مخاطر وآثار الغش والإهمال في إنجاز المشاريع
عاشت بلادنا، في الأيام القليلة الماضية، هطول أمطار غزيرة، نحمد الله ونشكره على هذه النعمة، لكن، مع كل أسف، كشفت هذه الأمطار عن عورات كثيرة في إنجاز مشاريع العمران وشق الطرق وتعبيدها، وكذلك في صيانة قنوات الصرف الصحي، ما تسبب في كوارث عظمى حلت بالبنايات والطرق والممتلكات، خاصة السيارات، وضحيتين رحمهما الله تعالى.
فمن المتسبب، ومن يتحمّل المسؤولية، هل الرئيس أو الوزير أو الوالي، أو رئيس الدائرة أو رئيس البلدية، أو مكتب الدراسات المكلف بالمشروع أو المهندس المكلف بالمراقبة، أو الهيئة التقنية أو المؤسسة المكلفة بالإنجاز أو مسؤولها، أو المكلفون بالمراقبة في هذه المؤسسة أو رئيس المشروع؟ أسئلة كثيرة تطرح نفسها من خلال ما يحدث في المشاريع، من غش وخداع وإهمال، وما تتسبب فيه من كوارث وضحايا.
الغشّ نقيض النّصح، وهو مأخوذ من الغشش، وهو المَشرَبُ الكدِر، فالشيء المغشوش هو المكدّر الذي لا صفاء فيه ولا نقاء. والغش خلق ذميم، ووصف قبيح، وفعل شنيع، يدل على ضعف الإيمان، وانعدام الخوف والحياء من الله، وطغيان الأنانية وحب الذات والمال، وهو سبب من أسباب الفرقة والتخلف وأكل أموال الناس بالباطل، وضعف الثقة بين أفراد المجتمع؛ إنَّه مرض الغشّ، وما أدراك ما الغش؛ جريمةٌ منكرةٌ، وخلقٌ سافل، وكبيرةٌ من كبائر الذنوب.
إن الإسلام يحرّم الغش والخداع بكل صوره، في بيعٍ وشراءٍ، وفي سائر أنواع المعاملات الإنسانية، والمسلم مطالب بالتزام الصدق في كل شؤونه، والنصيحة في الدين أغلى من كل كسب؛ قال نبينا صلى الله عليه وسلم: “الدين النصيحة”.
والغش آفة اجتماعية خطيرة، يأباه الدين والعقل السليم والطباع السوية والنفوس الشريفة، ولذا، ذمّ الله عز وجل الغش وأهله في القرآن الكريم وتوعدهم بالويل، ويفهم ذلك من قوله تعالى: {ويل للمطففين * الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون * وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون}. وقد حذر نبي الله شعيب عليه السلام قومه من بخس الناس أشياءهم والتطفيف في المكيال والميزان، كما حكى الله عز وجل ذلك عنه في القرآن، قال الله تعالى على لسان شعيب عليه السلام: {يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بيّنة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين}.
وكذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الغش وتوعد فاعله، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً، فقال: “ما هذا يا صاح بالطعام؟”، قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: “أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غش فليس مني”، وفي رواية: “من غشنا فليس منا”، وفي رواية: “ليس منا من غشنا”.
فهذا وعيد شديد يدخل فيه كل من استرعاه الله رعية، سواء كانت صغيرة أم كبيرة، ابتداء من أفراد الأسرة الحاكمة، فيجب على الكل النصح لرعيته وعدم غشه. فالموظف يجب عليه أن ينصح في وظيفته وأن يؤديها على الوجه المطلوب شرعا دون غش ولا خداع، ودون تأخير لأعمال الناس ومصالحهم، وليعلم أنه موقوف بين يدي الله عز وجل، فما ولاه الله عز وجل هذه الوظيفة إلا ليديم النصح للمسلمين.
إن من أعظم الأسباب التي أدّت إلى تأخر المسلمين وتخلفهم غياب صفة الإتقان في أعمالهم، وعدم الأخذ بمهارات الجودة والإتقان في ميادين التعليم والثقافة والعلوم والصناعة والتجارة، وانتشار صفات الفوضى والتسيب وفقدان النظام والإهمال، حتى انعكس ذلك على مجتمعات المسلمين ككل وأثّر في كثير من نواحي حياتهم وأعمالهم. إن الإهمال والتسيب وعدم استشعار مسؤولية إنجاز المهمات على أحسن وجه، وانتشار هذه الصفات والأخلاق الذميمة في أوساط أمتنا، وفقدان النظام وعدم المبالاة بقيمة الوقت واختفاء الإحساس بالمسؤولية، والإهمال والغش والخديعة والرشوة والكذب والإخلاف بالعهود والوعود، كل ذلك أثّر في صورتنا ومجتمعاتنا. إن أجدادنا رغم قلة إمكاناتهم، إلا أنهم كانوا يؤدون أعمالهم بإحسان وإتقان، فلهذا تقدمت الأمم وبنوا لنا حضارة نفتخر ونعتز بها.
فعلينا أن نتواصى بإتقان العمل، ونجعل ذلك حالة عامة يلتزم بها جميع أفراد المجتمع كما يقول تعالى: {وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}، ولنعلم أن الله رقيب على أعمالنا.
إن المسلم اليوم مطالب ببذل الجهد كله في إتقان كل عمل في الحياة يطلب منا ضمن واجباتنا الحياتية، وإذا قمنا بذلك كنا نعمل على ما يحبه الله تعالى ويرضاه، فيبارك في أعمالنا ويصلح من أحوالنا المتدهورة، فهو المطلع على أمور عباده وهو الحي الذي لا ينام وهو القائل عز جلاله: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان}.