الدبلوماسية المغربية والتسوية السياسية الليبية .. مصداقية المملكة ترفض الانحياز
خرج الليبيون إلى الشوارع في 17 فبراير 2011 تعبيرا عن سخطهم ومطالبتهم بإسقاط نظام معمر القذافي، فكان لهم ذلك؛ سقط العقيد قتيلا برصاص الثوار المحميين بطائرات “الناتو”، فصدحت الحناجر إيذانا بالنصر وبزوغ فجر ليبيا، غير أن القذافي لم يسقط وحده، بل سقطت معه الدولة الليبية بكاملها في أزمة لم تخرج منها إلى حدود الآن.
أزمة عنوانها الحالي الانقسام بين حكومتين؛ واحدة في مدينة طبرق بالشرق الليبي برئاسة فتحي باشاغا، وأخرى في الغرب، معترف بها من طرف هيئة الأمم المتحدة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة.
تحركات بالجملة
في مساعيها لحلحلة الأزمة، سعت مجموعة من الدول، وعلى رأسها المغرب المشرف على “اتفاق الصخيرات”، لإيجاد قنوات للحوار بين الأطراف الليبية من أجل إجراء انتخابات تضمن “وحدة ليبيا وسيادتها الوطنية وتحصنها من التدخلات الخارجية”، وفق تصريح سابق لوزير الخارجية ناصر بوريطة.
المطلب ذاته كرره الطيب البكوش، الأمين العام لاتحاد المغرب العربي، في تصريح تلفزيوني الثلاثاء الماضي، دعا من خلاله إلى الاحتكام إلى صناديق الاقتراع “احتراما لإرادة ومطالب الليبيين في تحقيق استقرار بلادهم”، موردا أن الحل يمكن أن يكون “مغاربيا وتحت مظلة الأمم المتحدة”.
ويبدو أن الجزائر تلقفت الرسالة، سريعا وفي محاولة منها للتموقع دبلوماسيا على الساحة الليبية، استقبل رئيسها وزيرة الخارجية الليبية، نجلاء المنقوش، في قصر المرادية، ليؤكد هو الآخر “دعم بلاده لوحدة ليبيا ومساندة كل المساعي لإجراء الانتخابات بما يسمح بإعادة توحيد المؤسسات الليبية”.
على جبهة أخرى، حطت طائرات محملة بوفود عسكرية لدول غربية، على رأسها فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، بليبيا لإجراء محادثات مع مختلف الفرقاء الليبيين حول سبل “توحيد المؤسسة العسكرية المنقسمة ما بين شرق البلاد وغربها”.
وفي الاتجاه المعاكس، حطت طائرة المشير خليفة حفتر بالعاصمة الإيطالية روما، حيث التقى برئيسة وزرائها، جورجيا ميلوني، وتباحثا في شأن عدد من القضايا، أبرزها العملية السياسية وملف الهجرة.
مصداقية المغرب
مع تزاحم المواقف الدولية على الساحة الليبية، يرى عدد من المحللين أن المملكة المغربية تبقى الدولة “المؤهلة وذات المصداقية” للعب دور كبير في تقريب وجهاء النظر بين مختلف الأطراف الليبية، بالنظر إلى رصيدها الدبلوماسي الإيجابي في هذا الإطار.
إدريس أحمد، باحث ليبي في الشأن المغاربي، قال إن “الدبلوماسية المغربية ساهمت بشكل فعال في وضع وتهيئة الأجواء لكل الليبيين من أجل إيجاد حل للقضية الليبية عبر الوساطة المغربية التي أنتجت اتفاق الصخيرات المنشئ لحكومة الوفاق في العام 2015، إضافة إلى اللقاءات التي جمعت مختلف الأطراف الليبية في كل من الرباط وبوزنيقة”.
وأضاف الخبير الليبي ذاته، في تصريح لهسبريس، أن “المملكة المغربية تحظى بثقة مختلف الفرقاء الليبيين، ولذلك كانت دائما وجهتهم لحل مشاكلهم”، مضيفا أن “الرباط قامت وتقوم بالدور المنوط بها في إطار العلاقات التاريخية والجغرافية التي تربطها بليبيا، وتركت الكرة في ملعب الليبيين لإيجاد تسوية بعيدا عن التدخلات الخارجية في ملفهم”.
وتعليقا على تصريح الطيب بكوش حول الحل المغاربي، قال المتحدث إن “حل الأزمة الليبية كان بإمكانه أن يكون بالفعل مغاربيا محضا، في إطار اتحاد المغرب الكبير الذي كان ليلعب أدوارا مهمة في الملف الليبي لولا التوتر بين الجزائر والمملكة المغربية”، مردفا بأن “الأزمة بين الرباط والجزائر عطلت وانعكست سلبا على الأداء الإقليمي والدولي للمنظمة المغاربية، ما شجع على التدخلات الخارجية في الشأن الليبي التي عمقت أزمة ليبيا والليبيين”.
غياب الانحياز
يرى خالد شيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، أن “الدور المغربي في ليبيا كان وما زال سلميا، ولم يكن يوما دورا تدخليا ولا توجيهيا، كما هو الشأن بالنسبة لبعض الدول التي تدعم أحد أطراف الصراع على حساب الآخر”، مؤكدا أن “الصراعات الجيوسياسية الكبرى على الأرض الليبية أفرزت مخرجات معاكسة للمسارات التي وُجدت ونشأت في المغرب”.
وأفاد الأستاذ الجامعي عينه، في تصريح لهسبريس، بأن “المغرب مطالب بتكثيف حجم التعاون مع الدول التي تستند إلى نظريته وتشاركه رؤيته للحل في ليبيا ضمن نسق تشاوري تحت رعاية الأمم المتحدة”.
وتعليقا على الدور الجزائري في ليبيا، أكد شيات أن “هذا الدور لم يكن يوما دورا إيجابيا، بل العكس، إذ سعت الجزائر إلى فرض حلول معينة على بعض الأطراف الليبية، بل كانت داعما للمجهود الحربي لمجموعة من الجهات داخل الساحة الليبية”.
المصدر: هسبريس