قواعد وآداب النشر والمشاركة على صفحات التواصل الاجتماعي
لقد فتح الله تعالى على عباده فتحًا عظيمًا في التقنية والاختراعات، لاسيما في عالم الاتصالات، ومما ظهر مع الهواتف الذكية ما يسمى بمواقع التواصل الاجتماعي التي تربط الناس في مجموعات ومتابعات، وتيسر التواصل مع العالم كله بأخباره وصوره ودقائقه، وهي كثيرة تتوالد وتتزايد، ومن أشهرها التويتر والواتس أب والفيس بوك والأنستغرام وغيرها. فهي نعمة كبيرة حينما يوظفها الإنسان توظيفا نافعا سليما، وأداة خطيرة إذا لم تضبط بالضوابط الشرعية، والأخلاق المرعية.
من يتأمل هذه المواقع يجد فيها عددا من المزايا والفوائد، منها: سهولة التواصل بين الناس، وتوفير المال والوقت في الاتصال وتبادل المعلومات، والحصول على المعلومات والفوائد والأخبار بسرعة وسهولة، ونشر الوعي في أمور الدين والمجتمع والصحة والسلامة وغيرها من مصالح الناس بأساليب جذابة، من خلال المقاطع المتقنة في المحتوى والإخراج، ومن مزاياها أيضا: إنجاز المصالح والمعاملات بيسر وسهولة، دون عناء أو ضياع وقت.
ومع ما سبق من إيجابيات وفوائد، إلا أنها انطوت على سلبيات ومخاطر، منها: فتح باب الشهوات والانحرافات الأخلاقية، وإضاعة الوقت، ونشر الشبهات والأفكار الخطيرة والشائعات، والتعرض لأعراض الناس وخصوصياتهم، وتصدير بعض الجهال والتافهين، وإشهار بعض الحمقى أو البسطاء، الذين ليس لديهم علم أو ثقافة أو خبرة أو مهارة يُستفاد منها، بل استغلوا هذه الوسائل للثرثرة، ونشر الأخبار الشخصية التي لا حاجة للناس بها…
وفي ضوء ما يشهده هذا الواقع الافتراضي من فوضى تلحق الضرر البالغ بالمجتمع وبالوعي الاجتماعي، وما يؤدي إليه ذلك من ضياع الحقيقة واختلاط المعلومات وتضاربها، وما يشوب ذلك من تشويه وتزوير وكذب وبهتان وترويج لأكاذيب وادّعاءات وإثارة للفتن، وإشاعة الكلام السيء البذيء؛ نريد أن ننبه إلى آداب مهمة ينبغي لمستخدم هذه الوسائل التنبه إليها والحذر من أن تكون هذه الوسائل أوزارا يتحمّلها صاحبها دنيا وآخرة.
الواجب على من دخل هذا الفضاء الواسع وهذه الوسائل المتعدّدة التي تزيد وتتطوّر يوما بعد يوم، أن يراقب الله تعالى فيها ويحذر من غوائلها، قال سبحانه وتعالى: {وإن عليكم لحافظين * كراما كاتبين}. مع التثبت في نقل الأخبار، وعدم نشر الشائعات والأراجيف والتي لا يجوز نشرها، قال تعالى: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}.
فالحذر من نشر الأسرار، وكشف الأستار، فمن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم: “يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه! لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته”.
ومن أهم آداب النشر على صفحات التواصل الاجتماعي عدم القدح والشتم والتجريح الشخصي، وعدم السماح للأصدقاء على صفحتك الخاصة باستخدام الشتم والتجريح والإساءة لأي شخص أو تبادل ذلك مع الأصدقاء، وأن ينأى بنفسه عن الخوض في ما ليس من اختصاصه، فلا يصح أن يتحدث المؤرخ في هندسة الطيران ولا مهندس الطيران في الطب ولا عالم اللغة في الكيمياء ولا عالم الفيزياء في الفقه، وأن يلتزم بقيم المجتمع والعناصر الأساسية الثابتة في هويته، لأن الالتفاف حول قيم المجتمع الإيجابية هو الضامن لتماسكه ومنعته.
ينبغي أن يسعى المشارك إلى مرضاة الله، وأن يكون قصده إرضاء رب العالمين في كل خطوة يخطوها، سواء كان إلى مكان من الأمكنة أو فتح صفحة على المواقع الإلكترونية، ومراقبة الله عند الكتابة والمشاركة، قال تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}، مع الحرص دائما على نشر وإشاعة الخير والهدى والعلم النافع والأحاديث النبوية الصحيحة والأذكار المأثورة وما ينفع الناس في حياتهم الدينية والدنيوية، وبذلك تنال أجرا عظيما، وعدم الخوض مع الخائضين، فبعض الناس اختصاصه الفتن، تجده كالذباب لا يقع إلا على النتن، وبعضهم كالنحل لا يقع إلا على الزهر والخير، ولا يلتفت إلى تفاهات الناس وثرثرتهم وما يضيعون به أوقاتهم.
إن استخدام الشبكة ووسائلها يأكل الوقت أكلا، ويقطع العمر قطعا، وأغلى ما في الوجود الوقت إذ هو العمر، فهو لا يقدّر بثمن، وأكثر الناس مغبون فيه كما في الحديث: “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ”. لهذا، وجب الاقتصاد في استخدام هذه الوسائل وعدم الإدمان عليها، حماية للصحة وللوقت.