دراسة إسبانية.. العلاقة مع الجزائر أكثر أولوية منها مع بكين وواشنطن
أكدت دراسة استقصائية أجراها معهد إلكانو الملكي الإسباني، أن الجزائر يجب أن تكون ضمن أولويات السياسة الخارجية للمملكة.
جاء في نتائج الدراسة التي نشرت يوم الجمعة، أنه رغم بروز الصين والولايات المتحدة كقوتين عظميين، إلا أن هناك دولتين تهمان أكثر من هذين العملاقين بالنسبة للإسبان، حيث أكد الاستطلاع الذي أجراه معهد إلكانو الملكي مع أكثر من ألف شخص، بين شهري فيفري ومارس، “أن البلدان التي يجب أن تركز عليها السياسة الخارجية الإسبانية بشكل أكبر هي الجزائر والمغرب إلى جانب أمريكا اللاتينية، بينما هبطت بكين وواشنطن إلى مراتب متدنية”.
ويشير الاستطلاع إلى أن إحدى القضايا التي تساهم أيضا في امتلاك الإسبان لهذه النظرة عن البلدان الإفريقية هي “درجة الاندماج في المجتمع الإسباني”. ومن الواضح أن هذه السمة الاجتماعية عامل مهم عند اختيار المناطق التي تثير أكبر قدر من الاهتمام بين المواطنين.
واستنادا إلى مقياس من صفر إلى عشرة، حيث كان على المستجوبين تقييم البلدان المعنية بالدراسة، جاء المغرب في المركز الأخير بمتوسط 4,7 نقاط، ما يبين أن رعايا المملكة الذين يعيشون في إسبانيا هم أقل الأشخاص اندماجا.
وبشكل عام، أكدت نتائج الدراسة أن الإسبان ينظرون إلى الجزائر والمغرب على أنهما “مجالات ينبغي إيلاء المزيد من الاهتمام لها”، لا سيما في سياق الأزمات الدبلوماسية بين الجزائر والمملكة بشأن تغير الموقف الإسباني من الصحراء الغربية وتداعياته السياسية والمتعلقة بالهجرة والطاقة.
علاقات متوترة
وتشهد العلاقات الجزائرية الإسبانية، منذ بداية العام الماضي، توترا متصاعدا ألقى بظلاله على العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين، نتيجة إعلان رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، دعم خطة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب لتسوية ملف النزاع في الصحراء الغربية، المستعمرة الإسبانية السابقة.
وردا على هذا التحول في موقف مدريد المحايد تقليديا، أعلن رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، في الثامن جوان الماضي، تعليق معاهدة الجوار والصداقة مع مدريد، وكشفت الرئاسة تعليقها اتفاقية الصداقة والجوار ردا على موقف الحكومة الإسبانية الذي يعتبر منافيا للشرعية الدولية التي تفرضها عليها صفتها كقوة مديرة لملف الأزمة، ولجهود الأمم المتحدة والمبعوث الشخصي الجديد للأمين العام، وتساهم بشكل مباشر في تدهور الوضع في إقليم الصحراء الغربية وفي المنطقة.
وفي تصعيد آخر، توجهت الجزائر نحو تقييد المعاملات التجارية مع مدريد وتجميد العمليات المصرفية. هذا التجميد الذي أعلنته “الجمعية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية” في الجزائر أثر بشدة على التجارة بين البلدين. وتشير التقديرات إلى أن خسائر جميع الشركات الإسبانية التي لها تعاملات في الجزائر تتجاوز الآن 600 مليون أورو. وهو استنزاف يؤدي، في غياب أي إشارة إلى حل سريع، إلى تراكم الأرقام بشكل يومي.
الشركات المتضررة تقاضي الحكومة
وفي فيفري الماضي، هددت الشركات الإسبانية بمقاضاة حكومة سانشيز، للمطالبة بتعويضات جراء الخسائر الفادحة التي نزلت عليها بعد سنة من قرار الجزائر قطع علاقاتها التجارية مع مريد. وذكرت صحيفة “أندبندنتي”، في وقت سابق، أنه تم الاتفاق على آلية للتوجه نحو القضاء من قبل حوالي عشرين شركة مقرها في إسبانيا، معظمها شركات صغيرة ومتوسطة الحجم وذات حضور كبير في السوق الجزائري.
وتنطلق الشركات في دعواها من أن تغير موقف الحكومة الإسبانية في النزاع على الصحراء الغربية، بعد 47 عاما من الحياد، قد تسبب في خسائر اقتصادية تتزايد يوميا، وهو سيناريو لا يمكن تحمله على المدى المتوسط والطويل، ويعرض للخطر استمرار بعض الشركات.
سوء تقدير
وقبل أسابيع اعترفت الحكومة الإسبانية بإساءة تقدير عواقب قرار تغير سياستها الخارجية وتبني موقف المملكة المغربية على العلاقات التجارية مع الجزائر.
ونقلت الصحافة الإسبانية هذا الموقف عن وزارة الصناعة والتجارة والسياحة، التي تقودها رييس ماروتو التي اعترفت، خلال اجتماع مع الشركات الإسبانية الناشطة في الجزائر، بأن الحكومة لم تقدر عواقب تغير موقفها من قضية الصحراء الغربية على علاقاتها مع الجزائر.
ورغم الاعتراف، إلا أن الوزارة لم تقدم، خلال اجتماعها مع ممثلي شركات تجارية ناشطة في الجزائر، حلولا للمشاكل المطروحة، حيث اكتفت بالاعتراف بأن “الوضع مع الجزائر معقد”، ويأتي ذلك في وقت تنتظر الجزائر من إسبانيا موقفا واضحا من قضية الصحراء الغربية، تتراجع بموجبه عن تبني مقترح الحكم الذاتي المغربي كشرط لعودة العلاقات التجارية إلى حالتها الطبيعية.