التنافس في مقامات الخير
ورد في بعض الآثار أن الفاروق رضي الله عنه قال: كنت أتمنى أن أسبق أبا بكر، فأمر النبي صلّى الله عليه وسلم بالصدقة يوما، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر، فجئت بنصف مالي، فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ماذا تركت لأهلك؟ قلت: تركت لهم مثله يعني نصف مالي، ثم جاء أبو بكر بصرة عظيمة فوضعها بين يدي النبي صلّى الله عليه وسلم، فقال له: ماذا تركت لأهلك؟ قال: تركت لهم الله ورسوله، فقال عمر رضي الله عنه: والله لا أسبقه إلى شيء أبدا.
لقد بث رسول الله صلّى الله عليه وسلم في أصحابه روح التنافس وخُلق التسابق ليرتقوا سلم الوصول، ورسم لهم أهدافا سامقة في أحاديث لا حصر لها، ومن ذلك قوله: “لا تنافس بينكم إلا في اثنتين: رجل أعطاه الله عز وجل القرآن فهو يقوم به بالليل والنهار، فيتتبع ما فيه فيقول الرجل: لو أعطاني الله مثل ما أعطى فلانا، فأقوم به مثل ما يقوم فلان، ورجل أعطاه الله مالا ينفق ويتصدق، فيقول رجل مثل ذلك»، ومنها: “من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين”، ومما رغب فيه صلّى الله عليه وسلم المنافسة على الصف الأول: “لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا”.
التنافس يسمو بصاحبه إلى المراتب السنية، خاصة حين يؤسس على نية صادقة، ويطهره من لوثات القلوب التي تفسد العمل وتجعله هباء منثورا. ويجمع كل ما مر ذكره قول الحق سبحانه: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}. والله الموفق.