اخبار السودان

انقلاب 15 أبريل: وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم

انقلاب 15 أبريل: وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم

تاج السر عثمان بابو

1

كان متوقعاً انقلاب 15 أبريل الدموي الذي اتخذ الحرب طريقاً لحسم الصراع على السلطة التي لا تقبل الجيشين والقسمة بين جنرالي الحرب البرهان وحميدتي، وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم، وما هو عنها بالحديث المرجم.

فقد بدأت الحشود للانقلاب في العاصمة من الطرفين قبل أسابيع والتي استمرت رغم التحذيرات من خطورة اندلاع المواجهة المسلحة على المدنيين، وضرورة خروج هذه الحشود من المدن، لكن استمرت الحشود، وكانت أحداث مروي القشة التي قصمت ظهر البعير.

بدأ الانقلاب بهجوم للقوات المسلحة في وقت متزامن على مواقع مقرات الدعم السريع في الخرطوم ومروي وبقية المدن. نتج عن الانقلاب جرائم حرب يتحمل مسؤوليتها البرهان وحميدتي، فضلا عن أن الحرب جريمة تُضاف إلى جرائم النظام العسكري الذي امتهن تجارة الحرب والمجازر في آخر شهر رمضان الكريم كما حدث في مجزرة القيادة العامة.

تبقى ضرورة مواصلة درء آثار الحرب والنضال من أجل إسقاط الانقلاب وقيام الحكم المدني الديمقراطي الذي يحقق الاصلاح الأمني والعسكري تحت قيادة مدنية، والاسراع في الترتيبات الأمنية بحل مليشيات الدعم السريع و”الكيزان” ومليشيات الحركات المسلحة، وقيام الجيش القومي المهني الموحد بعد وضع الحرب اوزارها. كما جاء في شعارات الثوار “السلطة سلطة شعب، والعسكر للثكنات والجنجويد ينحل”، وجمع السلاح والتسريح وإعادة الدمج في الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي.

2

فتح الانقلاب الدموي الباب أمام خطورة التدخل الخارجي، اضافة للمناشدات من مجلس الأمن والمحيطين الاقليمي والدولي مطالبين بحماية المدنيين من نتائج الحرب الكارثية، مما يتطلب وجود ممرات آمنة لحماية المدنيين، وخروج المليشيات من المدن والأحياء، لا سيما أن من أكبر الأخطاء وجود معسكرات الجيش والدعم السريع في قلب المدن!!، وكان من نتائجها الكارثية كما جاء في تقرير أطباء حول العالم: 300 قتيل و2700 مصاب حتى الآن، رغم تعثر الحصر الكامل في ظل الحرب وصعوبة الحركة وحصار المستشفيات، اضافة للمآسي الانسانية الأخرى مثل: التضييق على حياة المواطنين المعيشية، وصعوبة الحركة، وضرب مقرات الأمم المتحدة والهيئات الدبلوماسية، وضرب المستشفيات واجلاء المرضي بسبب انقطاع التيار الكهربائي ووقود المولدات كما جاء في بيانات الجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان، وضرب المباني والمنشآت والبنيات التحتية، وصعوبة توصيل الجرحي للمستشفيات، وأزمة الوقود والمواصلات، ندرة السلع، وانتشار حالات النهب، وانقطاع التيار الكهربائي والمياه كما حدث في شرق النيل بسبب قصف محطة المياه.

3

جاء الانقلاب حلقة دموية جديدة في سلسلة انقلابات اللجنة الأمنية للنظام المدحور التي تمثلت في:

انقلاب 11 أبريل الذي قطع الطريق أمام الثورة باسم الانحياز لها وشارك في الانقلاب قوات الدعم السريع، وكان هدفه حماية المصالح الطبقية للرأسمالية الطفيلية العسكرية والمدنية، وشركات الجيش والأمن الشرطة والدعم السريع والابقاء على التمكين تعطيل إعادة أموال الشعب المنهوبة وتعطيل مجاسبة مرتكبي والجرائم ضد الانسانية.

الانقلاب الثاني كان في مجزرة فض الاعتصام الذي شاركت فيها قوات الدعم السريع ومليشيات “الكيزان” التي كانت من أكبر الجرائم ضد الانسانية، ولن تسقط بالتقادم ولا بد من المجاسبة وأن طال السفر، بعد المجزرة تم التوقيع على الوثيقة الدستورية 2019 “المعيبة” من “قوى الهبوط الناعم”، وكان من أكبر أخطاء (قحت) بعد تكوين الدعم السريع وتعزيزه بقانون 2017 وتعديله في 2019، التوقيع على تقنين الدعم السريع دستوريا مع القوات المسلحة في الوثيقة الدستورية، وهى المرتبطة مع الإسلامويين بجرائم الحرب والإبادة الجماعية في دارفور، والقمع الوحشي للثوار كما في مجزرة هبة سبتمبر 2013، والمرتبطة بالخارج، وكان من نتائج ذلك أن تضخمت قوات الدعم السريع ماليا وعسكريا، وكانت مصادر دخلها من الاتحاد الاوربي للمساعدة في وقف الهجرة، وتصدير المرتزقة لحرب اليمن التي نظمها حميدتي مع البرهان بأمر نظام البشير المدحور، ونهب الذهب والارض والموارد، ومن ميزانية الدولة بأمر الرئيس المخلوع البشير شخصيا لحمايته التي كانت مفتوحة وغير خاضعة للمراجعة، حتى اصبحت طامعة في الانفراد بالسلطة، فضلا عن دور الإسلامويين في تكوينها لممارسة الابادة الجماعية في دارفور، فهم الذين خلقوا الشيطان الذي ارعبهم، وهدف انقلابهم الآن التخلص منه بعد أن اصبح منافسا لهم، ومهددا لمصالحهم الطبقية. وجاء الخطأ الثاني المتمثل في التوقيع على اتفاق جوبا الذي كان الهدف منه تصفية الثورة، وتحول لمحاصصات وفساد ومناصب، وفشل في وقف الحرب والإبادة الجماعية في دارفور وجنوب النيل الأزرق وجنوب وغرب كردفان. الخ.

الانقلاب الثالث كان في 25 أكتوبر، الذي شاركت فيه اللجنة الأمنية وقوات الدعم السريع وقوات حركات جوبا، ومليشيات الإسلامويين، الذي تدهورت بعده الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والأمنية، والقمع الوحشي للمواكب السلمية حتى وصل عدد الشهداء (125) شهيدا، واصابة أكثر من 8 الف شخص، اضافة لحالات التعذيب والاغتصاب والاعتقال التعسفي والاعتداء على الصحفيين ومراسلي القنوات الفضائية، واستمرار الإبادة الجماعية في دارفور وجنوب النيل الأزرق وجنوب وغرب وكردفان بهدف نهب الموارد، والتفريط في السيادة الوطنية وثروات وأراضي وموانئ البلاد في ظل حكومة غير شرعية، والاستمرار في سياسة التحرير الاقتصادي بسحب الدعم عن السلع والدواء والوقود والكهرباء والتعليم والعلاج حتى اصبحت الحياة لا تطاق، والاستمرار في نقض العهود والمواثيق كما في الانقلاب على الاتفاق الإطاري، رغم أنه معيب ويكرّس السلطة في يد العسكر.

وجاء الانقلاب الرابع للإسلامويين في شكل الحرب الجارية حاليا ضد الدعم السريع الذي اعتبرته اللجنة الأمنية قوات متمردة، وما نتج عنه من المآسي التي اشرنا لها سابقا، وهو انقلاب ضعيف ومغامرة سوف تكون وبالا عليهم، والمنتصر فيها لن يصمد أمام مقاومة الحركة الجماهيرية التي هزت اركان انقلاب 25 أكتوبر، سوف يذهب لمزبلة التاريخ كالانقلابات السابقة.

4

كما اشرنا سابقا الدعم السريع مليشات خلقها الإسلامويون فضلا عن أنهم انفسهم مليشيات، فلن يصدق أحد أنهم جادون في تصفية مليشيات الدعم السريع، مما يتطلب إعادة هيكلة الجيش وتخليصه من مليشات الإسلامويين وقيام الجيش القومي والمهني المحترف، بعد وقف الحرب اللعينة واستعادة الحكم المدني الديمقراطي الذي يتم فيه عودة شركات الجيش والأمن والدعم السريع لولاية وزارة المالية، والاسراع في الترتيبات الأمنية لحل مليشيات الكيزان والدعم السريع وجيوش الحركات، وقيام الجيش القومي المهني الموحد، الذي يعتبر من مقومات الدولة المدنية الديمقراطية، ومواصلة الثورة حتى تحقيق أهدافها ومهام الفترة الانتقالية..

[email protected]

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *