اخبار السودان

السودان بين انهيار الدولة وغياب القيادة

عثمان نواي

بقلم: عثمان نواي

انهيار الدولة المركزية فى السودان أصبح حقيقة ماثلة لا يتجادل حولها اثنان. ومن الواضح ان التاريخ سيكتب ان عبد الله حمدوك كان آخر رئيس وزراء لجمهورية السودان بشكلها المتعارف عليه منذ انشاء الدولة المركزية فى الخرطوم عقب غزو محمد على باشا قبل مائتين عام بالضبط. ولقد اثبتت احداث هذه الحرب ان عودة السودان الى شكل الدولة السنارية اللامركزية، المفتتة والمعتمدة فى توازاناتها السلطوية على القبيلة والتحالفات الأمنية او العسكرية المؤقتة أصبح أيضا واقعا. وربما كانت هذه العودة الى نقطة تركيب السودان الحديث ما بعد دخول الإسلام هى إحدى دوائر التاريخ التى تعطى الأمم فرص جديدة للبناء، ولكن ان لم يتم استغلال الفرص هذه، تتحول الى نقطة تلاشى محتمل لهذه الدولة الهشة منذ تأسيسها. و مما لاشك فيه ان السودان وصل إلى نقطة اللاعودة. وان تغييرات كثيرة فرضتها هذه الحرب وواقعها الذى يتشكل كل يوم سوف تتحكم بشكل واضح فى شكل سودان المستقبل. للأسف ان هذه التغيرات او التشكلات لم يعد بالإمكان التخطيط لها او التحكم فيها من قبل اى من الفاعلين فى الحرب نفسها او حتى القوى الأخرى المؤثرة او المتاثرة بها، سواء كانت مدنية او عسكرية، محلية أو إقليمية او دولية.

ان كل الاطراف التى تتفاعل فى الساحة السياسية مدنية او عسكرية لازالت تتخذ قراراتها تحت تأثير الصدمة وفى اطار فوضوى من ردود الأفعال التى تصنع الأفعال من الطرف المقابل. فلا احد يمتلك لا زمام المبادرة ولا حتى الرؤية الواضحة. وهذه بالتأكيد اعراض ما يسمى بتوازن الضعف. ولكن الأخطر ان الوضع الراهن هو وضعية انعدام الاتزان فى كل الاطراف. ان عدم قدرة طرف على استغلال الفرص المتوفرة له هو كارثة اكبر من عدم وجود الفرص نفسها. على سبيل المثال الجيش الان يحظى بالدعم الشعبى لدرجة كبيرة، الا ان هذا الدعم مهدد بسبب عدم قدرة الجيش على تقديم نموذج ادارى ناجح لحياة الناس اليومية وتامينهم، ناهيك عن كسب المعركة فهذا شأن اخر. من ناحية أخرى الدعم السريع فشل فى استقطاب الناس بخطاب كراهية الكيزان، لأن الدعم خلق من نفسه عدو مباشر للشعب السودانى لا يقل سوءا عن الكيزان منذ وقت طويل، ناهيك عن انتهاكاته المتزايدة على الأرض.

من ناحية أخرى نجد انهيار كامل لأوضاع معظم ولايات دارفور، مع نموذج فاشل لدور القوى المسلحة فى استغلال الفرصة هناك لاعادة تقديم نفسها كحامى للامن بدلا عن شريك فى الفوضى. هناك مظهر اخر مدمر فى واقع الحرب الراهن وهو ضعف وركاكة وعدم فاعلية الخطاب السياسي المدنى. فقد أخرجت القوى السياسية المدنية نفسها بشكل أضعف ما يكون في ظل هذه الحرب. ناهيك عن المواقف المرتبكة من اطراف الحرب، الا ان الخطاب السياسى المنتج من قبل القوى السياسية قد فضح مقدراتها الحقيقية وقدرتها على الفعل. إضافة الى الخطاب فان الغياب للقوى السياسية من الفعل المدنى على الأرض، بما يشمل ذلك قيادة التنظيم المجتمعى لمواجهة ويلات الحرب هو فشل اخر ستسجله ذاكرة الشعب السودانى. حيث أبناء لجان المقاومة و المتطوعين الغير منظمين سياسيا فى معظمهم يلعبون اداوارا بطولية تتصاغر فى وصفها الكلمات.

ان الشعب السودانى يتصدى لعواقب هذه الحرب وحيدا دون سند القوى السياسية المدنية او العسكرية فى غياب تام للمجتمع الدولى.. وتلك فضيحة أخرى.. ومنذ بداية الحرب يتحمل المغتربون عبء التمويل ويتحمل شباب الأحياء المتطوعين عبء التنظيم وإدارة دولة تخلى عنها قادتها. لذلك فإن مستقبل السودان الغير معلوم الآن سوف يتشكل ببطء وألم. حيث السيناريوهات تظل مفتوحة لتفاعلات الفوضى وضربات الحظ ونتائج الأحداث الراهنة. ولذلك نحن في السودان أمام أزمة مفتوحة الأمد الزمنى، كما انها مفتوحة المالات فى ظل غياب القيادة القادرة على الفعل المؤثر، ناهيك عن الحلم بقيادة رشيدة فى اى من الأطراف . ان توصيف الحال الذى نحن فيه، هو خطوة اولى لادراك عمق الأزمة والخروج من توهمات الحلول السهلة والشعارات المقتضبة الجذاب لرواد السوشيال ميديا . فلا شعار ” بل بس” سيحسم الحرب ولا شعار ” لا للحرب” سيجلب السلام. ادراك حالة انعدام الرؤية وضعف القيادة الذى نواجهه هو نقطة بداية الجلوس على ارض جرداء، ولكنها ثابتة وحقيقية للبحث عن سبل واقعيه لتخفيف آثار انهيار هذه الدولة فوق راس شعب مكلوم يقف وحيدا مذهولا فى وجه الكارثة.

osman.habila@gmail

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *