رهـــانــات الدورة الثانية للبرلمان اليوم 24
طبقا لأحكام الفصل 65 من الدستور تفتتح الدورة التشريعية الثانية يوم الجمعة الثانية من شهر أبريل المتزامن هذه السنة مع تاريخ 14 منه. وتكمن خصوصية هذا الافتتاح الدستوري في عقد جلسة خاصة بكل مجلس من مجلسي البرلمان يعزف خلالها النشيد الوطني، انسجاما مع مقتضيات النظامين الداخليين.
ويتضح على نحو الإجمال، أن سياق هذه الدورة لا يختلف عن السياق العام للدورات السابقة برسم الولاية التشريعية الحالية، إذ تعد موسومة بأزمة الغلاء، في كل شيء تقريبا، ومقرونة بتزايد مظاهر القلق الاجتماعي والسياسي والاحتجاج الالكتروني بشأنها، مع بروز أجواء متشنجة وصراعات لا طائل منها، تستنزف الوقت والجهد وتربك فرص تثمين الاختلاف والتعاون بين الفرقاء لتعزيز الثقة في المؤسسات وترسيخ الاحترام المتبادل والمسؤولية المشتركة التي تنتج النجاح للوطن والمواطنين.
أما من زاوية بوصلة الأداء البرلماني والحكومي، فهي مقيدة بضرورة تركيز الجهد الجماعي حول ثلاثة أبعاد محددة بالخطاب الملكي السامي الافتتاحي لأول دورة من الولاية، ويتعلق أولهما بتحصين السيادة الوطنية الصحية والطاقية والغذائية لتعزيز الأمن الاستراتيجي للبلاد، وثانيهما بمواصلة انعاش الاقتصاد وتحفيز الاستثمار المنتج، وثالثهما بإطلاق مشاريع إصلاحية جديدة لتنزيل النموذج التنموي، وتشمل إعادة النظر في بنية ووظائف المندوبية السامية للتخطيط بما يجعلها قادرة على مواكبة تنفيذ هذا النموذج واعتماد بدائل حديثة للتتبع والتقويم.
كما أن رهانات هذه الدورة التشريعية متعددة ومتجددة وبالغة الأهمية من منطلق محددات دستورية وموضوعية تستوجب مضاعفة مجهود المؤسسة البرلمانية وتعزيز أدائها وتعاونها في مجالات التشريع والمراقبة وتقييم السياسات العمومية، بما يحقق مساهمتها النوعية والمثمرة في معالجة إشكاليات ارتفاع الأسعار وندرة المياه وعوائق الاستثمار وغيرها، فضلا عن إثبات مدى فعالية هياكلها وتفاعلها وقدرتها على تقديم الحلول المواطنة والمبدعة لمختلف القضايا والانشغالات التي تؤرق المواطنات والمواطنين ولا تقبل مزيدا من الانتظارية والتعويم في جدل عقيم.
لذلك سنحاول مقاربة أهم رهانات وانتظارات هذه الدورة، من زاوية وظائف التشريع والمراقبة والتقييم، قبل إثارة ملاحظة تخص أداء المعارضة البرلمانية.
أولا: من حيث الرهانات التشريعية
وبخصوص المبادرات التشريعية الحكومية، فإن (31) مشروع قانون قيد الدرس بالبرلمان (25 بمجلس النواب و06 بمجلس المستشارين)، من ضمنها 08 مشاريع قوانين موافق عليها من لدن أحد المجلسي في انتظار إتمام دراستها بالمجلس الآخر (أي ما يناهز 25%).
ويمكن تحديد مشاريع القوانين المعروضة للدراسة كما يلي:
07 مشاريع قوانين مودعة قبل الولاية الحالية لم تبرمج بعد دراستها، وتهم تنظيم حق الإضراب وتعديل قانون الصحافة والنشر ومدونة التعاضد ومكافحة الاضطرابات العقلية ومزاولة مهن محضري ومناولي المنتجات الصحية واتفاقيتين متعددتي الأطراف لتبادل الإقرارات والمعلومات المتعلقة بالحسابات المالية، إضافة إلى مشروع قانون من الولاية السابقة أنهت اللجنة المعنية مناقشته التفصيلية قبيل اختتام الدورة السابقة ويهم الهيأة الوطنية للصيادلة.
05 مشاريع قوانين جاهزة لعرضها على الجلسة العامة بمجلس النواب، وتشمل مشروعين وافق عليهما مجلس المستشارين في الدورة السابقة بشأن إحداث المجموعات الصحية الترابية، ونظام التأمين الإجباري عن المرض الخاص بالأشخاص القادرين على تحمل واجبات الاشتراك الذين لا يزاولون أي نشاط، ومشروعين لإحداث وكالتين عموميتين للدم ومشتقاته وللأدوية والمنتجات الصحية، فضلا عن مشروع قانون معدل في إطار قراءة ثانية لمجلس النواب يهم مدونة التجارة وسن أحكام انتقالية خاصة بآجال الأداء.
ويضاف إلى ذلك مشروع قانون في مرحلة جد متقدمة من الدراسة بشأن إحداث الهيأة العليا للصحة (أنهيت مناقشته التفصيلية) و 13 مشروع قانون لم يشرع بعد في دراسته، وتهم: 07 مشاريع قوانين يوافق بموجبها على اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف لتعزيز التعاون الإفريقي والعربي والدولي، ومشروع قانون الموارد البشرية في الوظيفة الصحية، وكذا 05 مشاريع قوانين عادية أودعتها الحكومة خلال الفترة الفاصلة بين الدورات حول تصفية تنفيذ قانون مالية2021،،ومكاتب المعلومات الائتمانية، وتعديل قوانين قائمة تتعلق بهيئات التوظيف الجماعي للرأسمال وبأكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات وبالخبراء القضائيين.
03 مشاريع قوانين مودعة بالأسبقية بمجلس المستشارين، يتعلق أولهما بالشركات الجهوية متعددة الخدمات (جاهز لعرضه في جلسة عامة) وثانيهما بتعديل ظهير بشريف بسن النظام الأساسي للتعاون المتبادل ، الذي يهم القطاع التعاضدي ، وثالثهما باتفاقية منظمة العمل الدولية لسنة 1992 حول حماية مستحقات العمال عند إعسار صاحب عملهم، بالإضافة إلى مشروع قانون يتعلق بتعيين المتصرفين المستقلين في الأجهزة التداولية للمقاولات العمومية (كما وافق عليه مجلس النواب).
ومن الرهانات الملاءمة التي يمكن للفاعلين المعنيين رفعها نشير إلى رهان تجاوز الكوابح المصلحية التي عرفتها بعض النصوص التشريعية وتفعيل مسطرة التشريع المتعلقة بها، ونخص منها تلك المتعلقة بتنظيم حق الإضراب وتعديل قانون الصحافة والنشر ومكافحة الاضطرابات العقلية، وإلى رهان استكمال دراسة النصوص التشريعية ذات الطبيعة التقنية والتي لا تثير في غالبيتها جدل سياسي، بالإضافة إلى نصوص تشريعية أخرى ستعرض للدراسة البرلمانية لاحقا بعد مصادقة الحكومة عليها كمشروع قانون تنظيم وتدبير المؤسسات السجنية. دون أن ننسى الرهان المتعلق باستكمال وتفعيل المنظومة التشريعية لمؤسسات الحكامة والديموقراطية التشاركية، وذلك بتسريع إخراج النص القانوني المتعلق بمجلس الجالية المغربية بالخارج، تطبيقا لأحكام الفصل 163 من الدستور.
كما لا يمكن إغفال رهان الدفع في استكمال الإقامة الفعلية للمؤسسات الاستشارية التي لم تخرج بعد لحيز الوجود رغم أهمية الاستشارات والخبرات التي يمكن أن تسهم بها في إبداع حلول لعدة مشاكل وقضايا، كما هو الحال بشأن للمجلسين الاستشاريين للأسرة والطفولة وللشباب والعمل الجمعوي. وكذا تفعيل باقي الالتزامات التشريعية المهمة ، كإصلاح القانون الجنائي والمسطرتين المدنية والجنائية ومدونة الأسرة، ومراجعة مدونة الشغل واعتماد قانون للنقابات، مع تعزيز المنظومة التشريعية لحماية الأمن الغذائي وتكريس المنافسة الاقتصادية المواطنة والمتوازنة وإبداع أجوبة تشريعية للتفاوت الطبقي والمجالي وثقل الاكراهات الاقتصادية والاجتماعية.
أما بخصوص المبادرات البرلمانية، فإن عدد مقترحات قوانين أعضاء البرلمان المعروضة للدراسة على مستوى اللجان الدائمة يتجاوز حاليا ما مجموعه 250 مقترح قانون
وإذا كان يسجل انتظام دورية انعقاد الاجتماعات الحكومية المخصصة لدراسة مقترحات القوانين لتحديد موقف حكومي بشأنها، فإنه لا يمكن إغفال إثارة رهان معالجة الشح البين في برمجة تقديم ومناقشة هذه المقترحات على مستوى البرلمان، بغض النظر عن مضمون الموقف الحكومي بشأنها، حيث نجد أن أزيد من 80 % من مقترحات القوانين لم تبرمج بعد لتقديمها ومناقشتها ، بما يثير كذلك رهان تجاوز هيمنة الهاجس الكمي في إنتاج المبادرات البرلمانية، لأن الأهم ليس فقط عدد مقترحات القوانين بل الأهم من ذلك هو جودتها وجديتها القانونية والمجتمعية، فضلا عن أهمية الدفع في تفعيل المناقشة المؤسساتية البرلمانية لمضامينها والتصويت عليها بالقبول أو بالرفض أو بسحبها كلما تناغم التقدير البرلماني والسياسي مع موقف الحكومة التي لا تملك في نهاية المطاف سلطة التصويت عليها.
ثانيا: من حيث الرهانات الرقابية
يمكن إثارة التطلع المتجدد لرفع دينامية وجاذبية جلسات الأسئلة البرلمانية، من حيث جودة القضايا والمواضيع التي تعالجها ومن حيث جدية التفاعل معها ومعالجتها الحقيقية.
فعلى مستوى الأسئلة الموجهة لرئيس الحكومة حول السياسة العامة، فمن المفترض أن تخصص جلساتها الشهرية لمناقشة مواضيع حيوية سبق إدراج التزامات بشأنها في البرنامج الحكومي، لاسيما أن الأمر من حيث الزمن الرقابي والسياسي يهم الدورة العادية الأخيرة من السنة الثانية للحكومة.
ومن أهم قضايا السياسة العامة التي تكتسي مراقبتها البرلمانية وتتبعها المجتمعي أهمية بالغة نذكر، على سبيل المثال، ما يهم إخراج مليون أسرة من الفقر والهشاشة، وحماية وتوسيع الطبقة الوسطى، وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، وإحداث الدخل الاجتماعي لتماسك وكرامة الأسر وتعويضات المعوزة منها وكذا تعزيز الشفافية وتكافؤ الفرص.
و على مستوى الأسئلة الموجهة للوزراء، فيتعين مواصلة دينامية جلساتها الأسبوعية بشحنة سياسية حقيقية ومتجددة تثري النقاش العمومي في قضايا تستأثر باهتمام كبير، مع تأمين برمجة كل قطاع من القطاعات الحكومية مرة واحدة على الأقل كل شهر والدفع في تجنب التكرار والطابع الروتيني في فحوى الأسئلة وأجوبتها،
ومن جهة أخرى فإن هذه الدورة كذلك تعد مختبرا أوليا لتقييم الامتثال للمقتضيات التي تروم عقلنة تناول الكلام في إطار نقطة نظام وتفادي تحويلها إلى آلية مهدرة للزمن الرقابي وشاردة عن المقصد الرقابي الدستوري للجلسات.
كما أن رفع نسبة الأسئلة الكتابية المجاب عنها من لدن الوزراء وتجويد مضامينها تعد رهانا دائما في ظل هيمنة وتزايد الاعتماد البرلماني على هذه الآلية الرقابية وتعذر التقيد المطلق والكامل بالأجل الدستوري المحدد للجواب عنها.
وتبعا لاستقصاء وضعية الأسئلة الكتابية برسم الولاية الحالية (إلى متم 5 أبريل 2023) يتبين أن الرصيد الحالي يشمل ما مجموعه 8647 سؤالا كتابيا مجابا عنه (بما نسبته 68.86 %) وما مجموعه 3910 سؤالا كتابيا متبقيا في انتظار الجواب (بما نسبته 31.13 %)، دون إغفال ملاحظة تفاوت مستويات التفاعل الرقابي للقطاعات الحكومي، مع الإقرار بأهمية الجهد المبذول لاستدامة التطور الإيجابي في نسب الأسئلة المجاب عنها.
أما على مستوى اللجان الرقابية، فمن المفترض أن تشكل محاضن برلمانية علنية للمناقشة المستفيضة لمواضيع رقابية وطارئة وعاجلة تستأثر باهتمام الرأي العام الوطني وتستوجب إلقاء الضوء عليها، مع أهمية رفع جاهزية التجاوب مع طلبات الفرق والمجموعات النيابية بشأنها باعتبارها فرصة مواتية للوقوف على الأداء الحكومي ونقط قوته وضعفه والاصغاء لوجهات النظر المتعددة ولمقترحات الحلول الممكنة.
وعلاقة بالمهام الاستطلاعية المؤقتة للجان الرقابية، فمن المتعين استثمار هذه الدورة لاستكمال المسطرة المتعلقة بعرض ومناقشة تقارير المهام الاستطلاعية المتعلقة بتنظيم عملية مرحبا، وشبكات توزيع وتسويق المنتجات الفلاحية، وواقع مراكز وفضاءات التخييم ،وذلك على مستوى الجلسة العامة لتنوير الرأي العام حول أشغالها ونتائجها واقتراحاتها لإثراء وتقويم المجهود الحكومي، مع استكمال مهام استطلاعية أخرى قيد الإنجاز، ومنها ما يهم وضعية الأحياء الجامعية.
كما نثير في هذا الصدد إشكالية غياب بوادر لتشكيل لجان نيابية مؤقتة لتقصي الحقائق رغم أهميتها وقوتها الرقابية، حيث نسجل استمرارية هيمنة نزوع برلماني لتشكيل مهام استطلاعية ومجموعات موضوعاتية، في مقابل عدم تشكيل ولو لجنة واحدة، منذ بداية الولاية الحالية، لتقصي الحقائق بما يكفل جمع معلومات حول بعض الوقائع أو المرافق العمومية واطلاع البرلمان على نتائج أعمالها مع مناقشة تقريرها في جلسة عامة.
وبشأن الاختصاص البرلماني في مجال تقييم السياسات العمومية، يتوقع عقد الجلسة الدستورية السنوية المخصصة بمجلس النواب لتقييم “الخطة الوطنية لإصلاح الإدارة” وبمجلس المستشارين لتقييم “التعليم والتكوين ورهانات الإصلاح”، فضلا عن مواصلة أشغال مجموعات موضوعاتية مؤقتة مكلفة بتقييم السياسات المتعلقة بالماء وتطبيق قانون محاربة العنف ضد النساء (مجلس النواب)، وبالبرامج الموجهة للأشخاص في وضعية إعاقة، و”التنمية الجهوية ومناخ الأعمال” (مجلس المستشارين). وذلك بهدف بلورة وتقديم الرؤية البرلمانية المقترحة للتعامل معها ومعالجتها.
ويستوجب هذا الاختصاص الحيوي بذل مجهود مضاعف لإضفاء مزيد من العقلنة والمهنية العلمية الكافية لتجويد تقاريره وتركيز توصياته في نقط قليلة أساسية ومحددة بدقة وواقعية وقابلة للتنفيذ والقياس وضامنة لتحسين وتصويب السياسات العمومية.
كما نثير ضرورة التقيد العملي بتفعيل الأحكام الدستورية والقانونية التي تلزم البرلمان بمناقشة تقارير سنوية لأعمال مؤسسات وهيئات الديموقراطية التشاركية والحكامة والضبط فيما بين أعضاء كل مجلس والحكومة. وذلك لتمكين الرأي العام والمهتمين من معرفة زوايا النظر البرلماني في الجلسة العامة بشأنها، لاسيما لتعلق مجالات تلك التقارير بالتدبير العمومي، كما هو شأن أعمال المجلس الوطني لحقوق الإنسان ومؤسسة الوسيط والمجلس الأعلى للتربية والتكوين والهيأة العليا للاتصال السمعي البصري ومجلس المنافسة والهيئة الوطنية لضبط الكهرباء.
ثالثا: رهانات تعزيز أداء المعارضة البرلمانية
ومن جهة أخرى فإن إعمال النظر الموضوعي بشأن رهانات الدورة التشريعية الثانية لن يكتمل دون الإشارة إلى جسامة المسؤولية الدستورية المنوطة بالمعارضة البرلمانية ومساهمتها بفعالية في تقوية الأداء البرلماني وتأمين إبداع وتنفيذ أجود الحلول الممكنة والبدائل الواقعية لمختلف القضايا التي تهم الوطن والمواطنين.
وإذا كان يتعذر استبعاد تأثير الكوابح القانونية والذاتية والموضوعية المقيدة لمبادرات المعارضة من الناحية التشريعية والرقابية والسياسية، لاسيما في ظل واقع ضعف عدد أصواتها، وحقيقة الانتماء الجبري في اصطفاف جزء منها لجهة المعارضة البرلمانية، مع نقص رصيد النضال الاحتجاجي والسلوك المعارض في تجربة جزء منها، فإنه يتعين الإقرار بوجود رهانات متعددة مفتوحة أمام المعارضة لتثمين فرص الارتقاء بأدائها وتفعيل رسالتها الوطنية المحددة لها بموجب أحكام الفصل 10 من الدستور الذي ألزم الفرق المنتمية لها بواجب ” المساهمة في العمل البرلماني بكيفية فعالة وبناءة” وضمن لها مكانة مؤسساتية ودستورية واعتبارية “تخولها حقوقا، من شأنها تمكينها من النهوض بمهامها، على الوجه الأكمل، في العمل البرلماني والحياة السياسية”.
بيد أن الرهان الدستوري والسياسي على تكريس معارضة حيوية بناءة ومبدعة مؤثرة يقتضي بذل مجهود مضاعف من لدن فرق ومجموعات المعارضة البرلمانية للقرب من المواطن والتواصل المتجدد والمستمر معه ولإنتاج الحلول الواقعية والأجوبة السياسية المقنعة وتوسيع نطاق التعبير الحر والتعبئة المعقلنة لبيان وتوضيح مواقفها ووجهات نظرها واقتراحاتها ، وذلك بخطاب سياسي يرقى إلى مستوى تطلعات الوطن والمواطن ويكون قوي الارتباط بغاية التعاون والبناء وتعزيز دينامية المؤسسات وتوازنها ومتحرر من عقدة توازن الحسابات الحزبية والسياسوية الظرفية، لاسيما أن الدستور يكفل للمعارضة البرلمانية ” حرية الرأي والتعبير والاجتماع وتوضيح موقفها في وسائل الإعلام الرسمية في حيز زمني يتناسب مع تمثيليتها” و” المساهمة في تأطير وتمثيل المواطنات والمواطنين، من خلال الأحزاب المكونة لها”.
كما أن كسب رهان تقوية أداء المعارضة البرلمانية لتعزيز الأداء البرلماني والحكومي مشروط بمضاعفة وتجويد مبادراتها البرلمانية والسياسية، حيث يكفل لها الدستور “المشاركة الفعلية في مراقبة العمل الحكومي بمختلف وسائلها الدستورية والقانونية الممكنة وفي مسطرة التشريع، لاسيما عن طريق تسجيل مقترحات قوانين بجدول أعمال مجلسي البرلمان”، مع ملاحظة أن دلالة هذه المشاركة لا تتحقق بمجرد تسجيل أو إعادة تسجيل هذه المقترحات ضمن رصيد مقترحات القوانين المودعة بالبرلمان، بل تستوجب السعي المثمر لتحقق برمجة تقديمها ودراستها.
وبالإجمال، فإن ثقل التحديات المقترنة بارتفاع لهيب الأسعار والإكراهات المتعددة في الظروف الوطنية والتقلبات العالمية الحالية، ينبغي أن يؤول إلى فرصة نوعية ومواتية لمضاعفة وتجويد الأداء التشريعي والرقابي والتقييمي ولتبيان نجاعة المؤسسة البرلمانية وقدرتها الفعلية على استيعاب نبض المجتمع ومعالجة قضايا وانشغالات مستفزة ومؤرقة للمواطنات والمواطنين، مع الدفع في إبداع وتثمين الحلول المواطنة والناجعة لها. كما أن تعزيز المبادرات البرلمانية والسياسية للمعارضة وعدم تحجيم موقفها وحريتها ودورها الدستوري والوطني، سيظل مقياسا معياريا لرقي النقاش العمومي ولجدية الحوار المؤسساتي المثمر وشرطا ملزما لتأمين بناء نموذج تنموي تعددي وديموقراطي.
المصدر: اليوم 24