اخبار السودان
الداء الذي عصف بحياة المواطن والدواء الذي يسترد عافية الوطن
الداء الذي عصف بحياة المواطن والدواء الذي يسترد عافية الوطن
* الواثق البرير
- في البدء نترحم على شهداء الوطن من العسكريين والمدنيين وعلى الدم السوداني المراق في حرب عبثية بين أبناء الوطن الواحد لا جدوى منها، حرب أنهت أسبوعها الثالث وتضاعفت مأساتها الإنسانية بصورة خطيرة ومازال القصف العشوائي والاشتباكات العنيفة مستمرة بين أطرافها، وأعداد القتلى والجرحى والضحايا تتزايد يوماً بعد يوم، مع تدمير المنشآت العامة والخاصة والمنازل، ومغادرة مئات الآلاف منازلهم في موجة نزوح كبيرة فراراً من الحرب في ظل تفاقم الوضع الصحي بصورة كارثية ومأساوية، وانتشار عمليات النهب والسلب المنظمة نتيجة الانفلات الأمني. إن إستمرار الإقتتال والمأساة الإنسانية مع هشاشة الدولة التي دمرها النظام المباد حتماً سيجر البلاد إلى عواقب وخيمه لا يحمد عقباها.
- إن الذين يروجـون للحرب الآن، هُـم من أشعل فتيلها ابتداءاً، وتسببوا في هذا الوضع المأساوي من أجل العودة إلى السلطة حتى ولو على جماجم الأبرياء وتدمير الوطن، هذا التفكير الإنتقامي يقف وراءه النظام البائد ويتحمل مسؤوليته كاملة في إشعال هذه الحرب اللعينة وآثارها المدمرة وتداعياتها، ومهما علا صوتهم بتوجيه الإتهام الي القوى المدنية فلن يحجبوا شمس الحقيقة التي تؤكد بأن القوى المدنية الموقعة على الاتفاق الإطاري لم تدخـر جهداً في الحيلولة دون إندلاع الحرب، بالعمل المضني لإيقافها، والحقيقة المجردة تشير بوضوح إلي أن من زرع الفتنة وأشعل الحرب هو المستفيد الأول من إستمرارها الآن، وأن من يسعى الي وقفها هو الاحرص على حياة المواطن وسلامة الوطن.
- الاتفاق الإطاري مشروع سياسي وطني هدفه إنهاء الانقلاب واستعادة المسار الديمقراطى، وقد تم بموافقة العسكريين وتوقيعهم كمدخل لعملية سياسية ذات مصداقية، ولم يكن محل إختلاف بين القوات المسلحة والدعم السريع أصلاً بل كان محل إجماع، وأعلن كل من الطرفين وبوضوح تمسكهما به، وبأهم بنوده وهي عملية الإصلاح الأمني والعسكري التي تهدف إلى بناء جيش مهني واحد والنـأي بالمؤسسة العسكرية من السياسة، وهذا متفق عليه، والتباين اقتصر فقط على بعض الجوانب الفنية والتي حدث تقارب حولها إلى حد كبير عبر اللجان، كما إن الطرفان ملتزمان بوثيقة مبادئ وأسس إصلاح القطاع العسكري والأمني؛ إذن ليس هناك أي مسوغ أو مصلحة للقوى المدنية الموقعة على الإتفاق الإطاري في هذه الحرب العبثية، خاصة وأن هذه القوى كانت قاب قوسين أو أدنى من بلوغ التوافق على مدنية الحكم والتحول الديمقراطي بالتوقيع على الاتفاق السياسي النهائي. المعلوم بالضرورة أن هذه الحرب من تخطيط وإنتاج وإخراج القوى الظلامية (الفلول)، وهي التى تروج لها صباح مساء (رمتني بدائها وانسلت)؛ إن حقائق التاريخ والواقع تؤكد على أن الإسلاميين عملوا على المناورة بالتنوع والتباين في المجتمع السوداني واستخدامه في تخريب السودان لصالح فكر شمولي إستبدادي ولم يعطوا الديمقراطية فرصة بل سخروا كافة أدواتهم التآمرية خاصة الإعلامية لإدانة الحكم الديمقراطى وتشويه الأحزاب السياسية والترويج للحكم العسكري وتبرير الاستيلاء على السلطة بالانقلابات، وما يقومون به الآن من زرعٍ للفتن وإشعالٍ للحرب ما هو إلا محاولة يائسة لإعادة عقارب الساعة الي الوراء؛ لكن مهما اجتهدوا فلن يكتب لهم العودة من جديد ، فقد تنـحى المشروع الحضاري الظلامي إلي الأبد، ونحن هنا لا نطلق القول على عواهنه فكل الدلائل والمؤشرات من فيديوهات ومقالات وبيانات لرموز النظام المباد تبين الدور التخريبي الكبير في الدعوة إلى الحرب واستمرارها، وواجبنا جميعاً محاصـرة العناصر المروجة للحرب والداعية لعودة النظام الديكتاتوري واعلاء مطالب الشعب السوداني المشروعة في نظام مدني ديمقراطي.
- إن المواجهة الحربية المتصاعدة الآن وما خلفته من واقع كارثي يتمثل في سقوط آلاف القتلى والجرحى والضحايا في العاصمة والولايات وتدمير البنية التحتية للدولة، والانفلات الأمني الواسع الذي بدأ بإخراج المساجين وخلق غطاء لعمليات الإجرام والنهب والسلب، وبروز تجار الحـرب والاستثمار في معاناة المواطنين، والانهيار الإقتصادي الكامل وإنكماش فرص الحياة وخروج الآلاف عبر حـدود الوطن وداخله براً وبحراً بحثاً عن الأمان، في موجة نزوح كبيرة وسط معاناة غير مسبوقة، وبلوغ الأستقطاب السياسي ذروته بإطلاق دعوات وفتاوي بالإغتيالات للرموز السياسية، والإنقسام المجتمعي والصراعات القبلية، وترويع المواطنين في مناطق العمليات الحربية وخارجها مع غياب للخدمات والغذاء ينذر بمجاعة طاحنة، وكارثة إنسانية وفجوة واسعة قد تؤدي إلي ضياع البلاد.
- كانت القوى المدنية الوطنية التي تجسدها قوى الحرية والتغيير ويشاركها آخرون من قوى الثـورة قد نجحت في تحديد أهدافها الرامية إلى تحول ديمقراطي، ونجحت في تحديد وسائل عملها ثلاثي القنوات من مقاومة سلمية وحل سياسي وتضامن إقليمي ودولي، وحققت نجاحاً في الحل السياسي؛ قطعت مؤامرات الثورة المضادة الطريق أمامه بإشعال الحرب، وتسعى الآن عبر الأجندة الحربية لتمزيق الوطن، لكن إرادة الشعب الداعمة للأجندة الوطنية منتصرة بإذن الله. نؤكد هنا مشاركتنا ودعمنا اللا محـدود للجبهة المدنية لايقاف الحرب واستعادة الديمقراطية، والتي تضم طيفاً واسعاً من القوى السياسية ولجان المقاومة والمجتمع المدني والمجموعات المهنية والنقابية والشخصيات الوطنية، ونعمل معاً علي توسيع قاعدتها وتطوير عملها كمنصة وطنية لقوى الثورة والتحول الديمقراطى، كما ندعم بقوة دور الكيانات المجتمعية سيما الإدارة الأهلية في إبرام إتفاقيات وقف العدائيات في ولايات دارفور، ونشجع هذا التوجه ليشمل كل ولايات السودان.
- هناك عوامل موضوعية داخلية وإقليمية ودولية تؤكد أن الخيار المتـاح هو وقف الحرب والعودة للمسار المدني الديمقراطي، صحيح هناك من هـُم أحرص على الحرب والإنتقام وعودة الديكتاتورية، ولكن الظروف الحالية سوف تعزل المتاجرين والمسوقين للحرب، وتحول الحقائق الواعدة الي حقائق واقعية. في هذا نشيد بالمبادرة الأمريكية السعودية التي وضعت أساس جيد لعملية تفاوضية لوقف الحرب والعودة للمسار السياسي، ونثمن الجهود الكبيرة للآلية الثلاثية والمجموعة الرباعية والترويكا والإتحاد الأوروبي، ونقدر الدور الحميد لدول الإيقاد ودول الجوار في حـث الطرفين على وقف إطلاق النار والإلتزام بالهدنة لأغراض إنسانية، ونجدد مناشدتنا إلي الطرفين بالاستجابة لصوت العقل والحكمة ووقف نزيف الدم وتفويت الفرصة على دعاة الحرب، والانخراط في المفاوضات بعقل مفتوح يعلي من المصلحة الوطنية ويضع أساس لحل القضايا العالقة.
- ظل موقف حزب الأمة القومي ومازال واضحاً منحازاً للتحول الديمقراطي والحكم المدني، ويقف الحزب بصلابة ضد الحرب وعودة النظام المباد، ويعمل في غرفة طوارئ لتقديم العون الإنساني والمدني وحشد الدعم والمساندة للضحايا والمتضررين من الحرب، ويبذل الحزب كل الوسع في سبيل إيقاف الحرب وتقديم المبادرات المستمرة عبر التواصل الحثيث مع الطرفين من قبل إندلاع الحرب وإلى الآن، ومع المجتمع الإقليمي والدولي ومع الآلية الثلاثية والمجموعة الرباعية في سبيل وقف فوري لإطلاق النار والتوصل لإتفاق بين الطرفين ينهي الإقتتال ويفتح الباب امام إتفاق يعالج مسببات الحرب ويضع الترتيبات السياسية والفنية اللازمة لبناء جيش مهني واحد، وفتح ممرات آمنة ومسارات إنسانية لوقف معاناة المواطنين، والعودة للعملية السياسية التي لا زالت مسودة اتفاقها السياسي النهائي تمثل أساساً راشداً ومعقولاً لعملية سياسية جادة مفتوحة تحقق الإنتقال السياسي وتعبر عن أهداف ثورة ديسمبر المجيدة.
- لقد وضع حزب الأمة القومي التدابير اللازمة لإفشال مخطط استمرار الحرب وإنجاح مساعي إيقافها فوراً، ويعمل بتنسيق وتعاون تام مع حلفائه وشركائه لتحقيق هذه الأهداف، وعلى كافة مؤسسات حزبنا في المركز والولايات والقطاعات والمهجر مواصلة أعمالها وفق خططها لتحقيق الأهداف أعلاه، مع توسيع قاعدة العمل المشترك مع كافة قوى الثورة والمبادرات المجتمعية وابتكار الوسائل الفاعلة، فنحن أمام مسئولية تاريخية في المحافظة على مشـارع الحق وإيجاد مخرج وطني قومي يؤسس لعقد إجتماعي جـديد ويقيم الحكم المدني الديمقراطي ويحاصـر دعاة الحكم الشمولي..
نسأل الله أن تضع الحرب أوزارها فوراً ويتوقف إطلاق النار بلا عودة ونسأله اللطف ببلادنا وأهلنا وأن ينعم علي السودان وأهله الكرام بالأمن والإستقرار وأن يخفف معاناة هذا الشعب المعلم المسالم انه سميع مجيب.
* الأمين العام لحزب الأمة القومي
المصدر: صحيفة التغيير