وداعا لمشاهد رمي المنتجات
خلف قرار إنشاء ديوان وطني لامتصاص فائض المنتجات الفلاحية ترحيبا واسعا من الفاعلين في قطاع الفلاحة ومن منظمات حماية المستهلك، بالنظر إلى تأثير الخلل المسجل في عملية الإنتاج. ودعا المختصون والمعنيون بالقطاع في تصريحاتهم لـ”” إلى تسليم مهام الديوان الإستراتيجي لرجال الميدان الذين يعرفون جيدا خبايا الفلاحة حتى تكون نتائجه الإيجابية على الجميع ويتمكن من حل معضلة كبيرة عانى منها الفلاحون في السنوات الأخيرة، وهي كثرة الإنتاج تولد الخسارة والعزوف عن الإنتاج يؤدي إلى ارتفاع سعر المحاصيل والإضرار بالمستهلك.
لا أحد ينسى مشاهد تقديم فائض الخس للأبقار ورمي البرتقال والطماطم في المزابل والسبب في كل مرة هو الخسائر التي يتكبدها المنتجون جراء الفائض، لتنقلب الموازين بعدها وتصبح نفس المادة في الموسم الموالي الوصول إليها ضربا من الخيال بعد أن يمتنع الفلاح الذي تعرض للخسارة عن الإنتاج مجددا خوفا من خسارة جديدة، وهذا السيناريو أرهق الفلاح والتاجر والمستهلك معا وتكراره سنويا بات من الضروري وضع حد له، وتعالت أصوات المطالبين بذلك وعلى رأسهم المنتجون الذين تأزمت وضعيتهم كونها تزامنت مع ظروف اقتصادية عالمية عصفت بكل المنتجات الفلاحية بعد أن تجاوزت أسعار المواد الأولية والمواد المصاحبة لعملية الزرع من أسمدة وأدوية كل التوقعات ولم يعد يقوى على تسديدها حتى كبار المنتجين.
وبدأت بوادر انفراج الوضع من نتائج مجلس الوزراء الأخير، حيث أمر خلاله رئيس الجمهورية وزير الفلاحة بإنشاء ديوان يتولى شراء كل منتوجات الفلاحين ذات الاستهلاك الواسع، من خضر وفواكه قابلة للتخزين، مثل البصل والثوم والبطاطا، بهدف تحقيق التوازن في السوق الوطنية، معتبرا “جهد الفلاح خطا أحمر”.
اتحاد الفلاحين الجزائريين وعلى لسان أمينه العام عبد اللطيف ديلمي أكد أن الفلاحين استقبلوا خبر إنشاء الديوان بسرور واسع بالنظر إلى التعب السنوي الذي يواجهونه في تسويق منتجوهم، خاصة بعد الظروف الصعبة التي يواجهونها منذ انتشار فيروس كورونا، ناهيك عن التغيرات المناخية، والقرار مهم لأنه سيجعل الفلاح دائما مع فكرة الإنتاج السنوي ويحميه من العزوف في حال لم يتمكن من تسويق منتوجه، وهو ما سجل في مواد مهمة كالبصل والثوم وغيرها، ما تسبب في أزمات في التموين بها في مواسم موالية لها، لكن بوجود ديوان يحمي المنتج من خلال امتصاص الفائض وتجنيبه الخسارة لن يجد الفلاح سببا للعزوف عن الإنتاج.
في المقابل شدد ديلمي على أن يتبع قرار رئيس الجمهورية التزام من الوزارة وجدية في نشاط هذا الأخير لكسب ثقة الفلاحين أكثر، وأن يسيره من يعرفون خبايا الوضع للوصول إلى الأهداف التي من أجلها تم استحداث الديوان ليكون انطلاقة حقيقية لبلوغ التوازن بين العرض والطلب الذي ينشده كل فلاح، يقول أمين عام اتحاد الفلاحين.
وضع الديوان في السكة الصحيحة هو ما تحدث عنه أيضا رئيس الاتحادية الوطنية لأسواق الجملة للخضر والفواكه السابق، مصطفى عاشور، الذي تقلد هذه المهمة في مراحل عديدة واطلع على خبايا عمليات الإنتاج والتسويق، حيث أكد أن ديوانا لامتصاص المنتوج مهم للغاية، لكن يجب أن يكون فعالا يسيره أصحاب الميدان الذين عايشوا أجواء الإنتاج والأسواق في السنوات الأخيرة التي تعرضت لهزات عديدة، أيضا التقرب من الفلاحين ومعرفة انشغالاتهم جيدا حتى يمكن أن يقدم الأحسن لجميع الأطراف وتفادي ما فعلته دواوين شبيهة من قبل لم تتمكن من ملامسة معاناة الفلاحين والتجار، وبقي نشاطهم المهني بين ربح وخسارة وتخل عن النشاط في كثير من الأحيان، بسبب اللااستقرار، يضيف عاشور.
المنظمة الوطنية لحماية المستهلك وعبر رئيسها مصطفى زبدي عبرت هي الأخرى عن ارتياحها لوضع هكذا ديوان تحت خدمة الفلاح. وذكر زبدي أن مشاهد التخلص من المنتجات كانت ظاهرة مقيتة أرّخت لها الصور والفيديوهات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ليدفع ثمنها بعد ذلك المستهلك الذي يقتني نفس المادة بسعر خيالي، ولعل أزمة البصل أكبر دليل، حيث تخطت أسعاره المعقول وأيضا أزمة منتجي الثوم، حسبه، الذين تعالت أصواتهم مؤخرا بالنظر إلى الإنتاج الوفير للمادة والمخاوف التي تسللت لهم من تكبد خسائر ووصلت معاناتهم إلى أهل القرار، فكان قرار الرئيس مخرجا مصيريا لهم ولجميع المنتجين الذين أصبح يؤرقهم هذا الوضع، والمستهلك في الأخير يدفع ثمن كل هذه الاختلالات باقتناء مواد بأسعار خيالية. والديوان هذه المرة يحمل صفة الإلزامية، حيث سيقوم بتنظيم العملية بكل ما تقتضيه من نقل وتخزين ومعرفة كل المعطيات، وهو ما ترجوه المنظمة وتشدد عليه حتى يحظى بالمصداقية ويضع حدا لظواهر التبذير والخسارة واللامبالاة في آن واحد.