تقييم “الكفايات القرائية” يؤكد تدني المستوى العام للتلاميذ المغاربة
على غرار التقييمات الدولية السابقة، احتل التلاميذ المغاربة مرتبة متأخرة جدا في الدراسة الدولية لتقويم تطور الكفايات القرائية “PIRLS 2021” التي تشمل تلاميذ المستوى الرابع ابتدائي.
في هذا الحوار مع هسبريس يبسط الخبير التربوي عبد الناصر ناجي، رئيس “الجمعية المغربية لتحسين جودة التعليم (أماكن)، عضو المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي سابقا، وجهة نظره حول النتائج التي حصل عليها التلاميذ المغاربة، وأسباب فشل مخططات وبرامج إصلاح منظومة التربية في المملكة.
ما تقييمكم للنتائج التي حققها التلاميذ المغاربة في دراسة “PIRLS”؟.
النتائج المحققة تتوافق مع النتائج العامة المعروفة للتلاميذ المغاربة في مختلف التقييمات، وتعكس تدني التحصيل الدراسي، إذ تتراوح نسبة التلاميذ الذين لا يتحكمون في الكفاءات بين 60 و70 في المائة، والدراسة تؤكد هذا المعطى.
ومقارنة مع تقييم 2016 هناك تقدم طفيف، لكن ما ينبغي تسجيله هو أن المغرب تأخر في الترتيب مقارنة مع دول أخرى حسّنت ترتيبها.
ونسجّل أيضا أن تقييم 2021 جاء بعد جائحة كورونا، ونتائجه تؤكد أن هناك تأثيرا سلبيا للجائحة على التعلمات، إذ تراجعت إحدى وعشرون دولة في الترتيب لهذا السبب، وثلاث دول فقط هي التي تقدمت، ويوجد ضمنها المغرب.
المغرب لم يُجر الاختبار في الفترة التي يُجرى فيها، وهي شهري أبريل وماي، بل في بداية السنة الدراسية الموالية (20212022)، أي إن التلاميذ المعنيين بالاختبار انتقلوا إلى مستوى الخامس ابتدائي، وهذا ربما يفسر التقدم الطفيف في النتائج.
الملاحظ أيضا هو تفوق الإناث على الذكور، وهو معطى بنيوي آخذ في التوسع، ويستدعي الانكباب على تحفيز الذكور على الدراسة أكثر.
بخصوص هذه النقطة، بماذا تفسرون تصاعد تفوق الإناث في النتائج؟.
يمكن أن نُرجع الأمر إلى عوامل عدة، أولها أنه خلال العقود الأخيرة كان التوجه العام في السياسة التعليمية، والسياسات العمومية عموما، يصب في اتجاه تحقيق التمييز الإيجابي لفائدة الإناث، وهذا له تأثير على اهتمام الفتيات أكثر من الفتيان بالدراسة.
الجانب النفسي أيضا يلعب دورا أساسيا في هذا الجانب، فالذكور، في الوسط الاجتماعي المغربي، يكونون أكثر حضورا في الفضاء الخارجي (الشارع)، وهذا يُسهم في التشتت الذهني مقارنة مع الفتيات اللواتي يحضرن بشكل أقل في الفضاء الخارجي.
أعتقد أن هذا العامل، أي الابتعاد عن الفضاء الخارجي، يساعد الفتيات على التركيز أكثر في دراستهن، وبالتالي تحقيق نتائج أفضل مقارنة مع الفتيان.
قام المغرب بعدد من الإصلاحات لمنظومة التربية والتكوين، لكن نتائجها تظل دون المستوى المطلوب. كيف يمكن تفسير هذا الأمر؟.
ثمة أسباب عدة، أولها غياب منهجية إصلاح متينة. وهناك تعدّد الإصلاحات وغياب الاستمرارية، أي إننا نبدأ إصلاحا وبعد مدة نُلغيه بإصلاح جديد، وهكذا دواليك، دون أن يكون هناك تقييم للإصلاحات السابقة، لرصد ثغراتها التي أدت إلى فشلها.
اليوم نحن في منعطف تاريخي، منذ صدور الرؤية الإستراتيجية للإصلاح 20152030، ذلك أن القانون الإطار المتعلق بتنفيذها مُلزم للفاعل السياسي، ولا يجب أن يكون هناك أي إصلاح سوى في إطار هذا القانون. لكن الحكومة همشت القانون الإطار وأصبحت مرجعيتها الأساسية هي النموذج التنموي الجديد، ربما لأن الوزير الحالي هو رئيس اللجنة التي صاغت النموذج.
ورغم أنه لا يوجد هناك تناقض بين النموذج التنموي الجديد والرؤية الإستراتيجية للإصلاح 20152030، إلا أن الأخيرة تبقى أشمل وأدق، وعدم جعلها المرجعية الأولى لإصلاح منظومة التربية والتكوين من شأنه أن يؤدي، مرة أخرى، إلى مقاربات خاطئة وتجزيئية، وبالتالي عدم تحقيق الإصلاح الشامل.
ومن بين عوائق إصلاح المنظومة أيضا ضعف وتيرة تطبيق الإصلاح. الميثاق الوطني للتربية والتكوين، على سبيل المثال، لم تتعد نسبة تنفيذ مضامينه 60 في المائة، وفق تقييم قام به المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي سنة 2014.
وربما يمكن تفهم عدم تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين بشكل كامل، لأنه لم يكن مُلزما، ولكن من غير المقبول ألا يتم تنفيذ الرؤية الإستراتيجية 20152030، لأن القانون الإطار المتعلق بتنفيذها، كما أسلفت، مُلزم للجميع.
هناك أيضا مسألة ضعف الحكامة. إذا كنا نريد إصلاح هذا القطاع الحيوي فلا بد من أن تكون المقاربة التشاركية ضمن المكوّنات الأساسية للإصلاح، فيما نلاحظ أنه لا يتم إشراك قطاعات وهيئات وفاعلين هم الجهة المعنية بشكل مباشر بتطبيق الإصلاح، وفي مقدمتهم المدرس، الذي نطلب منه أن يطبق أمورا ربما ليس على دراية بها لأنه لم يُشرك في عملية تحضيرها.
لا بد أيضا من ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتقييم الإصلاحات المنفذة، على أن تترتب عنها مساءلة المسؤولين الذين لم يتحمّلوا مسؤوليتهم على النحو المطلوب، ومكافأة المسؤولين الذين أدوا مهمتهم كما ينبغي.
في ظل الوضع الحالي، ألا يُخشى أن تلقى الرؤية الإستراتيجية 20152030 مصير الميثاق الوطني؟.
تقييم التطبيق كان من جملة التدابير التي جاءت بها الرؤية الإستراتيجية، وذلك بأن يكون هناك تقييم منتظم لتنفيذها. وقد قام المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بتقييم سنة 2018، أي بعد ثلاث سنوات من الشروع في تطبيق الرؤية الإستراتيجية، وأورد أن هناك تأخرا في تنفيذ الإصلاح. والقانون الإطار المتعلق بأجرأة الرؤية الإستراتيجية سجّل تأخرا، إذ لم يصدر إلا سنة 2019.
وفي سنة 2020 قمنا في الجمعية المغربية لتحسين جودة التعليم “أماكن” بتقييم لتنفيذ الرؤية الإستراتيجية 20152030، وتوصلنا إلى نتيجة مفادها أن نسبة تطبيق ما جاء في الرؤية كان في حدود 65 في المائة.
وبعد سنتين جاءت الحكومة الحالية التي لم تلتفت إلى القانون الإطار، الذي من المفروض أن يتحول إلى نصوص تشريعية وتنظيمية، وإلا فلن يطبّق. والملاحظ هو أنه إلى حد الآن لم تصدر الحكومة أي نص تشريعي أو تنظيمي، كما أن لجنة تتبع التنفيذ التي نص عليها القانون الإطار لم تعقد أي اجتماع إلى حد الآن.
لا بد أيضا من الإشارة إلى أن خارطة الطريق لتنفيذ البرنامج الحكومي في مجال التعليم تأخرت في الصدور، بعد أن كانت في نسختها الأولى غير مفصلة وانتظرنا ستة أشهر؛ وهذا عامل يساهم في تأخر الإصلاح.
هناك مبادرات أطلقتها الحكومة يتوقع أن تكون لها ثمار، كالاهتمام بالمدرسين وبوضعيتهم وتكوينهم، والاهتمام بالمؤسسات التعليمية، وبجودة التعلمات من خلال التتبع الفردي والتقييم المنتظم للتلميذ، ولكن إذا سار الإصلاح بالوتيرة الحالية فإن نسبة تنفيذ الرؤية الإستراتيجية في الأجل المحدد لها، أي سنة 2030، لن تتعدى 75 في المائة.
المصدر: هسبريس