اخبار المغرب

عندما يتحول القصر إلى جامعة!

اسماعيل الحلوتيالأربعاء 5 أبريل 2023 14:02

على الرغم من أن إحياءها على يد الملك الراحل الحسن الثاني رحمة الله عليه يعود إلى حوالي ستة عقود ويزيد قليلا، وأن أحداثها تنقل عبر الأقمار الصناعية إلى كثير من البلدان العربية والإسلامية، ويحضرها من مختلف بقاع الأرض كبار العلماء والشخصيات البارزة من المسلمين، فإنها لا تحظى للأسف الشديد بما يليق بها من اهتمام لدى الكثير من المواطنات والمواطنين المغاربة، الذين أصبح معظمهم يميل أكثر إلى البرامج التافهة وغير المجدية. إنها الدروس الحسنية التي يحتضنها القصر الملكي بالرباط.

فإحياء هذه السنة الحميدة يرجع إلى الملك الراحل الحسن الثاني في شهر رمضان من سنة 1382 هجرية الموافق لعام 1963 الميلادي، ومن ذلك الحين وهذه الدروس الدينية متواصلة دون توقف ما عدا خلال تفشي جائحة “كوفيد 19” بين 2020 و2022، وتبث مباشرة على أمواج الإذاعة والتلفزة الوطنية، مما يتيح الفرصة لقطاع عريض من المغاربة وغيرهم في متابعتها، خاصة أن مدتها لا تتجاوز الستين دقيقة. وقد حضرها إلى جانب مشاهير علماء العالم العربي والإسلامي العديد من أعلام المغرب من قبيل علال الفاسي، عبد الله كنون، المكي الناصري، الرحالي الفاروقي وغيرهم كثير. وتحرص وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على طباعتها وكذا إلى ترجمتها باللغتين الفرنسية والإنجليزية.

وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن الملك الراحل الحسن الثاني، كان قد ساهم شخصيا في إغناء هذه المجالس العلمية بمساهمة قيمة، أبرزت بوضوح المكانة الرفيعة لجلالته ومدى اهتمامه بالثقافة الإسلامية وآفاقها المستقبلية. حيث أنه تناول في درسه الديني القيم بالتفسير والتحليل قوله تعالى في سورة الأحزاب، الآية 72: “إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال”. إذ قال بتواضع الملوك العظام: “جرت العادة أن أشارككم شيئا ما في اختتام هذه الأحاديث، ولم تكن مشاركتنا مشاركة تدلكم من حيث التعلم والصناعة والفقه والحديث، ولكن مشاركتنا لها أساسان: الأساس الأول: أن النصيحة التي أوجبها على جميع المؤمنين في حق من ولاه الله أمرهم أوجبها من باب التبعية على أمير المؤمنين بالنسبة لرعيته. الأساس الثاني: وهو أن نحاول جهد المستطاع أن نظهر لكل شاب شاب نشأ مثل نشأتنا، وتلقى تربية مثل تربيتنا، ودرس دراستنا، وتثقف بازدواجيتنا، أنه إذا فتح الله قلب الإنسان وبصره وبصيرته، أمكنه أن يدلي ولو بنصيب قليل في تعريف الإسلام، وفي تفهيم الإسلام بطريقة عصرية واضحة.

وتلقى هذه الدروس ذات المستوى الرفيع في رحاب القصر الملكي العامر بالرباط الذي يتحول إلى جامعة رمضانية ومنارة للعلم والمعرفة، تحت الرئاسة الفعلية لأمير المؤمنين ملك المغرب، وهي العادة المحمودة التي تنفرد بها المملكة المغربية في الشهر الفضيل رمضان دون سواها من بلدان العالم العربي والإسلامي، بحضور نخبة من أكابر الشخصيات الوطنية من أمراء ومستشارين وضباط ووزراء ورؤساء الفرق البرلمانية وأعضاء الدواوين الوزارية ورؤساء المجالس العلمية وعمداء الجامعات، وعديد الشخصيات العلمية والثقافية وأهل الفكر والرأي، وكذا أهم الأشخاص المنتمين إلى السلك الدبلوماسي العربي والإسلامي المعتمد في المغرب.

حيث تحرص وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على دعوة كبار العلماء والفقهاء والباحثين من داخل المملكة المغربية، والصفوة من أقطاب العلم والفكر الإسلامي الوافدين من شتى بلدان العالم الإسلامي، لإلقاء دروسهم القيمة حول عدد من قضايا وهموم الأمة الإسلامية ومشاكلها، بناء على منهجية علمية دقيقة في إطار من الحكمة والوسطية في الطرح والمعالجة. ولاعتبارات سياسية تدخل الملك الراحل بدستور يؤكد على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة المغربية، الذي أطلق بموجبه على ملك البلاد لقب أمير المؤمنين، مما أثر على مسيرته في تسيير الشأن الديني. وهكذا أنشئت الدروس الحسنية الرمضانية بهدف رد الاعتبار لمكانة العلماء والفقهاء، والتعريف بدورهم الفعال في حصانة الأمة عبر هذا المنبر العلمي، الذي يفتح أبوابه في وجه جميع العلماء والأساتذة بغض النظر عن مذاهبهم وتوجهاتهم الفكرية، سنية كانت أم شيعية أم إباضية، وكذلك أمام مشايخ الصوفية.

وتستمد هذه الدروس الدينية قيمتها وقوتها ليس فقط من كون راعيها اليوم هو الملك محمد السادس، والذي هو في ذات الوقت أمير المؤمنين، وتحتضنها رحاب القصر الملكي بعاصمة المملكة المغربية، بل كذلك من عناصر أخرى ومنها على الخصوص مساهمة كوكبة من العلماء الأفذاذ الذين يمثلون مختلف الأقطار والاتجاهات الفكرية، فضلا عن نوعية المواضيع التي تتناولها وتتسع لتشمل كل مناحي المعرفة وقضايا وهموم المسلمين من منطلق إسلامي وبمناهج علمية مختلفة.

إن ما يميز ملوك المغرب على عدد من القادة العرب ورؤساء دول العالم، هو ما يتحلون به من حكمة ورؤية ثاقبة في استشراف الآفاق، وما يمتلكون من قدرة خارقة على الخلق والابتكار، بعيدا عن المناكفات غير المجدية التي من شأنها تعطيل مسار التنمية والإصلاحات الكبرى. وإذا كانت عبقرية الملك/الأب الراحل الحسن الثاني تتجلى مثلا في الدروس الحسنية والمسيرة الخضراء، فإنه يمكن تلخيص نبوغ الملك/الإبن محمد السادس في توقيع إحداث مصالحة وطنية عبر هيئة الإنصاف والمصالحة لمساعدة ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، وظهور مدونة الأسرة بهدف رفع الظلم عن المرأة والتدشين لمرحلة حديثة تتسم بقيم جديدة في التعاطي مع السياسة، والسهر على إطلاق عديد المبادرات الإنسانية ومشاريع عملاقة وضعت البلاد على سكة تنمية استثنائية وتاريخية بكل المقاييس…

النشرة الإخبارية

اشترك الآن في النشرة البريدية لجريدة هسبريس، لتصلك آخر الأخبار يوميا

يرجى التحقق من البريد الإلكتروني

لإتمام عملية الاشتراك .. اتبع الخطوات المذكورة في البريد الإلكتروني لتأكيد الاشتراك.

لا يمكن إضافة هذا البريد الإلكتروني إلى هذه القائمة. الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني مختلف.>

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *