رئيس الفاف “يُلغي جزائرية” اللاّعبين
أصبح تحوّل تسيير شؤون كرة القدم الجزائرية من النقيض إلى النقيض لا يثير القلق فحسب، بل المخاوف أيضا، وقد وجدت الجزائر نفسها، من خلال إتحادية كرة القدم فيها، “تُلغي جزائرية” لاعبيها المنتشرين عبر مختلف الدوريات الأجنبية، بل وتجرّدهم من هويتهم ووطنيتهم، بعدما كانت، في العهد السابق، تفتح أحضانها لأبنائها من اللاّعبين دون تمييز.
ما قاله الرئيس الحالي لـ”الفاف”، جهيد زفيزف، وهو يجتهد بالكلمة والحركة، لإيصال أفكاره ونظرته وطرحه لما أسماه بـ”برنامج” عقب التأهل الشاق لأشبال “الخضر” إلى ربع نهائي “كان” تحت 17 عاما، أمر خطير للغاية، فمن خانه “التعبير” لوصف اللاعبين الجزائريين، لا يمكن له، بأي حال من الأحوال، أن يحمل على عاتقه أن برنامج أو مشروع للكرة الجزائرية، ولا حتى إعادة هيبة الجزائر على مستوى دوائر صناعة القرار في الهيئات القارية والدولية.
ولأن منصب رئيس “الفاف” جعل الرأي العام والإعلام “يكتشف” صوت جهيد “زفزاف”، بل ولقبه الحقيقي وهو “زفيزف”، فإن الصدمة للوصول إلى حقيقة أن “جهيد” لم يكن هو نفسه “جهيد”، لا في لقب ولا في “صورة” ولا حتى في حقيقة الرجل، الذي ظلت شخصيته “غامضة” لسنوات، تم تسويقها للإعلام وللرأي العام، من خلال قوة الإتحادية “العالمية” في عهد رئيسها محمد روراوة، على أنها شخصية بمواصفات إيجابية منقطعة النظير، حتى قيل في بعض المناسبات، والجزائر تحقق نجاحات رياضية وتكسب سمعة في الهيئات الدولية وتحظى باحترام الإتحادات الكروية الوطنية، بأن “جهيد” هو أحد أسرار نجاح “الفاف” وبلوغها “العالمية”، وبأنه أيضا “الذراع الأيمن” لمحمد روراوة.
الصورة التي صنعها زفيزف لنفسه، من حيث لا يدري، وحققت رواجا غير مسبوق، على حساب حتى وليد صادي أحد أبرز “رجالات” الإتحادية على الإطلاق في “العهد السابق”، بدأت في التلاشي على مراحل، بدءا من قبول زفيزف بدور “الكومبارس” في المكتب التنفيذي لخليفة محمد روراوة، وهو خير الدين زطشي، قبل الإنسحاب بعد أقل من عام دون أن ينتبه لرحيله أحد أو يُخلّف رحيله “اختلالا” على مستوى إتحادية سقطت، بقدوم زطشي، من درجة العالمية، وبلغت أدنى الدرجات في ظرف قياسي، انتهت، بعد رحيل زطشي، بدخول “الفاف” في أزمة مالية غير مسبوقة، لم يكن لها وجود إطلاقا في “العهد السابق”.
ولأن الوقت كفيل بإظهار المعدن النفيس من غيره، فقد “نزل” جهيد زفيزف من درجة “نائب رئيس الإتحادية العالمية” إلى عداء في الميادين لإحداث التبديلات لتشكيلة المدرب جمال بلماضي في عهد الرئيس السابق لـ”الفاف” عمارة شرف الدين، غير أن منصب “العداء” الذي لم يخطر على بال سابقيه من رؤساء الإتحادات المطالبة به، رشّحه لتبوء منصب رئيس إتحادية، وهو منصب جعل زفيزف “وجها لوجه” مع الإعلام والرأي العام لأكثر من مرة، ما سمح باكتشاف حقيقة “الرجل الخفي”، الذي لا يقو على تمرير أية رسالة بأية لغة كانت، حتى أمام أعضاء الجمعية العامة لـ”الكاف”، إلا بعد “جهد جهيد”.
زفيزف ينتقد “عهدا سابقا” شارك فيه بلقب .. زفزاف
ولعلّ عدم قدرة رئيس الإتحادية الجزائرية لكرة القدم على التمييز فيما يتعلق في جوهر مهامه، كفيل اليوم بأن تكون لنا “نقطة نظام” لقطع الشك باليقين عما إذا كان زفيزف يملك من الفِكر والإستراتيجية والبرنامج وبُعد النظر ما يعيد “الفاف” إلى العالمية، كون عبارة “انتقاء الأجانب”، التي انتقد من خلالها ما أسماه بـ”العهد السابق” الذي بنى برنامجه على لاعبي البطولات الأجنبية لـ”تقوية” المنتخب الوطني الأول والمنتخبات الوطنية، لا يمكن تصنيفها (العبارة) سوى في خانة “الفضيحة”.
وحتى وإن كان كل مَن سمع تصريحات زفيزف محل الجدل، عقب بلوغ أشبال “الخضر” ربع النهائي، قد فهِم بأن ما كان يقصده هو “انتقاء المغتربين”، فإن مجرّد “الخطأ” يُسقِط عنه، شخصيا، أي عذر، لأن مَن “ألغى جزائرية” اللاعبين الناشطين خارج البطولة الجزائرية، ماهو سوى رئيس الإتحادية الجزائرية، الذي يُفتَرض فيه “وزن” كلماته قبل أي كلام.
وحين يتحدث زفيزف عن “العهد السابق”، فإنه يقصد حتما عهد محمد روراوة، وقد نسِيَ الرجل، أو تخاله تناسى، بأنه كان أحد رجالات العهد السابق بصفته النائب الأول لرئيس “الفاف” محمد روراوة، وهو (روراوة) الذي أدخل المنتخب الوطني، من حيث تركيبة اللاعبين، في عهد جديد متميز، أفضى إلى بلوغ المونديال مرتين في 2010 بجنوب إفريقيا و 2014 بالبرازيل، بفضل قانون “الباهاماس” في 2009 الذي يعتبر نجاحا ومكسبا يعود الفضل فيه لرئيس الإتحادية الجزائرية لكرة القدم صاحب مشروع منح حق حمل اللاّعبين المزدوجي الجنسية ألوان منتخباتهم بلدانهم الأصلية قبل بلوغ الـ 21 عاما، في حال ما تقمصوا، قبل ذلك، ألوان منتخبات أخرى في الفئات الشبانية، وقد أفضى ذلك أيضا إلى تمكن المنتخب الوطني، في نهاية المطاف، إلى نيل ثاني كأس إفريقية للأمم في 2019 بمصر.
ثم إن “العهد السابق” شهد بلوغ منتخب أقل من 17 سنة نهائي “الكان” التي أقيمت بالجزائر في 2009، وكان وقتها محمد روراوة قد عاد لتوّه إلى الإتحادية لخلافة حميد حداج، وشارك منتخب الأشبال معه بـ”المحليين” في مونديال نيجيريا في السنة ذاتها، وهو نفس “العهد السابق” الذي بلغ فيه المنتخب الأولمبي، تحت 23 عاما، نهائي كأس إفريقيا للأمم لتلك الفئة العمرية بالسنغال، وشارك المنتخب الأولمبي بلاعبيه المحليين في أولمبياد ريو دي جانيرو، من خريجي “أكاديمية” الإتحادية التي أطلقها الرئيس الأسبق لـ”الفاف” حميد حداج ودعمها لفترة الرئيس محمد روراوة، وكانت تلك المرة الثانية التي يحضر فيها المنتخب الوطني لكرة القدم إلى الأولمبياد في تاريخه، بعد دورة موسكو في 1980، وهي مرحلة من “العهد السابق”، كان جهيد زفيزف أحد المساهمين فيها، لكن وقتها بلقب الشهرة .. “زفزاف”..
المغترب لاعب “أجنبي” أكثر منه “جزائري” في نظر زفيزف
نكاد نجزم اليوم بأن الكرة الجزائرية ليست بين “أياد آمنة”، على الأقل منذ رحيل محمد روراوة ومنذ دفع عمارة شرف الدين إلى الرحيل، أو حين تم غلق الباب أمام وليد صادي وعنتر يحي لتبوء المنصب، فالذاكرة الكروية تحتفظ بـ”عهد سابق” قريب، كان فيه زفيزف أحد المنتسبين إليه، ولو لأقل من عام، تم فيه وصف اللاعبين الجزائريين، على موقع الإتحادية نفسه، بـ”مزدوجي الجنسية”، ونقصد به عهد رئيس “الفاف” السابق خير الدين زطشي وأمينه العام السابق محمد ساعد.
وغفل زفيزف، وهو يتحدث بانتقاد عن “العهد السابق”، عن التذكير برئيسه خير الدين زطشي الذي “وافق”، من حيث لا يدري، على غلق باب العضوية في الجمعية العامة لـ “الكاف” عن جمهورية الصحراء الغربية خلال الجمعية العامة لـ”الكاف” بمدينة الرباط المغربية يوم 12 مارس 2021، وأخفى، أيضا، عقوبته “المحلية”، وقتها، على “الفيفا” التي اكتشفت أمره ودفعه ذلك لسحب ترشحه لعضوية مجلسها أمام أقوياء القارة.
وتكون، ربما، ذاكرة زفيزف، لا تحتفظ سوى بأحداث “العهد السابق” البعيد دون القريب منه، فالرجل لم يستعرض ما قاله زكاه لدى بلماضي لخلافة عمارة شرف الدين في منصب رئيس “الفاف”، ونقصد به خير الدين زطشي الذي أعلنها صراحة، عقب تأهل منتخب تحت 17 عاما إلى “كان المغرب في 2021 (أُلغِيَت البطولة بسبب كورونا)، وهو صاحب مشروع أكاديمية بارادو “الجزائرية”، بأن المشروع الجديد لـ”الفاف” يتمثل في الإعتماد على اللاعبين القادمين من البطولات الأجنبية في كل الفئات العمرية.
والأغرب فيما يحدث من “زلازل” على مستوى سدّة تسيير “الفاف” ما بين فترتي روراوة وشرف الدين الراقيتين من حيث الطرح والفِكر وأسلوب الحديث والتواصل، أن زفيزف اختار طواعية “ضرب” معنويات أشبال “الخضر” قبل موقعة المغرب في ربع النهائي بالكشف عن برنامج لا مكان فيه لمَن وصفهم بـ”الأجانب”، وقد تناسى مع “التأهل” المنتشي به، بأن “الإنجاز” من صُنع عديد من اللاعبين الجزائريين من خارج البطولة المحلية، الذين استهدفهم، ضمنيا، زفيزف، في تصريحاته التي أخذت شكل “نكران الجميل”.
ومن اللاعب الجزائري “الخالص” في عهد محمد روراوة، إلى “اللاعب المغترب” في نظر الإعلام والرأي العام، ثم إلى مزدوجي الجنسية في عهد خير الدين زطشي، وصولا إلى “اللاعب الأجنبي” في “العهد الجديد” لجهيد زفيزف، فإن “الإنحراف” في لعبة المصطلحات بلغت درجة بالغة الخطورة تمثلت في “نزع” الجنسية الجزائرية من اللاعب الجزائري، أو على الأقل أن “العبارة” تحمل في طياتها، ربما، دلالة واضحة على أن زفيزف يرى في اللاعب المغترب أنه “أجنبي” أكثر منه “جزائري”.
ثم إن الأخطر من ذلك، وزفيزف يجرّد اللاعبين الجزائريين من “جزائريتهم”، إعلانه صراحة بأن “برنامجه” لم يضمن مكانا لهم في المستقبل، حتى وإن كان من بين “الأجانب”، على حد وصف زفيزف، مَن خسر مكانته في ناديه، ونقصد به اللاعب يونس بن علي، الذي تخلى عنه نادي نانت “رسميا” وفسخ عقده بسبب تمسكه بـ”جزائريته” التي أسقطها عنه رئيس “الفاف”، ثم تخلى عنه “رسميا”، تحت غطاء “البرنامج الوهمي”.
بين عهد “الأجانب” وعهد “المصائب”
لا يبدو على الإطلاق بأن مَن يقود مصير الكرة الجزائرية يُقدّر “ثِقل” و”بُعد” كلماته التي يصعب عليه توظيفها أصلا في جملة مفيدة، فالرجل نسِيَ بأنه في “العهد السابق” البعيد مع محمد روراوة كان مسؤولا عن مشروع بناء فندق “الفاف”، وهو الذي قدّم المشروع لأعضاء الجمعية العامة للإتحادية لسنوات ودافع عنه بقوة، بل وأقنع أصحاب السيادة في إتحادية كرة القدم بأنه مشروع مربح ومفيد، ليجد نفسه في “العهد السابق” القريب مع خير الدين زطشي مسؤولا عن مشروع “إلغاء” بناء فندق “الفاف”، وهو الذي قدّم المشروع لأعضاء الجمعية العامة للإتحادية، ودافع عنه بقوة، بل وأقنع أصحاب السيادة في إتحادية كرة القدم بأنه غير مربح وغير مفيد .
واقترح صاحب مقولة “انتقاء الأجانب”، تشييد مراكز تكوين “الفاف”، وهي مراكز لا يبدو منها سوى “الإسمنت المسلح”، وقد تسببت تكلفتها الباهظة في “استنزاف” خزينة الإتحادية .. وضاعت أموال “الفاف” في مشاريع لم تر النور، ولا يمكن لمنتقد “العهد السابق” سوى أن يشهد بأن رئيسه محمد روراوة خلّف وراءه إتحادية عالمية وبحبوحة مالية، أضحت اليوم مضرب مثل وافتخار واستدلال بذلك “العهد السابق”، عهد المكاسب، الذي يجتهد جهيد لتسويقه، على أنه عهد “غابر” للأجانب، وبه يبصم على أن تشييد “الفاف” معه “عهد المصائب”.