السودان .. الطاووس الذي يذبح من أجل ريشه! وطن
Advertisement
وطن كتب الغرب ويهوده فيما بعد على السودان كما كتب على كل بلد عربي كبير عنده مقومات النهوض، ان لا يستقر ولا ان يرتاح، وبعد إنشاء الكيان الصهيوني في قلب العالم العربي صار شرطا “مقدسا” لا يمكن الخروج عنه.
لكن السودان طالت مأساته والتي بدأت مع تجنيد الفرنسيين لمحمد علي في محاولة لاحتلاله للوصول لذهبه الاصفر حين خاض حروبا فيه منذ عام ١٨٢٠ وهي الحروب التي انهكت السودان لسنوات طويلة.
وان دفع محمد علي باشا الثمن باهضا جراء حروبه هذه، الا انه فيما بعد، وبواسطة أولاده وبشراكة الانجليز هذه المرة، استطاعوا بعد عقود من الحروب الدموية ان يحتلوا السودان وذلك عام ١٨٩٩.
وهنا دعنا نتحدث عن شرط سري شفهي عرضه الخديو عباس حلمي الثاني على الانجليز بعد احتلال السودان ولم يرد ضمن الاتفاقات المصرية البريطانية الرسمية بخصوص احتلال السودان، وكان الشرط هو تدمير زراعة القطن في السودان حتى تتمكن مصر من السيطرة على سوق القطن لوحدها.
وفي كل الأحوال لم يعر الانجليز لهذا الشرط اهتماما، فهم لم يعيروا حتى للاتفاقيات الرسمية والمكتوبة اي اهتمام، ناهيك ان الانجليز لم يتركوا بلدا احتلوه دون ان يحلبوه ويحلبوا دمه ايضا.
وحتى إيطاليا الفاشية حاولت انتشال السودان من بين ايدي الانجليز لما تتمتع به من ثروات ففي عام ١٩٣٥ طلبت المخابرات الإيطالية من عميلها السياسي العربي الشهير احسان الجابري اختيار شخصية عربية محترمة كي تعين الجيش الإيطالي على احتلال السودان من خلال اقناع السودانيين بقبول الجيش الفاشي المنقذ!، لكن صعوبات أوقفت المخطط لتعيد إيطاليا الكرة عام ١٩٤٠ وتقتحم السودان حيث احتلت كسلا ولكنها تراجعت فيما بعد.
منذ ذلك الحين كتب على السودان الغبن وعدم الاستقرار لما حواه من ثروات في باطنه وظاهره من ذهب ونفط ويورانيوم مع أرض في غاية الخصوبة ونهر نيل برافدين، وفوق هذا ٧٣٠ كيلو متر على ساحل البحر البحر الأحمر وهو سبب خراب بيت السودان حاليا وهو ما سنفصله لاحقا.
ظلت السودان تحت الاحتلال حتى نالت استقلالها “الصوري” عام ١٩٥٦ من محتليها الانجليز والذين ما تركوها الا بعد ان اعدوا لها مستقبلا مظلما وهو ما رأينا طرفا منه وسنرى المزيد، منها حرمانه من استخراج ثرواته واشغاله بالحروب ووضع بذور تقسيمه.
منها أبرز مأساة للسودان والتي اهدرت مقدراته واشغلته وهي الحرب الانفصالية لجنوب السودان المسيحي عنه (مع ان المسيحيين اقل من النصف فيه).
والمحزن انك تجد انظمة عربية وقفت مع الجنوب الانفصالي السوداني والمدعوم من الكيان الصهيوني والغرب، مثل نظام الهالك معمر القذافي في ليبيا وعلي سالم البيض رئيس اليمن الجنوبي والملك فهد بن عبدالعزيز ملك السعودية آنذاك، وهو الذي دعم جون قرنغ بالمال والسلاح بل انه اهداه ٤٠٠ صاروخ تاو في عيد ميلاده.
ثم تأتي مأساة دارفور والتي وضعت بريطانيا فتيل انفجارها قبل ان تغادر، وكانها تنتقم من حكام دارفور سابقا، فكيف ستنسى احد اشرف حكامها علي دينار الذي أوجع امبراطوريتها على مدى عقود.
وحتى بعد عزل جنوب السودان عن الدولة الأم، وانتهاء مأساة دارفور، فهل تركت السودان على حالها؟ بالعكس فقد زادت وكأنه حفر على جلدها ان لا تقوم.
في عهد عمر البشير والذي حاول الاستفادة مما تحويه بلده من خيرات، ففتح المجال للشركات العالمية من اجل التنقيب عن النفط، كما وحاول إعادة انشاء مشروع الحلم لتكون السودان سلة غذاء العالم العربي، ولكن رغم اكتشاف النفط من قبل هذه الشركات، الا ان عملها توقف فجأة بعد ان تعرضت لضغوط منها ما هو عربي بكل أسف، وحتى زراعة أرض الجزيرة ايضا تم تعطيله لنفس الأسباب، مما حدا بالرئيس السوداني عمر البشير فتح المجال للروس والصينيين للقيام بالمهمة وفعلا تم الأمر بنجاح، حيث استطاعت السودان ان تنقب وتستخرج نفطها وتصدره ايضا.
اما زراعيا فقد ظلت المشكلة كما هي، وقد يصدم القاريء حين يعلم ان من بين ١٧٠ مليون فدانا من الأرض الاكثر خصوبة على وجه الأرض، لم تستطع السودان سوى زراعة ٣٥ مليون فدانا منها فقط.
بعد الحرب الروسية الاوكرانية، وبعد أن فقد العالم احدى اهم الدول المنتجة للغذاء وهي أوكرانيا، بدأت الانظار تتجه للسودان كبديل لاوكرانيا وهو ما يخشاه الغرب والكيان الصهيوني من ان تتحول السودان كسوق غذائي طارىء في العالم العربي وأفريقيا، لكنه يبقى أمرا ثانويا بالنسبة لهم في خطورته.
سبب الحرب الحالية في السودان
في عام ٢٠١٧ زار الرئيس السوداني عمر البشير روسيا حيث تم الاتفاق ما بينه وبين بوتين على انشاء قاعدة عسكرية بحرية روسية (تتضمن اسلحة نووية) على البحر الأحمر في السودان، وهو اتفاق يستحيل ان يوافق عليه الكيان الصهيوني او أمريكا، مما حدا بهما طلب الإمارات ب”تدبر الأمر” والتي دبرت انقلابا على عمر البشير وبعد اقل من عامين على الاتفاق وذلك في عام ٢٠١٩، فبعد أن قامت الإمارات باغتيال شخصيته امام الشعب السوداني حين رتبت له زيارة غامضة لرئيس النظام السوري المجرم بشار الأسد، حتى الآن لم تتضح كواليسها.
في نفس السنة، ٢٠١٩ قام قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان بزيارة موسكو لطمأنة المسؤولين الروس من ان اتفاقية القاعدة الروسية على البحر الاحمر لن تمس وستنفذ كما تم الأتفاق عليها.
وفي ٢٣ فبراير عام ٢٠٢٢ زار قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” موسكو للتأكيد على نفس الاتفاق وربما طلب منه المباشرة بالاعداد من اجل تنفيذ الاتفاق، وذلك قبل يوم واحد من اجتياح الروس لاوكرانيا.
في أيلول ٢٠٢٢ هدد السفير الأمريكي في السودان، جون غودفري ب”عواقب” ستتعرض لها السودان فيما لو تم إنشاء القاعدة الروسية في السودان.
وفي ٢٠٢٣/٢/٩ وفي ذروة الاحتدام ما بين روسيا وامريكا والغرب، زار وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف السودان واعلن من هناك عن اتفاقية القاعدة البحرية الروسية على البحر الأحمر في السودان، لتكون أول قاعدة عسكرية روسية في أفريقيا، ثم زار العديد من الدول الأفريقية، ليعلن بعدها انتصاره قائلا “اليوم يمكننا أن نؤكد فشل خطط الغرب في عزل روسيا من خلال تطويقنا، فشلا ذريعا”..
وها نحن نرى العواقب التي هدد بها السفير الأمريكي من خلال الدماء والدمار في شوارع السودان، نرى تدمير قوته العسكرية من خلال الاقتتال الذي يجري ما بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع..
ولكن هل يظل الأمر كما عليه؟ حتما لا! فالروس يعون تماما ان ما يجري في السودان هو ضدهم في الأساس، بل هو اختطاف ليس السودان فحسب بل افريقيا كلها من بين أيديهم والتي افتخر سيرجي لافروف في الآونة الأخيرة من انها أصبحت في أيديهم وأنهم بهذا انتصروا على الغرب اخيرا!.
اول تعليق روسي رسمي على ما يجري في السودان كان تعليقا مرعبا وان اكتنفه بعض الغموض وهو ” اذا كان الغرب يعتقد بأننا لن نستخدم السلاح النووي فهم واهمون”.
فالصمت الروسي على ضياع افريقيا من بين أيديهم والاكتفاء بمشاهدة ذبح بلد أفريقي كالسودان بسببه، حين اقنعته بالتوقيع على انشاء القاعدة البحرية العسكرية الروسية في السودان، يعد أمرا مستحيلا في العرف الروسي، والا انها ستفقد امنها الاستراتيجي ومصداقيتها وكرامتها امام العالم أجمع!.
ما يجري هو في غاية الرعب ولن يتوقف على السودان وحده، فالعسكر في السودان لن يستطيعوا إلغاء الاتفاق مع الروس ولا امريكا والكيان الصهيوني والغرب سيوافقون على انشاء القاعدة الروسية..اذن نحن أمام موقف في غاية التعقيد ولن ينتهي بسلام في ارحم أحواله.