سيارتْنا يا الوطنية…
في الزمن الجميل وكنت صغيرا بجانب أمي في عرس ستيني، سمعت النساء يغنين: “عروستنا يا الوطنية، سيد الرجال ديتيه انتِيا”، فسألت أمي عند عودتنا إلى البيت: “ما معنى عروستنا الوطنية؟” فقالت رحمها الله: “زعماك العروسة المغربية ما كاينش بحالها فالدنيا”، والظاهر أن أمي لم تبتعد عن المعنى الحقيقي، لأنها كانت تتكلم عن أهمية الأصالة، أي حين يكون هناك شيء يميزك عن العالمين.
استحضرت هذه الواقعة بمناسبة بدء تصنيع السيارة المغربية، التي يجب ألّا تُسرق أو تُستنسخ من أشكال سابقة كما تفعل الصين، وألّا تكون مجرد تركيب لسيارة أجنبية، كما كانت صوماكا تفعل مع السيارات الفرنسية والإيطالية، رونو وفياط، أو حتى لو صُنّعت في المغرب بملكية أجنبية مثل ما يقع اليوم في مصانع طنجة والقنيطرة. السيارة الوطنية هي التي تُصنع كاملة بأيادٍ مغربية وبرأسمال مغربي، مع إمكانية انتظار اكتمال الخبرة فيما يخص الصناعة المغربية للمحرك.
والفضل يعود إلى اتساع الصناعات المغربية المرافقة للصناعة الأجنبية في بلادنا، لأن أغلب المكونات تصنع محليا باستثناء بعض الأجزاء التي يصنعها الأجنبي عندنا أو تستورد من الخارج. وحتى معامل رونو وبوجو ستروين في المغرب تركّب أجزاء مغربية خالصة في سياراتها التي تصدرها إلى الخارج (المقاعد والزجاج والكابلات وغيرها)، بمعنى أن المغرب لم يرتجل صناعة السيارات وإنما انتظر إلى مستوى اكتمال البنيات التحتية والخبرات وغير ذلك.
أما سيارتنا الوطنية، وأنا هنا أركز على سيارتنا التي ستسوّق في يوليوز القادم (نيو موتورز)، فهي تحتاج إلى شيء مهم اسمه “القدرة على المنافسة” في ثمنها وقطع غيارها ومقاومتها لظروف الاستعمال إلى غير ذلك، هذا في بلادنا. أما المنافسة مع الخارج، فحكاية أخرى. ونحن نعلم أن عندنا سيارات فرنسية لا مجال للمنافسة معها، خاصة داسيا (نظريا رومانية ولكن عمليا فرنسية) بجميع أنواعها، إذ يبدأ ثمنها بما لا يتجاوز 90 ألف درهم (داسيا لوغان بنزين)، والسيارة المغربية هي من نوع “كاط كاط” بدفع أمامي، وثمنها بين 165 ألف درهم و190 ألف درهم، وهي في نفس مستوى داسيا دستر بنزين دفع أمامي.
الروح الوطنية تتطلب منا أن نشجع المنتوج المغربي إذا لم يخيّب الأمل، وإذا اشترينا السبعة والعشرين ألف سيارة مغربية التي ستنتج في السنة سنكون دفعنا بها إلى الأمام، في انتظار الأحسن. علما أن معركة الصناعة الوطنية ليست بالسهولة التي يتصورها البعض. لأن المراجعة التاريخية لصناعة السيارات تكشف عن حقائق محبطة، يمكن إيجازها في التساؤلات التالية:
لماذا فشل الاتحاد السوفياتي، وبعده روسيا، والهند والبرازيل وماليزيا، وغيرها، في إنتاج سيارة وطنية؟ لماذا نجحت بعض الدول في إنتاج السيارة لكنها لم تستطع جعلها مستقلة عن ماركة دولية مشهورة مثل رومانيا مع داسيا أو إسبانيا مع سيات أو التشيك مع سكودا؟ هذه سيارات بقيت تحت حضانة رونو وفولسفاغن. حاولت بعض الدول استنبات سيارة وطنية بمساعدة فياط الإيطالية دون نجاح يذكر (لادا الاتحاد السوفياتي). وحتى إذا أردنا إحصاء السيارات الوطنية الناجحة سنجدها محصورة في جغرافيا صناعية محدودة، أمريكا، ألمانيا، بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، اليابان، كوريا الجنوبية، وبدرجة أقل السويد. حتى هولندا فشلت في الحفاظ على سيارتها “داف”.
الصين تأخرت كثيرا في صناعة سيارتها، وكانت قد ابتدأت بسرقة أشكال وتقنيات الماركات العالمية قبل أن تنجح في إخراج سياراتها المحلية، وهي سيارات لم تعرف بعد الانتشار والصدى العالمي بسبب ضعف ثقة الزبائن عبر العالم في الإنتاج الصيني ولأن المعايير الدولية تبقى بعيدة عن التحقق.
وتحتاج الصين إلى بعض الوقت لجعل سياراتها يتهافت عليها الناس في العالم، خاصة سياراتها الكهربائية المذهلة. وهو أمر عرفه الإنتاج الصناعي الياباني في الخمسينات قبل أن يتجاوز اليابانيون هذا العطب في أواخر الستينات. وتشترك الهند مع الصين في هذا المعطى لأن “طاطا” لم تنجح فيما فشلت فيه الصين.
كل هذا يعني أن السيارة الوطنية تنتظرها امتحانات صعبة نتمنى أن تتجاوزها الكفاءات المغربية، أما الإرادة فقد عبر عنها الملك محمد السادس بشكل صريح. والله ولي التوفيق.
المصدر: هسبريس