانه قطع العلاقات الدبلوماسية وإغلاق المجال الجوي بعد سنوات من إغلاق الحدود البرية مع المغرب، وما صاحبه من حرب إعلامية قذرة على كل ما هو مغربي دون استثناء للأعراض والتاريخ والتراث والرياضة وفنون العيش، بل وصل الأمر إلى الاعتداء على الرياضيين المغاربة لفئة أقل من 20 سنة الذين شاركوا في بطولة كأس العرب في مدينة وهران، حيث تم التهجم عليهم جسديا أمام كاميرات العالم”.
وأضاف المتحدث لهسبريس: “أمام هذا الوضع الخطير، أظن أن رابطة العلماء أرادت أن تدق ناقوس الخطر على مستوى العالم الإسلامي، بالإضافة إلى كون النصيحة للحكام وللناس كافة تُعتبر جوهر الدين الإسلامي بصفة عامة، وهي أساس عمل العلماء”، مشيرا إلى أنه “إذا ما رجعنا إلى بيان الرابطة بالتحليل سنجده يوجه بين السطور سهام الاتهام والإدانة إلى الجزائر، لأنّ البيان يدعو حكومة الجزائر وحكومة المغرب إلى طاولة الحوار وإلى حل الخلافات، والمغرب يطالب بذلك على لسان أعلى سلطة في البلاد، وجاء ذلك في خطابات ملكية رسمية سنوات 2018 و2019 ثم 2021”.
ولفت نور الدين إلى أن “الرد الجزائري كان هو التجاهل والتعنت ودق طبول الحرب، ويكفي أن نعلم أن دعوة الملك للمصالحة مع الجزائر في خطاب العرش يوم 30 يوليوز 2021، جاء الرد الجزائري عليها بقطع العلاقات الدبلوماسية بعد أقل من شهر في بيان للرئيس الجزائري تلاه بالنيابة وزير خارجيته آنذاك رمطان العمامرة”، ليتساءل باستنكار: “أي رعونة وجهالة بعد هذه”.
وتابع بأن “بيان رابطة علماء المغرب العربي دعا الشعبين المغربي والجزائري إلى تشكيل لجان للضغط على الحكومتين من أجل المصالحة، وهذا أيضا موجّه إلى الشعب الجزائري الذي عليه أن يضغط على حكومته لتعود إلى جادة الصواب، أما المغرب فهو غير معني لأن الدولة تدعو إلى المصالحة وتمد يدها للجزائر، وبالتالي فلسنا بحاجة إلى ضغط شعبي لإقناع الحكومة”.
وواصل الخبير في العلاقات المغربية الجزائرية قائلا: “إننا في المغرب نؤمن بقيم السلام وحسن الجوار، ولدينا مشاريع كبرى يقوم بتنفيذها عاهل البلاد للتحول إلى بلد صناعي متطور، ونحن على وعي بأنه لا يجب أن نسقط في فخ الجنرالات الجزائريين الذين يظنون أن الحرب هي المخرج الوحيد المتبقي للخروج من الأزمات المركبة التي تعصف بالجزائر سياسيا وحقوقيا واقتصاديا وثقافيا، بل ووجوديا. نعم نعلم ذلك كله ولا يجب أن نسمح لهذه الطغمة العسكرية الجزائرية بأن تحيد بنا عن مواصلة السير نحو تحقيق السيادة الوطنية الكاملة سياسيا وصناعيا وغذائيا وأمنيا وصحيا، وتكنولوجيا… نعلم ذلك جيداً، ولكن ذلك لا يعني أن نستخف بالتهديدات العدوانية للعسكر الجزائري”.
وأكد “ضرورة عدم الاستخفاف بهذا الأخير وحمل تهديداته محمل الجد”، وذلك “لأننا نعلم أن الجنرالات الجزائريين الذين قتلوا ربع مليون جزائري خلال العشرية السوداء بسبب انقلابهم على صناديق الاقتراع، والذين أطلقوا شرارة حرب الرمال سنة 1963 بهجوم غادر على المغرب في تنجوب وحاسي بيضا وفكيك وييش، والذين استولوا على ضيعات أهل فكيك في واحة العرجة في مارس 2022، والذين قتلوا الرئيس بوضياف لأنه رفض أطروحة الانفصال في الصحراء، والذين قطعوا العلاقات مع المغرب في 24 غشت 2021 دون مبرر، والذين اتهموا المغرب زوراً ودون دليل بإشعال الحرائق في تيزي وزو التي تبعد 600 كلم عن الحدود، (نعلم أن) هؤلاء الجنرالات الدمويين ليسوا أهلا للثقة، وعلى المغاربة أن يتخذوا كل الاحتياطات اللازمة وأن يستعدوا لكل الاحتمالات، وعلى الدولة أن تضع سيناريوهات لكل الفرضيات، بما في ذلك التعبئة الشاملة تحسبا للأسوأ”، يقول أحمد نورد الدين، داعيا الله أن يحفظ وطننا المغرب من كل سوء.
صحافية متدربة
المصدر: هسبريس