ندوة تناقش تقاطعات الدبلوماسية الحضارية
نظم مختبر الأبحاث القانونية وتحليل السياسات، التابع لكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة القاضي عياض بمراكش، الجمعة، ندوة علمية دولية تناولت بالتشريح والمناقشة إشكالية الدبلوماسية الحضارية، بحضور سالم بن محمد بن مالك، المدير العام لمنظمة الإيسيسكو، وسفير سلطة عمان بالمغرب.
وقال سالم بن محمد بن مالك، المدير العام لمنظمة الإيسيسكو، إن “أي تناول للعلاقات الدولية لا بد أن ينطلق من مبادئ تعلي من قيم السلم والأمن، وتغني روافد السياسة بالقيم الحضارية الحديثة”، مضيفا أن “من هذا المنبع استقت منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة ابتكارا جديدا تقدمه لأنساق الحضارة العالمية”.
وتابع المدير العام لمنظمة الإيسيسكو في كلمته خلال الجلسة الافتتاحية للندوة العلمية الدولية “الدبلوماسية الحضارية.. قراءات متقاطعة”، بأن “فكرة الدبلوماسية الحضارية لا تقدم نفسها بديلا للدبلوماسية التقليدية، بل ظهيرة للفعل الحضاري في عالم الدبلوماسية، وفي ذلك تستشعر الإيسيسكو في نظرتها الجديدة أن فرصا تلوح في الأفق لإعادة تأسيس على قواعد العمل الإنساني، لا على محك المصالح الوطنية الضيقة، بل على قاعدة التواصل الكوني”.
وأردف بأن “التنظير ليس بالمهمة السهلة، لكن ما نعلمه أكثر أن ما من فعل تسنى له الوقوف على أسس علمية رصينة مبدعة، إلا وكتب له النجاح والخلود، بهذا الاعتبار تسعد منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة بالدليل على معاني التكامل بين النظري والعملي، حتى يتم نحت المفهوم بشكل دقيق، وهنا يمتد الاعتزاز والثناء والتقدير لأروقة جامعة القاضي عياض”.
بدوره، أوضح عبد الكريم الطالب، عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش، أن “الدبلوماسية الحضارية” مفهوم جديد، من إبداع منظمة الإيسيسكو، ينضاف إلى مفهوم الدبلوماسية الموازية أو العامة، وستكون له الجدة من حيث آثار نتائجه على المجتمعات والدول والشعوب.
وقال: “أعتقد أن مفهوم الدبلوماسية الحضارية سيكون واضح المعاني بمساهمة هذه التقنيات الحديثة، وسيقلص المخاطر لأنه مفهوم لا يرتكز على الأسس التقليدية، إنما على أسس جديدة. لذا، فكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية منخرطة من خلال مختبراتها وأطرها من أجل تأصيل هذا المفهوم، وتعمل على فتح تكوين لهذه الدبلوماسية، وإحداث كرسي في هذا التخصص، سواء تعلق الأمر بمركز للتميز أو شهادة الماستر”.
وعن إشكال هذه الندوة، قال خالد فتح الرحمن، مدير مركز الحوار الحضاري بالإيسيسكو: “لا يمكن استعمال آليات قديمة لحراك جديد، لكن يجب استحضار هذا التراث، فمصطلح حوار الحضارات قدمه المفكر الفرنسي روجي جارودي عام 1977، تلاه تقديم حوار الثقافات من الرئيس الإيراني محمد خاتمي عام 1998، ثم نهض مفهوم تحالف الحضارات عام 2005، تم تفرعت الرؤى بعد ذلك بين مقترح للرئيس الصيني ووثيقة مكة، وكلها تشكل أرضية معرفية لما سنناقشه”.
وزاد متسائلا: “لماذا تبقى سلبيات الأنساق الحضارية حبيسة التنظير؟”، موردا أن “الإجابة المنطقية هي إما أن الإجابة غير قابلة للتطبيق، أو إنها قابلة للتطبيق لكن لم يتسن لها اقتراح الوسائل العملية، أو إنها اقترحت هذه الوسائل ولكنها كانت أدوات غير ملائمة”، وقال: “برؤية باحث ناقد، فإن الملتقيات الموسمية ليست الطرق المثلى لجمع الأفكار الحضارية، لأن النسق الحضاري يمشي على ساقين، ومن هنا انقدحت فكرة البحث عن كينونات عملية تتمتع بمقومات الحركة والمناورة والتأثير والاستقطاب والاستيعاب، وهي عمليات خمس لا تتوفر إلا للمنظومات الدبلوماسية في الإطار السلمي”.
وأوضح المتحدث نفسه أن “الدبلوماسية تعبر عن المصالح الوطنية الضيقة، لكن من جانب آخر فالنسق الدبلوماسي التقليدي يواجه تحديات شرسة، وهنا تتبدى معضلة لها طرفان من المعادلة، أولها لذا فالأهم من ذلك هو أن تغييرا بنيويا هائلا تشهده أروقة السياسة الدولية، وتوازنات القوى العالمية، مع ثورة الاتصال، جعلت القرن 21 ينتمي إلى عصر جديد، فكيف يمكن الاستفادة من هذا التناقض لإحداث نقلة حضارية للتواصل الإنساني؟”.
وقدم خالد فتح الرحمن تعريفا للدبلوماسية الحضارية قائلا: “هي ذلك النمط من النشاط الدبلوماسي الذي يتخذ من ثراء المنجز الحضاري الإنساني الكبير منطقا له، فيعتمد حيوية جهازه المفاهيمي، ويفيد منها كأداة في تقريب وجهات النظر بين الوحدات الدولية ومجتمعاتها تعزيزات لقيم السلم وإشاعة لأجواء التعايش؛ ومن هذا المنطلق، فالدبلوماسية الحضارية لا تقدم نفسها كبديل لكنها كجديد يمكن أن يستفيد من آليات وتراكمات وفرص الدبلوماسية الرسمية”.
“والدبلوماسية الحضارية لا تقدم نفسها وصيفا لمفهوم الدبلوماسية الثقافية، أو العلمية أو الرقمية أو الدينية، وإنما هناك مكمن عملي تحاول هذه الرؤية أن تقدمه عبر مفهومها، وتسعى من خلال هذا المستوى العملي إلى التقارب مع الدبلوماسية العامة لتأسيس شبكة عالمية للدبلوماسية الحضارية، وهذا هو مناط الإطار العملي، الذي يتمثل في الإجابة عن أسئلة من قبيل: كيف يمكن التأسيس؟ وما هي الفلسفة؟ وما هي القضايا؟ ومن هم الفاعلون الرئيسيون؟ وهذا ما ستكشفه أعمال هذا الملتقى العلمي الدولي”، يختم مدير مركز الحوار الحضاري بالإيسيسكو.
يذكر أن هذه الندوة ستناقش “مساهمات في التأصيل النظري لمفهوم الدبلوماسية الحضارية”، و”الأدوار المفترضة للفاعلين في الدبلوماسية الحضارية”، و”منظمة الإيسيسكو الفاعل المؤسساتي في تشكيل مفهوم الدبلوماسية الحضارية”.
المصدر: هسبريس