من آثـــار زكـــــاة الفـــــطر
عبَّر القرآن الكريم عن هدف الزّكاة بالنّظر للأغنياء الّذين تؤخذ منهم فأجمل ذلك في كلمتين، تتضمنان الكثير من أسرار الزّكاة وأهدافها الكبيرة، وهما: التّطهير والتّزكية، اللّتان وردت بهما الآية الكريمة: {خُذْ مِنْ أمْوَالِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وتُزَكِّيهِم بها}. وهما يشملان كلّ تطهير وتزكية، سواء كانا ماديين أو معنويين، لروح معطي الزّكاة ونفسه، أو لماله وثروته.
فرض نبيّنا الكريم صلّى الله عليه وسلّم زكاة الفطر من أجل كفاية جميع الفقراء وإغنائهم عن ذلّ السؤال في يوم العيد الّذي هو يوم ضيافة الله تعالى للمؤمنين.
واتّفق الفقهاء على أنّ مشروعية إخراج زكاة الفطر من الأنواع الّتي وردت في الحديث المتفق عليه عن ابن عمر رضي الله عنهما: “فرض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زكاة الفطر من رمضان، صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير”.
والأنواع الّتي وردت في الحديث المتفق عليه عن أبي سعيد رضي الله عنه: “كنّا نخرج زكاة الفطر صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من أقط، أو صاعًا من زبيب”، إلاّ أنّ أكثر النّاس في الوقت الراهن لا يعتبرون هذه الأصناف مغنية لهم عن السّؤال في يوم العيد، فهم يحتاجون إلى النقود كي يشتروا بها الطّعام المناسب والكساء اللازم ويسدّون بها ديونهم.
والمتأمّل في هذه العبادة يجد أنّ فلسفتها لا تقتصر على إشباع الفقراء فقط، وإنّما لتسدّ النّقص والفجوات الّتي أهملها الصّائم عند تأديته لفريضة الصّوم، فلربّما أنّ المسلم صام شهر رمضان بأكمله ولكن هناك بعض المكروهات قد ارتكبها، أو أنّ هناك بعضًا من ذنوبه لم تُغتفر، أو قصّر ببعض الواجبات أو فاتته بعض المستحبّات، لذلك مَنّ الله سبحانه برحمته وكرمه وهيّأ لنا فرصة أخرى للتّعويض، وغسل الذّنوب، وتكفير السيّئات، وزيادة رصيد الحسنات، بفرضِه لهذه العبادة بعد شهر الصّيام.
ومن آثار هذه الشّعيرة أيضًا: تحقيق العبودية لله تعالى، وهو كما يتعبّد لله سبحانه بإقامة الصّلاة، يتعبّد له بإيتاء الزّكاة، يبتغي مرضاته ويرجو مثوبته، ولهذا يجتهد أن يؤتي الزّكاة طيّب النّفس، خالص النيّة داعيًا ربّه أن يتقبّلها منه، وأن يجعلها عليه مغنمًا ولا يجعلها عليه مغرمًا. إلى جانب تطهير النّفس من الشحّ، على اعتبار الشحّ آفة خطرة على الفرد والمجتمع، لأنّها قد تدفع مَن اتّصف بها إلى الدمّ فيسفكه، وإلى الشّرف فيدوسه، وإلى الدِّين فيبيعه، وإلى الوطن فيخونه. كما تحلّ الطّهارة والبركة في الإنسان، قال الله تعالى: {خُذْ مِن أمْوَالِهم صَدقَة تُطَهِّرُهم وتُزَكّيهم بها}. وتقيه من الآفات كالضّياع والسّرقة، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “حَصِّنُوا أموالكم بالزّكاة”.
كما أنّها تدريب على الإنفاق والبذل، فالمسلم الّذي يتعوّد الإنفاق وإخراج زكاة زرعه كلّما حصد، وزكاة دخله كلّما ورد، وزكاة ماشيته ونقوده وقيم أعيانه التجارية كلّما حال عليه الحول، يخرج زكاة فطره كلّ عيد من أعياد الفطر.
وهذا المسلم يصبح الإعطاء والإنفاق صفة أصلية من صفاته وخُلقًا عريقًا من أخلاقه. ومن ثمّ كان هذا الخُلق من أوصاف المؤمنين المتّقين في نظر القرآن {آلم * ذلك الكتاب لا رَيْبَ فيه هُدًى للمتّقين * الّذين يؤمنون بالغيب ويُقيمون الصّلاة وممّا رزقناهم يُنفقون}. فمَن اتّصف بهذه الصّفة فإنّه أبعد ما يكون من أن يعتدي على مال غيره ناهبًا أو سارقًا، فإنّه ليصعب على مَن يعطي من ماله ابتغاء رضا الله أن يأخذ ما ليس له، ليجلب على نفسه سخط الله عزّ وجلّ.
وهناك مكافأة أخرى مادية مالية من الله سبحانه للصّائمين بعد أن أجهدوا أنفسهم بالإمساك عن الأكل والشرب، واستقطعوا في آخر الشّهر جزءًا من أموالهم للمستحقين، تتمثّل هذه المكافأة بمضاعفة هذا المال القليل المستخرج، قال الله تعالى: {مَثَلُ الّذِين يُنْفِقُون أمْوَالَهُم فِي سَبِيل اللهِ كَمَثَلِ حبَّةٍ أنْبَتَت سَبْع سَنابِل فِي كلّ سُنبلة مِئة حبّة واللهُ يُضاعِف لمَن يَشاء}.