“CHATGPT”.. مفهومه وطرق اشتغاله وإمكاناته وتأثيراته على المجتمع الإنساني
رغم المزايا العديدة التي يتيحها برنامج ‘‘تشات جي بي تي‘‘، الذي أطلقته شركة “أوبن إيه أي”، ورغم الشعبية الكبيرة التي حظي بها، بسبب قدرته على فهم النصوص وتوليد إجابات واقعية وبديهية لمختلف الأسئلة التي تطرح عليه، إلا أنه يطرح الكثير من الأسئلة المحيرة، عن مفهومه وطرق اشتغاله ونوع التكنولوجية المستعملة فيه ومدى احتكارها، كما ويفرز عدد من القضايا المثيرة للجدل، كمخاوف استخدامه في الإخلال بالخصوصية أو الأعمال الاحتيالية، ودحض المجهودات البشرية، وإمكانية تدريبه على القيام بتحيزات أو تمييز ضد بعض الأشخاص أو الجماعات.
لفهم كل هذا، ولمحاولة استشفاء أجوبة علمية للأسئلة التي يطرحها الموضوع، تستضيف جريدة “العمق”، الباحث في القانون العام والعلوم السياسية. والمختص في تأثيرات الرقمنة والذكاء الاصطناعي، محمد الخالدي.
بداية، ما هو شات جي بي تي GPT (Generative Pretrained Transformer)؟
يتعلق الأمر ببرنامج معلوماتي طورته شركة Open AI اعتمادا على خوارزميات التعلم العميق التي تسمح بالتفاعل مع أسئلة المستخدمين بشكل مشابه للمحادثات التي تتم بين البشر، وتقديم أجوبة منطقية انطلاقا من توليد أجوبة من خلال تحليل كل البيانات التي يمكنه الوصول إليه على الشبكة العنكبوتية بالإضافة إلى قاعة البيانات التي يقوم بتجميعها من أسئلة المستخدمين ومحادثاتهم معه.
هل هو اسم لتكنولوجيا تقنية أم لأداة؟
يشكل شات جي بي تي تكنولوجيا تقنية تم تطويرها من خلال تقنيات التعليم العميق كما يعتبر في نفس الوقت أداة تتفاعل مع المستخدمين وتقدم لهم أجوبة يتم توليدها من خلال تحليل ملايين البيانات هذا إلى جانب إلى أنها تدخل في كثير من تطبيقات الذكاء الاصطناعي مثل الترجمة الآلية التفاعلية.
هل يعد النظام التابع لشركة Open AI الوحيد من نوعه أم هناك أنظمة مشابهة ومنافسة؟
شات جي بي تي الذي طورته شركة OpenAI ليس البرنامج الوحيد من نوعه في هذا المجال، هناك برامج أخرى تم تطويرها من قبل مجموعة من الشركات الكبرى، مثل GOOGLE التي طورت برنامج bard باعتباره نموذجا للتعلم العميق مدرب مسبقا وقادر على حل العديد من مشكلات البرمجة اللغوية العصبية. وهناك برنامج Watson الذي تم تطويره من طرف شركة IBM في مجال التعلم العميق خصوصا في مجالات تفسير النصوص والصور والصوت والفيديو، وإنشاء أنماط لتحليل المشاعر ونمذجة المخاطر المالية واكتشاف الحالات الشاذة في البيانات.
كيف يعمل نظام شات جي بي تي والأنظمة المشابهة؟
تعمل هذه الأنظمة من خلال تطوير الشبكات العصبية الاصطناعية التي تقوم بتوليد استجابات لغوية انطلاقا من أسئلة المستخدم. وتجدر الإشارة إلى أن هذه البرامج يتم تدريبها على تحليل قواعد بيانات ضخمة وفهمها وتوليد أجوبة يتم تحسينها باستمرار من خلال تطوير خوارزميات التعلم العميق ومن خلال تحسين جودة البيانات التي يتم استثمارها.
من أين تستمد هذه الأنظمة معطيات أجوبتها ومدى مصداقيتها ودقتها؟
تستمد برامج الدردشة الألية معطيات أجوبتها من قواعد البيانات التي المتوفرة في الشبكة العنكبوتية بالإضافة إلى البيانات التي يتم تجميعها من أسئلة المستخدمين للبرنامج، ناهيك عن البيانات التي درب البرنامج عليها.
ترتبط مصداقية أجوبة برامج الدردشة الآلية بطبيعة وجودة قواعد البيانات التي يتم الاعتماد عليها من أجل توليد الأجوبة، بالإضافة إلى طريقة طرح الأسئلة ودقتها.
هل يمكن أن تصبح بديلا عن البحث التقليدي في محركات البحث؟
لا تشكل برامج بديلا عن محركات البحث التقليدي بل تقنيات مساعدة لتطوير هذه المحركات وجعلها أكثر فعالية. لذلك أصبحت من الممكن إضافة خاصيات الدردشة الآلية لهذه المحركات، مثل: https://chatgpt4google.com/ (ChatGPT for Google) كما أن هناك محركات بحث تدمج تقنيات الدردشة الآلية من قبيل: https://gptgo.ai/
هل يمكن للذكاء الاصطناعي تطوير هذه الأنظمة لتصل قدرة البشر في الاستنباط والتحليل؟
حاليا لا يمكن أن نقول إن برامج الدردشة الآلية تصل إلى قدرات الذكاء البشري في التحليل والاستنباط، لكن هناك سعي حثيث لتطوير هذه البرامج وجعلها تضاهي أو ربما تتجاوز قدرات الكثير من البشر.
الأكيد أن هناك تفاوت في قدرات التحليل والاستنباط بين البشر. لذلك فهذه البرامج تتجاوز قدرات الكثير من الناس لكن حتما لا يمكن أن تصل إلى ما يتمتع به الدماغ البشري من تعقيد ومن قدرة على التعامل مع وضعيات معقدة ومستجدة أو تلك تتطلب قرارا محكوما بقيم وأخلاقيات.
هل يمكن ان تحدث خطورة او تحديات على تطور المهارات الإنسانية أم ستكون محفزا لتطويرها وسقلها؟
إن طبيعة استعمال برامج الدردشة الآلية هي ما يحدد تأثيره على المهارات الإنسانية، فالاستعمال السطحي والاعتماد الكلي على أجوبة هذه البرامج ستؤدي حتما إلى نشر الاتكالية ويمكن أن تشكل عاملا معيقا لتطور مهارات المستخدمين، لكن التعامل مع هذه البرامج كأدوات مساعدة فقط سيؤدي بالإنسان إلى الاستثمار أكثر في أكثر المهام التي تتطلب ذكاء بشريا متقدما ومبدعا أو تلك التي تتطلب قدرة أكبر على اتخاذ القرار.
أما من ناحية المخاطر فهناك المخاطر الأمنية المرتبطة بتسريب المعطيات الشخصية وسوء استخدامها، وهناك المخاطر المرتبطة بالاعتماد الكلي على الأجوبة المقدمة من طرف البرنامج دون تدقيق أو مراجعة، ذلك أن الكثير الأجوبة المقدمة لا تحظى بنفس الدرجة من المصداقية، فذلك يرتبط بدرجة مصداقية قواعد البيانات التي يتم الاشتغال عليها. بل إن طريقة الأسئلة في حد ذاتها تؤثر على طبيعة الأجوبة ودقتها. هناك مسألة أخرى مرتبطة باختلاف المفاهيم والقيم من ثقافة إلى أخرى.
الأكيد أن برنامج جي تي بي تقنية تم تطويرها ويتم تطويرها كل يوم من أجل تحسين الأجوبة التي يقدمها للمستخدمين لكنها تظل مجرد أداة بيد الإنسان، يمكن أن يستثمرها بشكل آمن ومسؤول من أجل تطوير مهاراته كما يمكن أن يستعملها بشكل يؤثر بشكل سلبي على أدائه وقدراته.
المصدر: العمق المغربي