اخبار المغرب

“الاحتكار الخوارزمي”.. هل يتحول الذكاء الاصطناعي إلى منفعة عامة رقمية؟

تُعد أنظمة الذكاء الاصطناعي، من بين الركائز الرئيسية في معالجة التحديات المعقدة والمترابطة في العالم، مثلما جرى في معالجة تداعيات جائحة “كورونا”، وأزمات القطاع المالي. وبالرغم من هذه الأهمية، فإن تصميم وتطوير الابتكارات الرقمية يحدث غالباً في الاقتصادات المتقدمة، بينما لا يزال الاهتمام به محدوداً داخل الدول النامية، خاصة مع احتكار الخوارزميات من قبل الشركات الكبرى، مما يؤثر في استخدامات الذكاء الاصطناعي للصالح العام الرقمي.

من هنا، يسعى الكاتب غوراف شارما في دراسته المنشورة بمؤسسة Observer Research Foundation في فبراير 2023 إلى توضيح إمكانية تحويل الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر إلى منفعة عامة رقمية، بحيث يكون حلاً قابلاً للتطبيق في مختلف القطاعات الاجتماعية والاقتصادية، مع تحقيق أكبر استفادة ممكنة من التقدم التقني والتكنولوجي لتفيد أعداداً أكبر من السكان في جميع أنحاء العالم.

الصالح العام الرقمي

لأنظمة الذكاء الاصطناعي أهمية في القطاع المالي؛ إذ أنها تسهم في عمليات أتمتة المهام المتكررة واكتشاف الاحتيال وسرقة البيانات ومعالجتها، وهو الأمر الذي يمكن تحقيقه في القطاعات الاجتماعية المتباينة كالصحة والتعليم، فيما يُعرف باسم “الصالح العام الرقمي” “DPG” “Digital Public Good”. لكن تطويع الذكاء الاصطناعي للصالح العام الرقمي تواجهه صعوبات بسبب احتكار الأنظمة الخوارزمية وملكية الشركات الخاصة لها، واحتكامها لمبدأ الملكية الفكرية.

مع ذلك، فإن مواجهة هذا الاحتكار أمر ذو أهمية كبيرة لدول العالم عبر تكريس دعم مبدأ الذكاء الاصطناعي من أجل دعم الخير الاجتماعي، أي استخدام التطبيقات التقنية لدعم رفاهية المجتمعات، والتي تشمل أطر التصميم والتقييم وكذا المبادرات السياسية التي تركز على الاستفادة من الأفراد، وذلك لما يُجسده مبدأ الذكاء الاصطناعي من تكتيك لتعزيز وتطوير السياسات المختلفة التي تخدم المصلحة العامة.

من جانب آخر، يُعد قطاع الرعاية الصحية من أهم المجالات التي يتم توظيف الذكاء الاصطناعي لتدعيمها لكافة المواطنين، عبر إنشاء البيانات حول الإنسان والكشف عن الأمراض المختلفة، كما هو الحال بالنسبة لدورها في تتبع تفشي فيروس “كورونا”، إلى جانب توظيف البيانات التي يتم الوصول إليها حيال الأمراض المختلفة لمعالجتها مثل مرض السل الذي يتطلب بيانات الأشعة السينية ومجموعة منظمة من البيانات الصحية.

تحديات العالم النامي

يواجه توظيف أنظمة الذكاء الاصطناعي للصالح العام الرقمي في الدول النامية تحديات عديدة منها: جمع البيانات، وتوحيدها، وحمايتها، علاوة على وجود فجوة في إدراج النماذج الخاصة بأنظمة الذكاء الاصطناعي وتطبيقها في القطاعات التي تضم مجموعات البيانات الخاصة بالقطاعات الاجتماعية كثيفة العمالة مثل الرعاية الصحية والتعليم والتغذية، علاوة على كون ذلك النهج لم يحظ بعد باهتمام كافٍ في بلدان الجنوب العالمي “البلدان النامية” التي لا تزال قطاعات كبيرة فيها تعاني عجزاً في الوصول إلى الإنترنت.

اتصالاً بذلك؛ فإن هناك حدوداً لمشاركة المعرفة بين دول الشمال والجنوب حول نشر واستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي في القطاعات الاجتماعية والاقتصادية، ويعزى ذلك إلى أن معظم حالات استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي ضيقة في تطبيقها ومصممة لحل مشكلة محددة وبالتالي يصعب تكرارها في سياقات أخرى. على سبيل المثال، يعمل مشروع “سونراك” الخاص بتقدير الإمكانات الشمسية على السطح في أجزاء مختلفة من الولايات المتحدة الأمريكية بشكل جيد في تلك الأماكن لكن قد لا يكون قابلاً للنشر بسهولة في الأماكن غير المنظمة في مدن مثل دلهي في الهند.

كذلك، قد لا تكون مشاريع الذكاء الاصطناعي الممولة في الدول الغربية بالضرورة استجابة للاحتياجات الفعلية للاقتصادات النامية، فعلى سبيل المثال، أنشأت وزارة الزراعة الأمريكية “طبقة بيانات الأراضي الزراعية” السنوية باستخدام بيانات الأقمار الاصطناعية؛ مما يساعد في تقدير المحاصيل، مع ذلك، فإن هذا الأمر قد لا ينطبق على بلدان مثل الهند، حيث تكون الأراضي الزراعية أصغر، والأنواع على مستوى المزرعة أكثر تنوعاً، والممارسات الزراعية أكثر تبايناً.

إضافة إلى ذلك، فإن البحوث التقنية حول أنظمة الذكاء الاصطناعي في البلدان المتقدمة قد يصعب تطبيقها في الاقتصادات النامية. فإذا كان استخدام تلك الأنظمة يتم على نطاق واسع في الخدمات والتأمين المصرفي في بلدان مثل المملكة المتحدة وسويسرا لما تمتلكه من أطر تنظيمية وتشريعية، فإن هذا الأمر يغيب عن دول العالم النامي إلى جانب صعوبة تطبيق الذكاء الاصطناعي في القطاعات الاجتماعية مثل الرعاية الصحية.

وبالرغم من عمليات تطوير الأبحاث الأولية حول أنظمة الذكاء الاصطناعي وتوظيفها كصالح عام رقمي من جانب الشركات الكبرى المتخصصة في مجال التكنولوجيا، إلا أن هناك تحديات تجابه ذلك، من أبرزها:

عدم توفر البيانات المفتوحة، ففي ظل غياب الأطر التي تحكم البيانات المحلية والخصوصية في دول العالم النامي، من الصعب العمل على البيانات الشخصية واستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي لدعم “الصالح العام الرقمي”. لذا، فإن ندرة مجموعات البيانات من بلدان العالم النامي تعد حاجزاً لتحديد أنظمة الذكاء الاصطناعي على أنها خدمة عامة رقمية. إلى جانب أنه يتم تدريب هذه الأنظمة الحالية على مجموعات البيانات من دول الشمال العالمي وقد تفشل في حساب الحساسيات الاجتماعية والثقافية عند تطبيقها على البلدان النامية.

تعقيدات أنظمة الذكاء الاصطناعي، إذ تمثل هذه التعقيدات حاجزاً أساسياً لتبني أنظمة الذكاء الاصطناعي من قبل القطاع العام في البلدان النامية، ومن ثّم يصعب الاستفادة منها في العديد من المجالات العامة ومنها التخطيط الإداري. لذا فإن اعتماد أنظمة الذكاء الاصطناعي في المجالات العامة كالصحة والتعليم وغيرها أقل جاذبية، لضعف ثقة الحكومات في تلك الأنظمة.

غياب المُساءلة والخصوصية: حيث إن معظم سلاسل القيمة العالمية من الذكاء الاصطناعي “غامضة” و”غير قابلة للمساءلة”، وذلك لكون أبحاث تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي لا تزال تقوم بها شركات التكنولوجيا الكبرى ومختبرات المؤسسات العامة الكبرى، وفي ظل غياب التشريعات الخاصة بتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي، فإن هناك عدم إلزامية لشركات التكنولوجيا الكبرى بحماية خصوصية البيانات الشخصية.

مقترحات أساسية

وضعت الدراسة جملة من المقترحات التي تدعم تطبيق وتفعيل أنظمة الذكاء الاصطناعي كآلية رقمية تطبق على السلع والخدمات العامة، ومن أبرزها ما يلي:

تعزيز أنظمة الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر، بحيث يسهم ذلك في مواجهة تحديات القطاع الاجتماعي في البلدان النامية، بل ويوازن في الوقت ذاته من نقص موارد الذكاء الاصطناعي الرئيسية مثل قوة الحوسبة والخبرة الفنية والميدانية، كما يعزز من الابتكار عبر فتح نماذج ضخمة للذكاء الاصطناعي نظراً لأن معظم الشركات الناشئة في هذا المجال لا تملك الموارد المالية لبناء مثل هذه النماذج الضخمة. وبالتالي قد يمثل المصدر المفتوح، والذي بحكم تعريفه، لا يميز ضد الأشخاص أو المجموعات، نقطة انطلاق جيدة لأنظمة الذكاء الاصطناعي. إلا أن ذلك الأمر له خطورته المتمثلة في التعرض للهجمات الإلكترونية وانتهاكات الخصوصية، ولكن مكاسبه الاجتماعية الإجمالية تتجاوز العيوب المحتملة.

تعزيز الشراكات العالمية متعددة الأطراف، والتي تدمج بين الدول الغنية والنامية، مع السعي نحو إطلاق الخطوات الأولية في مناقشة استراتيجية صنع أنظمة الذكاء الاصطناعي والسلع العامة، وتعزيز التطوير المسؤول للذكاء الاصطناعي واستخدامه مع احترام حقوق الإنسان والقيم الديمقراطية، الأمر الذي يعزز من توحيد ومشاركة الجهود وخلق مساحة للحوار والبحث في نقل أنظمة الذكاء الاصطناعي إلى ساحة المنافع العامة الرقمية، كما تساعد تلك الآلية في حوكمة الذكاء الاصطناعي بحيث يتم تضمين أنظمته ضمن أخلاقيات السلع العامة المتمثلة في “عدم الاستبعاد والمنافسة” وجمع الدعم لتطوير منصات أنظمة الذكاء الاصطناعي.

اتباع نهج التوافق وإعادة الاستخدام المتضمنة “إمكانية الوصول، وقابلية التشغيل البيني” وسهولة البحث والاطلاع، حيث يُعد ذلك النهج عاملاً رئيسياً في دعم ممارسة أنظمة الذكاء الاصطناعي والابتكار والبحث، إلى جانب أنه يُساعد في تمثيل البيانات بشكل أفضل، فضلاً عن وضع أحكام الوصول إلى نماذج وبيانات الذكاء الاصطناعي في سياق عدم الضرر، لذلك، يمكن إطلاق “الإعلان العالمي بشأن الذكاء الاصطناعي” الذي يضع المعايير الأخلاقية وثيقة الصلة.

ختاماً، تنظر الدراسة إلى أن التطورات التي حققتها أنظمة الذكاء الاصطناعي لا بد أن يكون لها تأثير أكثر انتشاراً على أعداد كبيرة من السكان في جميع أنحاء العالم، وهو الأمر الذي يتطلب الربط بين مفاهيم سياسات التنمية لأنظمة الذكاء الاصطناعي، ولعل تلك الخطوة تبدأ بتصميم نظام ذكاء اصطناعي للقطاعات الاجتماعية، أي تحويله لدعم الصالح العام الرقمي، مع تطبيق المُساءلة الحكومية ووضع ممارسات أخلاقية ومسؤولة للذكاء الاصطناعي تكون شاملة وتتضمن تقييم المخاطر وتطلعات البلدان النامية، وهو أمر ما بات ضرورياً في ضوء الحاجة للاستثمار في مجتمع الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر من منظور الاستخدام العام.

*المصدر:

Gaurav Sharma, A.I. Systems As Digital Public Goods: Exploring The Potential Of OpenSource A.I., Issue Brief, Observer Research Foundation, Issue No. 612, February 2023.

** مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *