اخبار المغرب

بوصوف يدعو إلى استلهام التجربة المغربية

احتضن مركز الندوات والتكوينات التابع لجامعة الأخوين بإفران، على مدى ثلاثة أيام، أشغال الندوة الدولية الثالثة لربيع العلوم الاجتماعية حول موضوع: “الهجرة وحوار الأديان والثقافات.. ممكنات وتحديات”، والمنظمة من طرف مجلس الجالية المغربية بالخارج، وجامعة الأخوين إفران، وكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط، ومركز ابن خلدون لدراسات الهجرة والمواطنة.

وعرف الموعد العلمي مشاركة 150 باحثة وباحثا في العلوم الاجتماعية والفكر الإسلامي والآداب واللغات، من مختلف الجامعات المغربية، وتميز بمشاركة وازنة لمفكرين وباحثين من عدد من الدول الصديقة والشقيقة، من ضيوف المملكة، حضوريا وعن بعد، من تونس وموريتانيا ومصر والسعودية واليمن وسلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة وقطر وماليزيا وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا وألمانيا وسويسرا وإنجلترا والسويد.

وتميز اليوم الأخير من فعاليات هذه الندوة الدولية بمحاضرة علمية ألقاها الأستاذ الدكتور عبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، دعا فيها إلى وجوب تحرير مجموعة من المفاهيم التي تتردد في سياق الحديث عن الهجرة وحوار الأديان والثقافات؛ وذلك من قبيل التسامح الديني، أو حتى الحوار الديني، خصوصا عندما نعود إلى التاريخ ونكتشف أن المجتمع المغربي، كان سباقا إلى نحت مفهوم آخر وهو “الجوار الديني” و”ذكاء العيش المشترك”.

وأضاف بوصوف، في محاضرته التي تابعها جمهور غفير من المثقفين حضوريا وعن بعد عبر قناة “أواصر تيفي” وموقع جامعة الأخوين إفران، أن “الهجرة ليست مشكلا أو تهديدا كما يردد اليمين المتطرف في دول الاستقبال، وإنما هي فرصة للحوار والتعايش والإبداع”، مؤكدا أن الحاجة باتت ماسة في دول الانطلاق أو الاستقبال إلى برامج وسياسات ثقافية تهيئ الأفراد والمجتمعات للقبول بالتعددية الدينية والتنوع الثقافي.

وأشار الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج إلى أن أوروبا كانت تريد سواعد اليد العاملة فقط ودول الانطلاق كانت تريد المداخيل المتحصلة من الهجرة؛ فيما المهاجر كذات، كفكر، كثقافة، كأنماط تدين، لم يكن ضمن خارطة الانشغالات المركزية، مبرزا أن الهجرة ليست طاقة عضلية أو موارد مالية وحسب، وإنما هي ثقافة وهوية وانتماء وحاجيات ورهانات رمزية وثقافية بالدرجة الأولى، وهذا ما ينبغي الانكباب عليه.

واستحضر الدكتور بوصوف، خلال محاضرته، شواهد مضيئة من تاريخ المغرب عن العيش المشترك والجوار الديني، داعيا الجميع، خصوصا في دول الاستقبال، إلى استلهام التجربة المغربية التي راكمت ما يكفي من الخبرة والعمق المعرفي في تدبير الاختلاف الديني؛ وهو ما ينعكس بوضوح تام في الهوية المغربية المبنية على احتضان كل المكونات الأمازيغية والعربية الإسلامية والحسانية والموريسكية والإفريقية والعبرية وباقي التعبيرات الهوياتية والعرقية الأخرى في محضن ثقافي واحد وآصرة ملتحمة واحدة هي “تمغربيت”.

وعرف اليوم الأخير من فعاليات هذه الندوة الدولية، التي صدرت أعمالها في خمسة كتب، تكريم عالم الأنثروبولوجيا المغربي الأستاذ الدكتور حسن رشيق، الذي قدم الكثير من الأعمال السوسيوأنثروبولوجية، كما ساهم في تكوين عشرات الباحثين بالجامعات المغربية؛ وذلك اعترافا بمساهماته الوازنة في إغناء العلوم الاجتماعية بمجموعة من الأعمال المشهود لها بالفرادة والتميز والعمق المعرفي، حيث ساهم الدكتور بوصوف بشهادة في حق مكرم الندوة المحتفى به، مذكرا فيها بخصال المكرم وأخلاقه العالية وتفوقه العلمي.

وشكل الموعد مناسبة سانحة لتتويج الفائزين بالجائزة الدولية لأفضل أطروحة دكتوراه في العلوم الاجتماعية حول قضايا الهجرة، والذين تسلموا على التوالي من الدكتور عبد الله بوصوف والدكتور عبد الكريم مرزوق والدكتور حسن عبيابة والدكتورة عائشة التايب والدكتور أحمد البوكيلي شهادات تقديرية ودرع الجائزة، فضلا عن أطروحاتهم المنشورة؛ ويتعلق الأمر بكل من الدكتور محمد حيتومي والدكتورة ميليسا فافر حموتي والدكتور نور الدين بندريوش والدكتور محمد مرفوق والدكتور بنيونس بنعائشة.

يشار إلى أن المشاركين في هذه الندوة أطلقوا، في ختام أعمالها، “نداء إفران للهجرة وحوار الأديان والثقافات”، توكيدا على حاجة الإنسانية جمعاء إلى إيلاء أهمية بالغة لقضايا الهجرة والحوار والتسامح والتواصل الحضاري، داعين بالأساس إلى ضرورة إحداث مرصد علمي دولي للتسامح الديني والعيش المشترك يكون بمثابة آلية مبتكرة وفعالة لتقوية فرص الحوار البناء. كما دعوا إلى العمل على تجميع جهود الباحثين والمنشغلين بقضايا الهجرة وحوار الأديان والثقافات، وتجميع المعطيات وتشبيك الجهود والأبحاث والدراسات العلمية، فضلا عن تحديد الاستراتيجيات الكفيلة بتعبئة كل الطاقات والمبادرات الخلاقة، من أجل تقريب وجهات النظر والتصورات بشأن قيم الجوار الديني والعيش المشترك.

كما شدد نداء إفران للهجرة وحوار الثقافات والأديان على ضرورة تحمل الحكومات في مختلف دول العالم لمسؤولياتها في شأن إرساء قيم الحوار والعيش المشترك بين مختلف الشعوب، تخطيطا وتدبيرا واستشرافا، وتحديدا في مستوى أجرأة السياسات العمومية الخاصة بالهجرة وحوار الأديان والثقافات، مع ضرورة إدراج قيم العيش المشترك والاعتراف بحقوق المهاجرين في المضامين التعليمية، والانتصار بالتالي لكل القيم الإنسانية الداعية إلى التكامل والفهم العميق للمشترك الحضاري الإنساني.

ونوه المشاركون في هذه الندوة بما يقوم به مجلس الجالية المغربية بالخارج وجامعة الأخوين إفران وكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط ومركز ابن خلدون لدراسات الهجرة والمواطنة،من جهود علمية قيمة، وبما راكمه ربيع العلوم الاجتماعية، وفي زمن قياسي، من أعمال مشهود لها بالتميز والعمق المعرفي.

وفي هذا السياق أوصوا بضرورة تحصين هذا المكسب المعرفي، ومواصلة التناظر الفكري والبحث العلمي في مجالات الهجرة وحوار الأديان والثقافات، مع تعزيز الشراكات المثمرة بين مختلف الهيئات والمؤسسات الوطنية والدولية، لأجل تبادل التجارب والخبرات وبناء السياسات والمشاريع الكفيلة بتشجيع البحث العلمي في العلوم الاجتماعية حول الهجرة وحوار الأديان والثقافات.

واعترافا منهم بالحاجة الملحة إلى الحوار بين مختلف الأديان والثقافات، وجه المشاركون نداء حارا، باسم الإنسانية، لتعزيز التفاهم المتبادل والانسجام والتعاون في عالم تحدد الهجرة حاله ومآله، معتبرين نداء إفران للهجرة وحوار الأديان والثقافات نداء من أجل عولمة السلم والحوار والجوار الديني والعيش المشترك، ونداء من أجل خارطة طريق عالمية للسلام والتسامح والاعتراف بالهجرة كفرصة بناء وحوار.

يذكر أن كتب الندوة الدولية الثالثة لربيع العلوم الاجتماعية جاءت وفق العناوين التالية: “الهجرة وحوار الأديان والثقافات.. مفاهيم ومنظورات”، و”الهجرة وتدبير المعتقد الديني.. ممكنات وتحديات”، و”الهجرة والدين أفقا للبحث والتأويل.. قراءات ومقاربات سوسيوتاريخية”، و”الهجرة وتحديات التعددية الدينية.. قضايا وظواهر”، و”الهجرة وحوار الأديان والثقافات.. ممكنات وتحديات” في نسخة بالفرنسية والإنجليزية؛ وهي الأعمال ذاتها التي قدم لها الدكتور عبد الله بوصوف، ونسقها الدكتور عبد الرحيم العطري والدكتور جمال الدين الهاني والدكتور عبد الكريم مرزوق.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *