مسار العلاقة بين القوات النظامية والمليشيات وتأثيرات النفوذ السياسي «2 3»
مسار العلاقة بين القوات النظامية والمليشيات وتأثيرات النفوذ السياسي «2 3»
محمد بدوي
تناول الجزء الأول مسار العلاقة بين القوات النظامية والمليشيات المختلفة خلال الـ39 عاما، هذا الجزء يتعرض لتأثيرات فلسفة سلطة الاسلاميين السودانيين على القوات النظامية والمليشيات في جوانب، العقيدة القتالية، الاستثمارات، عمليات الانتداب، صراعات مراكز القيادة داخل الحركة الاسلامية السودانية،
اولا: القوات المسلحة “الجيش”:
المكون الطبيعي للقوات المسلحة يرتبط بقوامه الأساسي المتشكل في الوحدات المختلفة من الضباط والجنود الذي يقدر بحوالي 100 150 الفاً، بالإضافة الى قوام كبير من قوات الاحتياط “الخدمة الوطنية” وعقيدته القتالية.
التغيرات التي طرأت نتيجة لتأثير السياسي كما اشرت في الجزء الأول إلحاق المليشيات به بأشكال ارتباط مختلفة في الإشراف بدأت في 1984 والتي اتخذت شكلا غير مباشر بمعنى الاشراف على التسليح دون التدريب ودفع الرواتب، في 1989 تحول الى الاشراف على التدريب والقيادة في القتال مع بقاء الاشراف الاداري منفصلا في شكل يمكن تسميته بالعلاقة بشبه المنظمات العسكرية، وهذا شمل الدفاع الشعبي على سبيل المثال، بدأ من العام 1989 تم الفصل السياسي من الخدمة لحوالي 30 ألف من الضباط وضباط الصف في 2003 تم الاشراف على التدريب والتسليح ووضعها تحت تأسيس عسكري تحت مظلة وحدة الحدود، مع الاشراف الاداري والمالي عبر انتداب ضباط لأداء تلك المهام، في حالة الهجوم على المدنيين يكون دورهم تالي عقب شن الطيران العسكري للقصف وهنا نموذج حرس الحدود، في 2011 عقب إعلان انفصال جنوب السودان غادرت صفوف القوات المسلحة بين 16 17 الف من الضباط وضباط الصف إلى جانب 4 الاف من قوات الشرطة، في 2013 تبدل الامر بالتدريب المحترف للمليشيات، انتداب ضباط للإشراف على وحداتها قبل ان يتحول الامر الى علاقة شبه متوازية في 2015 بالقيادة المشتركة مثل حالة الحرب في اليمن، في 2017 تحولت العلاقة من قوات/ مليشيات رديفة الى قوات موازية وهذا في حالة قوات الدعم السريع الذي اجيز قانونه في يناير من نفس العام، تعززت الاستقلالية باستقطاب الضباط الذين تم انهاء خدمتهم من الجيش وجهاز الأمن ووحدة هيئة العمليات.
ضباط الجيش الذين تم انتدابهم او استيعابهم بعد الاستغناء عنهم للعمل في الدعم السريع يمثلون عضم الظهر للدعم السريع ومظهره الراهن منذ 15 ابريل 2023، فقد نشرت وسائل التواصل الاجتماعي اسم العميد ركن محمد أحمد إنجليز كأحد قادة العمليات بالدعم السريع، بالنظر الى كفاءته العسكرية فقد قاد الجيش في غرب دارفور والنيل الازرق على التوالي، في 2014 تم انتداب العقيد آنذاك عصام صالح فضيل لقيادة العمليات بالدعم السريع، لاحقا اصبح قائد للقوات وشهدت فترة توليه تنظيم للقوات لتصبح قطاعات تحت اشراف ضباط برتبة العميد، النموذج الثالث ان العميد عمر حمدان قائد وفد التفاوض للدعم السريع لمباحثات جدة الان انتدب من الجيش للدعم السريع حيث قاد قطاع جنوب دارفور قبل نقله للخرطوم، اذن الجيش يقود حربا مع طرف نقل اليه كفاءات، مهارات قيادية وفنية، اذن السؤال لماذا فعل ذلك وفشل في الاستفادة من كفاءاته! الاجابة تقود الى التحولات التي تمت في العقيدة القتالية، كما اشرت في الجزء الاول بان عراب الاسلاميين الراحل حسن الترابي ذكر في ندوة بدولة قطر في 1995 بأنه تم تحويل العقيدة القتالية للجيش الى إسلامية، هذا الحديث غير دقيق لعدة أسباب، فالحالة التي تمت هي على مستوى قوام الضباط الذين يشكلون نسبة الاقلية من قوام الجيش حيث يمثل القوام الاساسي لضباط الصف أو الجنود المقاتلين، والطريقة التي تمت بها الادلجة تمت بفصل الضباط غير الاسلاميين، وتقييد الانتساب للكلية الحربية بعضوية التنظيم، أضف الى ذلك أن هنالك خلطاً في النظر للصورة الكلية بين الدفاع الشعبي المؤدلج ضمن قوام الجيش.
عقب اتفاق السلام الشامل 2005 دفع بعقيدة تمييزية وهي العقاب الجماعي ارتبطت بمحمول سياسي في دارفور اعتمدت على التحفيز بالسلب والنهب والسيطرة على الاراضي الغنية للسكان الاصليين، في حرب مثل الجيش فيها وحدة الاستخبارات بأقسامها المختلفة، سلاح الجو وقوات منتدبة من هيئة العمليات في اغلب الاحوال ظلت تعمل على سبيل التنسيق بينما ظل غالب مهامها داخل المدن.
ظلت وحدة الاستخبارات العسكرية السودانية عالية القدم بل مثلت الجانب المعزز للقرار السياسي الوطني على المستوي الاقليمي وشهدت بذلك التحولات التي تمت في دول الجوار، ويمكن تعقب السجل بالتحولات التي تمت في عدة دول ابتداء من 1984 حتى منتصف التسعينات 1994 1995 في كل من تشاد، اريتريا، الكنغو، غيرها، لكن التأثيرات الفنية والسياسية التي تمثلت في تقليص تفويضها المهني لصالح جهاز الامن الوطني والمخابرات من ناحية والولاء الذي ارتبط بمراكز القيادة داخل الحركة الاسلامية خصم من احترافيه وجعله أكثر ارتباطا بالتنظيم مثله ومثل وحدات اخرى كالشرطة الامنية سأتعرض اليه لاحقا، في 2011 حين بدأت الحرب الثانية بين الخرطوم والحركة الشعبية لتحرير الشمال صار من العسير تكييف العقيدة القتالية للجيش، فوحدة التوجيه المعنوي التي في غمرة الادلجة فرض عليها محمول ديني إسلامي في الحماسة دون عناء التفكير بأنه لا يتسق وطبيعة القوات من كافة النواحي بما يشكل العقيدة المتنوعة، وكان قد نقلت مهمة التوجيه المعنوي الى أجسام مرتبطة بالمؤسسات الحزبية مثل برنامج ساحات الفداء، حديث الصباح وغيره، تكامل هذا مع التغيرات في العقيدة القتالية وصعودها وهبوطها الى توسيع الهوة في الالتزام باتفاقات جنيف المختلفة بما تشمل معاملة اسرى الحرب وهو مقياس تحرص عليه الجيوش المحترفة.
شكل الصرف الامني النسبة الأعلى من الميزانية العامة حتى بلغ 72%، هذا قاد مع عوامل اخرى الى ارتباط الجيش بالعمل التجاري تحت واجهه اطلق عليها الاستثمار هذا قاد الى انشاء عدة شركات تحت مظلته، امتد الى الانشطة المرتبطة بالتعدين عن الذهب.
ثانيا: قوات الشرطة
بالرغم من انطباق الحال على ما تم في الجيش بين فئة الضباط والجنود، مع اختلاف في ما لحق بالقوام الاساسي لبعض الوحدات من نفاذ كامل لفلسفة الادلجة الى صفوفها، فقوات الاحتياط المركزي التي تم تحويلها الى وحدة مقاتلة من حيث الطبيعة كنتاج لإدماج بعض المليشيات داخلها في 2003 2006، مع نشاط وحدات داخلها في عمليات مناهضة حرية التظاهر والتعبير السلمي في الفضاء العام، اضافة الى النظام العام “نموذج شرطة الآداب الايرانية” الذي عمل على تنفيذ القهر وجعل الفضاء العام مسوراً بانساق سلوك تحت شروط الفلسفة الدينية للسلطة السياسية هذا غيب العلاقة بين تفويضها في الامن الداخلي الى تنفيذ سياسات السلطة السياسية، ذات الظروف التي هيأت للجيش انشاء الشركات تهيأت للشرطة وبالطبع تتساوى محصلة التأثير.
ثالثا: جهاز الامن
تشكل جهاز الامن، من الامن الحزبي الخاص بالحركة الاسلامية ويظهر تأثيره في الاقسام المرتبطة بالسياسي والطلابي وغيره بالإضافة الى الاقسام الاخرى التي تم توظيف محترفين فيها بغض النظر عن علاقتهم التنظيمية سواء من الاجانب او السودانيين، على مجمل مهمة الجهاز ظل على نسق يعزز من السيطرة على السلطة، تحت اشراف قادة مدنيين من الحركة الاسلامية طوال فترة سيطرة الاسلاميبن على السلطة، فتأثر الولاء بنسق الصراعات بين القيادات فجاء تشكيل وحدة هيئة العمليات كقوة ضاربة موازية للجيش والاحتياط المركزي، الصراع على السلطة الذي بلغ قمته في (2013 2014) عقب اعتقال مديره السابق الفريق صلاح قوش ثم تمكن الفريق طه الحسين من دعم البشير بالتخلص من قادة الحركة الاسلامية من رجال الصف الاول من مناصبهم التنفيذية وكان حينها قد تمدد الجهاز في الانشطة الاستثمارية عبر الشركات الملحقة، تم انتداب عشرات الضابط من القوات المسلحة للعمل بالجهاز، لكن في 2017 خرج طه الحسين الي المملكة السعودية ليوسع من تأثير الصراع داخله فعاد صلاح قوش في فترته الثانية 2018 الى الجهاز الذي تحول الى مراكز سيطرة وصراع برزت في تصريحات الامين العام السابق للحركة الاسلامية السودانية والنائب الاسبق للرئيس المخلوع عمر البشير الاستاذ علي عثمان محمد طه والفاتح عز الدين في الرهان على المليشيات الحزبية الامنية من ايقاف مد الثورة.
رابعا: قوات الدعم السريع
في 2014 تم تغيير اسم المجموعة التي يقودها العميد محمد حمدان دقلو الى الدعم السريع من حرس الحدود، وهي ضمت مجموعة المقاتلين الذين تم استقطابهم من دارفور للحرب، هذا مع وجود مجموعات استقدمت تحت اشراف السلطات الحكومية من خارج الحدود مثل تشاد في مناطق غرب دارفور، وسط دارفور وجنوب دارفور منطقة كاس حيث يظهر تواجدهم في بعض المناطق التي نزح سكانها لمعسكرات النزوح واللجوء معاً.
في 2014 بدا التجنيد في مناطق جنوب كردفان للدعم السريع حيث تم الاعتماد على بعض قوام الدفاع الشعبي.
في 2015 ازداد عدد المستقدمين من خارج الحدود من المجموعات الاثنية المشتركة عقب بداية القتال في اليمن تحت القيادة المشتركة للجيش والدعم السريع واستمر الامر بشكل منظم حتى الفترة الانتقالية.
في 2014 جاء بداية انتداب ضباط من الجيش للعمل بالدعم السريع عقب التدريب الذي تلقوه في 2013 ومنهم اللواء الحالي عصام صالح فضيل واللواء الذي اعتقل على خلفية فض الاعتصام من قبل الدعم السريع والعميد عمر حمدان الممثل الحالي للدعم السريع في المباحثات واخرين، لم اجد ما يفيد بشكل رسمي ومتاح لمغادرتهم لاحقا لصفوف القوات المسلحة تحت أي ظرف.
اعتمد الدعم السريع على قيادة مكونة من الاشقاء محمد وعبد الرحيم والقوني الى جانب ما لا يقل من 25 من الاقارب من الدرجة الاولى، واستطاع الاستفادة من المنتدبين من الضباط، على نسق حمل صفات الكل فقد امتلك ايضا الشركات وانشطة التعدين الواسعة والتعامل فيها باستقلالية قادته الي علاقات دولية واقليمية دون المرور بوزارة الخارجية كنتاج مباشر لتعدد مراكز النفوذ والقرار داخل المؤتمر الوطني المحلول.
في 2019 برزت بنية التسليح المتطورة للدعم السريع والتي كان هنالك ما يرجح انها تنظر للاستفادة من مقرات بعثة اليوناميد في حال اكتمال انسحابها المعلن لتصبح مقار عسكرية اقليمية، ولعل هذا قد يقود الى كشف دوافع العبث بها وتدميرها بعد نهب ممتلكاتها.
في 2014 وعلى خلفية مؤتمر ام جرس تحت رعاية الرئيس التشادي السابق ادريس ديبي وبتنسيق مع الخرطوم، وصراعات حركة العدل والمساواة مع الموقعين على وثيقة الدوحة 2011 انضمت مجموعات من قادة الحركات بما تشكل حركة تحرير السودان قيادة مني مناوي الى الدعم السريع.
الخلاصة
العلاقة بين الجيش والشرطة والشارع السوداني خلال فترة سيطرة الاسلاميين ظلت تمثله العلاقة بين نادي الضباط والشرطة وحفلات عقد الجلاد والموسيقار محمد الامين والراحل محمود عبد العزيز واخرين، بالإضافة الى المناسبات الاجتماعية التي ظلت تشهدها عدا ذلك فقد ظلت العلاقة بين قوام الضباط والسلطة السياسية فيما ظل على الدوام قوام الجنود أبعد من محور التركيز.
السودان: مسار العلاقة بين القوات النظامية والمليشيات وتأثيرات النفوذ السياسي «1»
المصدر: صحيفة التغيير