هل تقود الرؤى الوردية للترجمة إلى “الهيمنة والعزلة” بإغفال “تاريخ العنف”؟
بعيدا عن التصورات المثالية للترجمة، تنبه ترجمة جديدة صادرة عن دار توبقال للنشر إلى أن العنف “يوجد أولا داخل اللغة التي تفصل قبل أن تجمع. فتعدد المعاني مصدرٌ للصراع قبل أن يكون ثروة. وتقترن الترجمة بهذا العنف من أجل توطين الأموات من جديد، وكل ما هو مسكوت عنه”.
جاء هذا في ترجمة الأكاديمي المغربي عز الدين الخطابي لكتاب “الترجمة والعنف” للأستاذة الجامعية الفرنسية تيفين سامويو، الذي يرى أن الترجمة “بمواجهتها مباشرةً للصراع الملازم لكل لقاء، تأخذ على عاتقها عنف العالم والحياة المشتركة”.
ويذكر ظهر غلاف الكتاب أنه فضلا عن سعيه إلى “تجديد فكر الترجمة” مع إخراجها من “دائرة المديح والإجماع” بالتنبيه إلى كونها “عملية ملتبِسة ومعقدة وأحيانا سلبية”، عبر التذكير بـ”تاريخ العنف الذي لعبت فيه الترجمة دورها”، خلال الهيمنة الاستعمارية ومجتمعات الميز العنصري والأنظمة الشمولية، يتوجه أيضا إلى “جميع المهتمّين بالحوار بين الثقافات والآداب واللغات وبالإمكانية السياسية لخلق عوالم مشتركة”.
ويثير الكتاب الانتباه لواقع شبه متحقق سيسافر فيه الإنسان منفردا “كل واحد داخل لغته”؛ “فلن نحتاج إلى تعلم اللغات الأجنبية لملاقاة الآخرين. وربما سنظل نناقش فوائد الترجمة اليدوية والترجمة المعلوماتية. وإن كانت الثانية ستتجاوز الأولى”.
الترجمة الآلية وتطوّرها الذي “يضاعف عدد الترجمات الحاصلة يوميا بالآلاف”، يسجل “التفاوت القائم على مستوى تمثل اللغات ويُعجّل باختفاء أكثرها هشاشة”، و”يحوّل عمل المترجم ويجعله في خدمة التصحيح والمراجعة وليس الاقتراح أو الاكتشاف، ويجبره في حالة رفضه أن يكون مجرد تابع للآلة، على أن يكوّن نفسه في مجال الذكاء الاصطناعي، مثل تكوّنه في اللغات أو الثقافات التي يتعين ترجمتها”.
هذا الوضع من المرتقب أن “يدعم الوضعية المهيمنة للُغة أو لعدة لغات”، بل قد يعيد تشكيل العلاقات الإنسانية بفعل “سماعة أذن” الترجمة الآلية إلى اللغة الأم؛ مما سيزيح تصوّرَ الترجمةِ “عملية استقبال للغريب بشكل حصري وإيجابي، أو عملية تعلّم من الآخرين عن طريق لغتهم” أو “مجرد فضاء للقاء بين الثقافات ومختلف طرق التفكير”؛ لأنها قد تصير “أداة رئيسية للتوجه صوب عالم معزول، حيث لا يقترب الواحد من الآخر إلا بواسطة سمّاعة الأذن”.
ويصف الكتاب عملية الترجمة بكونها “غامضة ومعقدة وقادرة على الأفضل كما على الأسوأ”، ولها قدرة على “امتلاك واختزال الغيرية، المتجلية في تاريخ اللقاءات الثقافية، التي هي أيضا تواريخ الهيمنة”، ثم ينتقد “التعميم المعاصر للخطاب الإيجابي حول الترجمة، كعامل للتعدد والانفتاح وللعلاقة الإتيقية بالآخر، الذي يجعل منها في الغالب نقيض الحرب أو الصراع”، مما “يحرمها من جزء هام من قوتها في التفكير”.
ويتابع: “إن تلبيس لغة الترجمة بمصطلحات التوافق الديمقراطي لا يخلو من مفارقة ومن صعوبة: فهو يتطلب اختزال وإضعاف، بل وإنكار جميع الصراعات الحاصلة بداخلها. وهذا المنعطف الإتيقي للترجمة، الكاشف عن تحول في الخطاب السياسي العام الرامي إلى تحقيق مجتمع مسالم بدون صراعات، والعيش في عالم بدون أعداء، يفرض نفسه لقاء تقليص الاختلاف بين الواحد (أو الذات) والآخر، ولقاء ثقة خادعة بدون شك، في التبادل وفهم الغير”.
هذه الترجمة الجديدة التي تحلل “قوة ما هو سلبي داخل فكر الترجمة”، لا تكتفي بتحويل الخطاب الإيجابي إلى نقيضه، بل تثير فكرة أن “إقرار بعد للصراع يسمح بإبراز التناقضات داخل الممارسة، وقوى الهيمنة أو هشاشة اللغات والعلاقات الجديدة الناجمة عن تفاعل الإنسان بالآلة الذي يعيد تشكيل الجماعات والروابط القائمة بينها”.
المصدر: هسبريس