“أمننة الجوار ونظرية المؤامرة”.. استراتيجية الجزائر لاحتواء الأزمات الداخلية
“استراتيجية التخويف والترهيب”، وصفة دأب النظام الجزائري على توظيفها لتطويع شعبه ودفعه لقبول ما سيفرضه من سياسات واختيارات، وتذكير الجزائريين في كل مرة بأن مؤسسة العسكر هي الجهة الوحيدة المخول لها “رسم معالم اللعبة السياسية في البلاد، وهي الضامن لوحدتها واستقرارها”.
“اجتماعات إسرائيلية مغربية فرنسية لضرب استقرار الجزائر ومعها تونس”، عنوان تزعم تحته صحيفتا “الخبر” و”ليكسبريسون”، المقربتان من النظام الجزائري، نقلا عن مصادر مخابراتية، أن البلاد “تتعرض لحملة دنيئة لاستهدافها وزعزعة استقرارها والتشويش على إنجازاتها العظيمة في مختلف المجالات”.
من يقرأ الخبر لا يجد بين تفاصيله مبررا واضحا لنشر ادعاءات من هذا النوع في هذا التوقيت بالضبط وعلى مقربة من موعد الانتخابات الرئاسية، فيما يرى محللون أن في ذلك تلميحا واضحا ورسالة مباشرة إلى الجزائريين مفادها أن “الخروج للتظاهر والاحتجاج على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية سيعني المحاكمة بتهمة التآمر على ضد أمن الدولة”.
وليست هذه المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة على الأرجح، التي يوظف فيها النظام الجزائري “نظرية المناورة” كلما راكم الفشل في تدبير أزماته الداخلية؛ فتارة يتهم المغرب، وتارة يتهم “الأصوليين”، وفق تعبير السعيد شنقريحة، ومرات أخرى يتهم جهات دون أن يسميها، لكنه هذه المرة طور خطابا جديدا واعتبر أن “الكل” أصبح ضده وضد إنجازاته، وأن “تحالفا دوليا” بات يشكل للإطاحة به.
أمننة الجوار وتغطية على الفشل
محمد العوفي، باحث في القانون العام والعلوم السياسية، قال إن “السياق العام لهذه المزاعم الوهمية أصبح مكشوفا، خاصة مع توالي الانتكاسات والهزائم التي تلقتها الجزائر على المستويين الداخلي والخارجي”.
وأضاف العوفي، في تصريح لهسبريس، أن “هذا النوع من الاتهامات يرتبط بما يسمى أمننة الجوار، وهي الاستراتيجية التي تلجأ إليها الدول ذات النظم العسكرية عندما تفشل في مجاراة التنافس السياسي والتنموي مع منافسيها”.
وتابع بأن “النجاحات التي حققها المغرب على كافة المستويات، والإشعاع الذي يحظى به إقليميا ودوليا، كان من المفروض أن تواجههما الجزائر بمزيد من العمل والتنمية، ولكن في ظل قصورها وعجزها عن ذلك، تلجأ إلى تخوين المغرب من خلال الخطاب الذي يعتمد أساسا على العسكرة”.
وأورد المتحدث عينه أن “عسكرة الدولة وأمننة خطابها السياسي لا يمكن أن يأتيا بالاستقرار والتنمية، ولا أن يدعما سبل التعاون الاقتصادي بين الدول”، مبرزا أن “المجتمع المدني والحركات الحقوقية في الجزائر باتا واعيين بأن الهدف من هذه الادعاءات هو التغطية على الفشل الذي راكمه النظام على كافة المستويات الناتج عن هيمنة المؤسسة العسكرية على كل مفاصل الدولة”.
نظرية المؤامرة وصراع أجنحة
العمراني بوخبزة، خبير في العلاقات الدولية، قال إن “توظيف نظرية المؤامرة أصبح عملة رائجة في الجزائر، يستعملها نظامها في كل مرة تواجهه فيها أزمات داخلية أو كلما اقتربت الاستحقاقات الانتخابية”.
وأضاف بوخبزة، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هناك صراعا قويا داخل المؤسسة العسكرية حول المرشح الذي سيدعمه الجيش في الرئاسيات المقبلة، كما أن الرئيس الحالي لم يتلق بعد الضوء الأخضر للترشح، إذ ترى بعض القيادات العسكرية أن الجزائر خسرت الشيء الكثير في صراعها الدبلوماسي والسياسي مع المغرب خلال ولايته. وبالتالي، فإن النظام يحاول خلق أخطار خارجية وهمية حتى يتنسى له إعادة ترتيب أوراقه”.
وتابع بأن “الحديث عن مؤامرة من هذا النوع مجانب للصواب، ذلك أن العلاقات المغربية الفرنسية الآن في وضعية أزمة، وبالتالي لا يمكن للرباط أن تنسق مع باريس في ملف كهذا في ظل السياق الحالي”.
وخلص الخبير في العلاقات الدولية إلى أن “النظام الجزائري ارتكب خطأ فادحا عندما تحدث إعلامه عن تونس، لأن هذه الأخيرة ليست في حاجة لمن يتحدث باسمها، وفي ذلك تدخل واضح في الشؤون الداخلية لهذا البلد ومحاولة لتوجيه القرار التونسي نحو اختيارات معينة”.
المصدر: هسبريس