قراءة مختصرة في مآلات تطور الحرب في السودان
بكري الجاك
لم يعد لدي أدني شك أن هذه الحرب غاية في حد ذاتها الآن، ربما الأسباب البنيوية للحرب تتمثل في تعدد الجيوش و مراكز صناعة القرار و ربما أن العوامل الأكثر تأثيرا هي ما قام به الإسلاميين في إفراغ جهاز الدولة و اضعافه لأسباب عقدية تتمثل في الحلم الرسالي و لأسباب سياسية تتمثل في تسهيل السيطرة على مصادر مقاومة السلطة لتسهيل البقاء في الحكم دون معارضة فعالة. انتهي الحلم الرسالي في العشرية الأولى للإنقاذ و حل محله شره السلطة والمال مع نجاح عملية إفراغ جهاز الدولة وإضعافه للبقاء في السلطة لكنه أتي على حساب إضعاف الجيش و تقوية الميليشيات وتوفير الحوافز لتوسع الحركات المسلحة بتحويل عملية صناعة السلام الي مصدر للتكسب و الوصول للسلطة و ليس لتصحيح أوضاع التنمية غير المتوازنة و التهميش. لا أعتقد هناك ضرورة لإقامة الحجة عن مدى ضعف الجيش من خلال أدائه و عدم احترافيته و الخوف الأكبر من نتائج انهياره الكامل و جرح كبرياءه.
أما العامل الأكثر مباشرة في اندلاع الحرب هو الصراع السياسي حول السلطة لحماية المصالح الاقتصادية لكارتيلات لها مصالح متنافسة و متضاربة، لتصبح عملية السيطرة على الدولة مجرد واجهة لهذا الصراع. من تجارب النزاعات ليس هناك غرابة في أن تتحول أهداف أي صراع من محاولة أحد الأطراف للانتصار إلى تحويل الصراع نفسه كهدف يؤدي إلى عملية تدمير شامل للبنية الاجتماعية و الثقافية و السياسية. في تقديري أن الحرب الآن في السودان تجاوزت أحلام دقلو أخوان التي كانت تري في الدعم السريع الوسيلة الأسرع و الأنجع للوصول إلى مراكز التأثير في الدولة.
وليس هنالك سر عن وجود تأثير دولي وإقليمي علي الحرب في السودان الآن، و في ظني أن فاغنر كواجهة لبوتين (روسيا) تهدف إلى إطالة أمد الصراع في السودان وتوسعه ليشمل كل منطقة غرب أفريقيا لتحقيق أهداف استراتيجية وتكتيكية، الاستراتيجي هو إقامة أنظمة كليبتوقراطية (ليست بالضرورة عبر الدولة الحديثة) استخراجية تقوم بنهب الموارد و لا تكترث لأي قيمة انسانية و تتبع منطق القوة العسكرية المطلقة، و التكتيكي هو استخدام السودان وبقية بؤرالصراع ككروت مناورة في لعبة القوة و التأثير الدولي. اذا صحت قراءاتي التي تعتمد على معلومات متوفرة عن تأثير فاغنر في الصراع في السودان فيصبح وجود الجنرال دقلو من عدمه ليس الأمر الأكثر أهمية و ربما يتم التخلص منه بواسطة حلفاءه قبل أعدائه، و تصبح فكرة توسيع الصراع امر محتمل و ربما عبر الاستثمار في عوامل الصراع المحلية مثل “عرب وزرقة” في درافور و الي حد ما كردفان، و قريبا قد يأخذ الصراع شكلا مختلفا في النيل الأزرق أما في الخرطوم فمسألة تسلح المدنيين هي مسألة وقت ليس الا بغض النظر عن المحاولات التي يقوم بها الاسلاميين لتسليح المدنيين لأهداف سياسية. المقصود هنا أن أي نزاع مسلح مع تطوره سيولد ديناميكايات داخلية قد تصبح أكثر فاعلية من العوامل الأولية التي أدت الي قيام الصراع (البنيوي منها و السياسي)، و نحن مازال في ايدينا ما يمكن فعله في عوامل الصراع الداخلية حتي لا نلقي بالوم كله علي الخارج.
خلاصة القول، بلا جدال أمريكا مازالت دولة مؤثرة لكن التعويل الكبير من قبل الفاعلين السودانيين على دور خارق لأمريكا في إنهاء الصراع يبدو غير موضوعي في أحسن الأحوال و ساذج في اسوأها خصوصا مع تراجع تأثير امريكا السياسي و الاقتصادي و انقسامها الداخلي بشكل كبير حول الدور الذي يجب أن تقوم به في العالم مع تصاعد نزعات انكفائية تشابه تلك التي سبقت دخول أمريكا الحرب العالمية الثانية. عليه، ربما فكرة وقف الحرب عن طريق مفاوضات ثنائية بين أطراف عما قريب قد تكون ليست صاحبة التأثير الأكبر في الحرب ربما تأتي متأخرة حتى حين تٌثمر، هذا طبعا لا يعني أن لا نحاول كل ما نستطيع من احتواء هذه الحرب وهزيمة تطلعات أطرافها الخارجية و الداخلية.
بكري الجاك
28 مايو 2023
المصدر: صحيفة التغيير