المسيحيون والمسلمون معا لتعزيز المحبة والصداقة بقلم المطران يوجين مارتن نوجينت – السفير البابوي في الكويت
أيّها الإخوة والأخوات المسلمون الأعزاء،
يكتسي شهر رمضان أهمية كبيرة بالنسبة لكم، ولكن أيضا لأصدقائكم وجيرانكم ومعارفكم من أتباع الديانات الأخرى، وبخاصة المسيحيون. تتعزز الصداقات القائمة وتُبنى أخرى، ما يمهّد الطريق لعيش أكثر سلاما وانسجاما وبهجة. يتوافق هذا مع الإرادة الإلهية لجماعاتنا، وفي الواقع لكل أعضاء العائلة البشرية الواحدة وجماعاتها.
نحن ندرك، أيها الأصدقاء الأعزاء، أن العيش المشترك السلمي والودي يواجه العديد من التحديات والتهديدات: التطرف، الأصولية، الجدل، الخلافات والعنف بدوافع دينية. إن هذه التهديدات تغذيها ثقافة الكراهية، لذلك بات من الضروري أن نجد أنسب السبل لمواجهة هذه الثقافة والتغلب عليها، وفي المقابل تعزيز المحبة والصداقة، وبخاصة بين المسلمين والمسيحيين، بحكم الروابط الدينية والروحية التي تجمعنا. هذا هو السبب الذي من أجله رأينا أنه من المناسب مشاركتكم بعض الأفكار في هذا الصدد، آملين أن نتلقى نحن أيضا أفكاركم.
يبدأ كل شيء بموقفنا تجاه بعضنا البعض، لاسيما عندما تكون هناك اختلافات بيننا في الدين او العِرق او الثقافة او اللغة او السياسة.
يمكن اعتبار الاختلافات بمثابة تهديد، ولكن لكل فرد الحق في هويته الخاصة بمكوناتها المتنوعة، دون تجاهل المشتركات أو نسيانها: «فكل الشعوب جماعة واحدة ولها أصل واحد لأن الله هو الذي أسكن الجنس البشري بأسره على وجه الأرض كلها، ولهم غاية أخيرة واحدة وهي الله الذي يشمل الجميع بعنايته وشهادة جودته وتصاميم خلاصه إلى ان يتحد المختارون في المدينة المقدسة التي سينيرها مجد الله وستمشي الأمم هناك في نوره» (في عصرنا Nostra Aetate بيان حول «علاقة الكنيسة بالديانات غير المسيحية»، 28 أكتوبر 1965، رقم 1).
المواقف والسلوكيات السلبية تجاه من يختلف عنا عديدة للأسف: الشك والخوف والتنافس والتمييز والإقصاء، الاضطهاد والجدل والإهانات والاغتياب، على سبيل المثال لا الحصر.
إن منصات وسائل التواصل الاجتماعي هي مساحات معتادة لمثل هذه السلوكيات الضارة، ما يشكّل انحرافا في دورها من وسائل للاتصال والصداقة إلى أدوات للعداء والتقاتل. وفي هذا الصدد، قال البابا فرنسيس: «بينما يدافع الناس عن عزلتهم الاستهلاكية الخاصة والمريحة، يختارون ان يكونوا مقيدين باستمرار وبهوس. وهذا يساعد على ظهور أشكال غير اعتيادية من العدوانية، والإهانات، وسوء المعاملة، والإساءة، والكلام المؤذي لدرجة تشويه صورة الآخر، وبفجور ما كان ليوجد لو كان التواصل مباشرا بين الأشخاص دون ان ينتهي بنا الأمر بتدمير بعضنا البعض. إن العدوانية الاجتماعية تجد في الأجهزة المحمولة وأجهزة الكمبيوتر مجالا لا مثيل له للانتشار» (Fratelle Tutti)، 3 أكتوبر 2020، رقم 44).
إن نقيض السلوكيات السلبية المذكورة أعلاه هو الاحترام والطيبة والإحسان والصداقة والعناية المتبادلة للجميع والمسامحة والتعاون من أجل الخير العام ومساعدة كل من هُم في أي من أنواع الاحتياج، والاهتمام بالبيئة من أجل الحفاظ على «بيتنا المشترك» مكانا آمنا وبهيجا يمكننا فيه العيش معا في سلام وفرح.
ليس بإمكاننا التصدي لثقافة الكراهية ومكافحتها، وفي المقابل تعزيز ثقافة المحبة والصداقة، بدون تربية سليمة للأجيال القادمة في جميع الأماكن التي تتم تنشئتهم فيها: الأسرة والمدرسة وأماكن العبادة، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.
إن عالما يسوده العدل والسلام والأخوّة والازدهار يرضي الله القدير ويمنحنا الفرح، ويتطلب هذا منا بالتالي التزاما صادقا ومشتركا.
نتمنى لكم، أيها الإخوة والأخوات المسلمون الأعزاء، أن تنعموا في شهر رمضان بوافر بركات الله كلِّي القدرة، وأن تحتفلوا بعيد الفطر في الفرح الناتج عن طاعة الله وحبه تعالى وكل من تعيشون معهم أو تلتقون بهم.
المصدر: جريدة الأنباء الكويتية