هل يوفر القانون الرياضي الحماية للاعبات كرة القدم بالمغرب ؟
سجلت دراسة أكاديمية حديثة بعض مظاهر التقصير الحمائي المتعلقة بحقوق المرأة اللاعبة في التشريع الوطني الرياضي.
واعتبر الباحث في القانون الرياضي، مهدي نويصري، في دراسته الأكاديمية، أن التحول لنظام الاحتراف مازال بالمقابل لم يرق على المستوى التشريعي للمستوى المطلوب إذ مازالت بياضات تشريعية تطال مجموعة من النصوص القانونية الرياضية وتكرس أحيانا تمييزا بين الجنسين في ممارسة النشاط الرياضي وحتى الحقوق المرتبطة به.
وأضاف: صحيح أن مسار كرة القدم النسائية عرف تحولا كبيرا منذ سنة 2015 في جوانب عدة، تنظيمية، لوجيستيكية، اقتصادية…. إلا أنه على المستوى التشريعي لا زالت النصوص القانونية لا تواكب هذا التحول ولا توفر الحماية القانونية اللازمة لبعض حقوق لاعبات كرة القدم خاصة ما يتصل بجوهر اللاعبة كإنسانة قبل الرياضية”.
وضع اللاعبة (الحامل الأم) في القانون الرياضي
سجلت الدراسة أنه رغم الجهود المنجزة لتطوير كرة القدم النسوية على مدار السنوات القليلة الماضية، إلا أن هذا التطور مازال لم يرقى للمستوى المطلوب خاصة ما يتصل بالحماية القانونية لحقوق اللاعبات والخصوصية التي ينفردن بها، فهن بموجب المادة 14 من القانون 30.09 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة أجيرات وبالتالي تخضع العقود التي يبرمنها مع الأندية لأحكام القانون 65.99 المتعلق بمدونة الشغل.
وشدد مهدي نويصري على أن طبيعة النشاط الرياضي والخصوصية التي تتمتع بها المرأة عنصران أساسيان يفرضان سن قواعد قانونية تحقق نوع من الحماية لحقوق المرأة اللاعبة خاصة ما يتعلق بالحق في الحمل والأمومة، إذ كانا دائما، على حد قوله، عاملين للتمييز في التشغيل بين الجنسين، نظرا لما يستوجبانه من انشغالات صحية واجتماعية تثقل كاهل المشغلين، مما يدفع بهؤلاء إلى تفضيل تشغيل الأجراء من الذكور والأجيرات العازيات عن الأجيرات المتزوجات.
وأشار الباحث إلى أن الأمر ذاته في مجال كرة القدم فالقواعد القانونية الرياضية يغيب عنها أي مقتضى قانوني لحماية هذه الحقوق حيث اكتفى المشرع بالإحالة على تطبيق مدونة الشغل، معتبرا هذا الأمر غير سليم كون النشاط الرياضي خاصة كرة القدم ينفرد بخصوصيات تفرض وضع قواعد قانونية رياضية مستقلة عن قانون الشغل.
وحسب الدراسة ذاتها فيمكن أن تتوقف سريان العقود التي تبرم بين اللاعبات والأندية على شرط عدم الحمل طيلة مدة العقد، اعتبارا لكون ممارسة كرة القدم تتطلب الحفاظ الدائم على اللياقة البدنية والنفسية، كما يمكن أن يتوقف سريان العقد على عدم كشف الفحص الطبي لأي إشارة قد توحي بوجود حمل محقق، موضحا أن مدونة الشغل لم تفصل في الآليات الحمائية للأجيرة الحامل تفصيلا دقيقا، وبالتالي يكون من الصعب، على حد تعبيره، على اللاعبات أن تثبتن التمييز أو أن رفض التعاقد معهن كان لسبب الحمل.
وأشارت الدراسة إلى أن النشاط الرياضي يتطلب مجهودا أكبر ولياقة بدنية عالية إضافة إلى الضغط العالي التي قد تتعرض لهن اللاعبات وهو ما يستوجب، على حد تعبيره، جعل الإجازة الأولى التي تسبق الوضع إلزامية حماية لصحة اللاعبة وجنينها، كما يتطلب الأمر علاوة على ما ذكر، حسب نويصري، إمكانية منح اللاعبات حق المراقبة المستمرة للحمل وإجراء الفحوصات الطبية ولو داخل فترات العمل وإن اقتضى الأمر التغيب مراعاة للمصلحة العامة و دون إعمال النظرة التقليدية للأجر التي تقوم على أساس قاعدة ” الأجر مقابل العمل”.
ونبهت أيضا أن هذه النظرة تشكل بدورها خرقا لحقوق المرأة فلا المشرع صرح ولا أشار لمصير أجر اللاعبات خلال فترة الأمومة، خاصة وأن العقد يتوقف مؤقتا في الحالة هذه وبالتبعية يتوقف الأجر ما دام أن الأصل في قانون الشغل” الأجر مقابل العمل”.
تفاوت وتمييز
استعرضت الدراسة عددا من مظاهر التمييز بين الذكر والأنثى إذ لازال هنــاك تفــاوت كبيــر فــي الرواتـب بيـن اللاعبين واللاعبات فـي كل أنحـاء العالـم رغم أن اللاعبات يؤدين نفس العمل وفي نفس المكان والظروف وبنفس الوسائل، وهو ما يعد في نظر مجموعة من اللاعبات تمييزا على أساس الجنس استنادا عليه لجأن للقضاء لرفع الضرر الذي لحقهن، حيث قدمت سيدات المنتخب الأمريكي لكرة القدم دعوى قضائية ضد الاتحاد الكروي الأمريكي بسبب عدم المساواة في الأجور مع نظائرهن الرجال، وانتزعت اللاعبات نصرا، وصف بالتاريخي، عندما أبرمن، اتفاقا مع الاتحاد الكروي الأمريكي بموجبه حصلن على نفس أجر لاعبي المنتخب الرجالي.
كما ذكر مهدي نويصري أن المنح المالية التي تخصص للفرق النسوية في المسابقات والمنافسات العالمية تشكل نوعا من الحيف، فهي أقل بكثير ممن هي مخصصة للرجال، مقدما المثال على ذلك بكأس العالم للسيدات سنة 2019 الذي أقيم بفرنسا، إذ حصل المنتخب الأمريكي النسوي الفائز به على منحة قدرها 4 ملايين دولار من الاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA) فيما المنتخب الأرجنتيني في كأس العالم بقطر سنة 2022 حصل على 42 مليون دولار، كما لا يقتصر الأمر فقط على المنح وإنما أيضا يمتد لعائدات الاشهارات والإعلانات وعقود الدعاية.
واعتبرت الدراسة ذاتها أن كرة القدم النسائية عانت من إهمال وسائل الإعلام لها وحتى الاتحاد الدولي لكرة القدم لم يبذل مجهودا أكبر للتسويق لها وجلب مستشهرين واستثمارات خاصة، وهو نفس الأمر على مستوى الاتحادات المحلية، إذ من النادر، حسب المصدر ذاته، مشاهدة تغطية ومواكبة إعلامية للدوريات والمسابقات المحلية للنساء خاصة بالوطن العربي.
وفي دراسة أجريت سنة 2019 على الاتحادات الأعضاء بالاتحاد الدولي لكرة القدم كشفت أن أقل من نصف الاتحادات الأعضاء تقدم عرضًا تلفزيونيًا أسبوعيًا لكرة القدم النسائية وأن 81 فقط من أصل 159 جمعية عضو نشطة تبث مباريات على الإنترنت.
توصيات ومقترحات
قدم مهدي نويصري ، في هذه الدراسة، مجموعة من التوصيات والمقترحات، داعيا إلى ضرورة أن يوفر المشرع الرياضي المغربي آليات حمائية تشريعية رياضية أكثر فعالية تتماشى والمعايير الدولية وتستجيب للتطورات الدورية التي يعرفها العالم.
واعتبر الباحث ذاته أن المنظومة التشريعية المغربية تحتاج إلى ميلاد تشريع رياضي جديد ومستقل يسعى إلى تجاوز الصعوبات التي تعاني منها الرياضية بصفة أساسية وبشكل تكميلي حظر ومكافحة كافة أشكال التمييز ضد المرأة (اللاعبة) سواء المرتبطة بالأبعاد السوسيو ثقافية أو بالنصوص القانونية والمسطرية أو بالعنصر البشري الفاعل في المرفق الرياضي.
وأشار إلى أن هذا الأمر يقتضي بالضرورة من المشــــــــرع المغربي استحضار الدور الهام الذي تضطلع به اللاعبة (الحامل، الأم، المربية…) وهو يهم بإنتاج نصوص قانونية فعالة تهدف إلى حمايتها ماديا وأخلاقيا خلال فترة حملها وأمومتها وأثناء وبمناسبة عملها.
ومن التوصيات المقدمة أيضا ضرورة تجاوز الفراغ التشريعي الحاصل على مستوى القانون 30.09 والنظام الأساسي لأوضاع اللاعبين وانتقالاتهم الصادر عن الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم والمتعلق بأحكام العقود التي تبرم بين اللاعبات والأندية وطرق وقفها مؤقتا وإنهائها.
كما شددت الدراسة ذاتها على ضرورة الحاجة إلى ملاءمة النظام الأساسي لأوضاع اللاعبين وانتقالاتهم مع المعايير والتعديلات التي وضعها الاتحاد الدولي لكرة القدم خاصة ما يتصل بتنظيم وتطوير كرة القدم النسائية، إضافة إلى سن مدونة رياضية خاصة تراعي الخصوصية التي تتميز بها كرة القدم بشكل يحقق نوع من الاستقلالية عن قانون الشغل.
ثالثا:ودعا نويصري إلى التنصيص على الضمانات التي يجب أن تقدمها الأندية لقبول عودة اللاعبة بعد فترة الأمومة، مه ضمان حصول اللاعبات على ثلثي الأجر خلال فترة العقد المتوقف، وتعديل بنود المادة 6 من النظام الأساسي لأوضاع اللاعبين وانتقالاتهم بشكل يسمح بتسجيل اللاعبات من قبل الجامعة خارج فترة التسجيل مكان اللاعبات التي أخذن عطلة الأمومة، مع التنصيص على ضرورة تسجيلهن ولو خارج فترة التسجيل عند انتهاء عطلة الأمومة رهنا بوضعهن التعاقدي.
وأكدت الدراسة أهمية جعل إثبات عدم التمييز ضد المرأة اللاعبة في التعاقد على عاتق الأندية إسوة بالتجربة الفرنسية، مع ضرورة توفر الأندية والجامعة الملكية المغربية لكرة القدم على دور للحضانة.
المصدر: العمق المغربي